الجميع يريد صرف شيكات الميدان الحلبي في الحسابات السياسية والتفاوضية. يسعى مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا ستيفان دي ميستورا إلى عقد جولة مفاوضات جديدة في جنيف نهاية آب، لإعادة تفعيل البحث عن الحلّ السياسي. ما كان قد اتفق عليه سابقاً بين موسكو وواشنطن سقط بمفاعيل الميدان، وبالنتائج التي حققتها فصائل المعارضة. قبل إطلاق المعارضة معركة فك الحصار عن حلب، كان النظام السوري وإيران وروسيا مستعدين للذهاب إلى جنيف على وقع محاصرة المعارضة في الأحياء الشرقية لمدينة حلب.
اليوم، تغيّرت المعادلة. انتقل "حزب الله" من الهجوم إلى الدفاع في مدينة حلب، خصوصاً في عدد من النقاط المهمة والأساسية. وقد سعى إلى شنّ هجمات على بعض المواقع التي خسرها بهدف استعادتها، لكن فصائل المعارضة استطاعت صدّ الهجمات. وفي وقت فتحت المعارضة معركة حي جمعية الزهراء ومعمل الإسمنت اتخذ الحزب موقع الدفاع. وبعيد إعلان فصائل المعارضة السيطرة على معمل الإسمنت وتحقيقها إصابات مباشرة في صفوف الحزب هناك، شنَّ الحزب هجوماً مضاداً فجر الإثنين وتمكّن من استعادة السيطرة على المعمل.
وتلفت مصادر قريبة من الحزب إلى أن المعارضة لم تستطع السيطرة بشكل كامل على المعمل، رغم إعلانها ذلك، حتى أنها لم تستطع دخوله بل كانت الإشتباكات على أطرافه. ولا تخفي المصادر أن الوضع سيء هناك والموقع قابل للسقوط في أي لحظة، لافتة إلى أن المعارك ستستمر كرّاً وفرّاً، معتبرة أن حتى الآن طريق الراموسة الأساسي غير آمن بشكل كامل بالنسبة إلى المعارضة، إذ أن الحزب لا يزال يسيطر على كتلة أبنية قريبة من معمل الإسمنت تكشف الطريق وتستطع قطعه بالنار.
وفي وقت يجري الحديث عن إختلاف في الأولويات بين فصائل المعارضة في معركة حلب المقبلة، هناك من يذهب إلى اعتبار أن الإختلاف أوسع وأشمل من ذلك. فلا يمكن إغفال الإختلاف في الأولويات داخل البيت الواحد، أي بين الإيرانيين و"حزب الله" من جهة، والنظام السوري والروس. وتعتبر مصادر ميدانية أنه في وقت يبرز توجه لدى النظام والروس في الإنسحاب من بعض الأماكن يرفض الحزب ذلك. ما يجعله وحيداً في المواجهة. وهذا ما يتسبب في سقوط العديد من الإصابات في صفوفه وينعكس سلباً على مسار العلاقة الميدانية مع الجيش السوري.
كلّ ذلك تردّه المصادر إلى ما يجري في الكواليس السياسية والإتصالات الدولية، ولاسيما أن الجميع ينتظر نتائج اللقاء التركي الروسي وانعكاسه على مدينة حلب ذات أهمية الاستراتيجية بالنسبة إلى تركيا، والتي تعتبر أن سقوطها خطّ أحمر ومسّ في أمن تركيا القومي.
وتكشف المصادر أن التفاوت في الآراء الروسية والإيرانية لا يزال قائماً، خصوصاً أنها تعتبر أن هذه المواقف خاضعة للمفاضلة بين موقف كل من روسيا وإيران، إذ في وقت تقوم الوجهة الروسية بإنجاز تسوية سياسية، تتمسّك إيران بمعادلة الميدان لفرض التسوية، بمعنى أن إيران تريد فرض الحلّ عسكرياً، وهذا يتطلّب في هذه المرحلة الصمود أكثر.
هذا الصمود هو ما يريد "حزب الله" تكريسه في المرحلة المقبلة، أي الحدّ من الخسائر في حلب، والإحتفاظ بالمواقع التي يسيطر عليها حالياً إلى حين حصول تبدّلات سياسية تنعكس في الميدان. كل ذلك ينتظر النتائج السياسية. وهذا ما يفرض على الحزب حالة دفاعية غير هجومية، رغم التحضير للثانية وإطلاقها حينما تسنح الفرصة.
↧