يوثق معرض سوريا الصغيرة، تماماً كما يدل اسمه «ليتل سيريا، نيويورك: حياة وإرث جماعة مهاجرين» تراث شارع من شوارع مدينة مانهاتن النيويوركية، كان عند نهاية القرن قبل الماضي وقبل عقود من ارتفاع مركز التجارة العالمي يعج بالتجار والمقاهي، حيث تمتزج أدخنة النراجيل بنفحات عطور تعبق برائحة شرق أوسطية ساحرة.
ويرسم المعرض من خلال الصور والأعمال الحرفية صورة مجتمع يجهل كثيرون أنه كان نابضاً بالحياة في يوم من الأيام، ويقدم ملامح «ليتل سيريا»، الحيّ الذي غاب عن الخارطة منذ زمن وكان موطن آلاف المهاجرين المكافحين، وواحداً من أوائل الأحياء السكنية العربية في الولايات المتحدة الأميركية.
مزيج
أقيم المعرض في مدينة نيويورك في دائرة المحفوظات بإشراف المتحف الوطني الأميركي العربي في ديترويت التي تشكل موطن أحد أكبر الجاليات العربية في البلاد. في حين تستقبل «إيليس آيلاند» النسخة الموسعة من المعرض الذي سيستمر حتى آخر شهر يناير المقبل، وكان نسيج الحي، على الرغم من تسميته بسوريا الصغيرة، مختلطا من مختلف جنسيات ما كان يعرف في ذاك الوقت بسوريا الكبرى، ويضم عدداً هائلاً من اللبنانيين والفلسطينيين والأردنيين، حيث يشير المؤرخون إلى أن غالبيتهم كانوا من المسيحيين.
معالم
إلا أنه مع مطلع أربعينيات القرن الحالي كان قسم كبير من الحيّ قد اختفى من الوجود، ليحل مكانه نفق «بروكلين باتري». وبالكاد أصبح يعرف اليوم باسم مانهاتن السفلى بعد أن كان حياً يعج بالحركة تقوم على جوانب شوارعه المحال المتخصصة في بيع المأكولات العربية، إضافة إلى الباعة المتجولين الذين اعتادوا عرض بضائعهم على المارة من سجادات مصنوعة يدوياً ومصابيح نحاسية. هذا ما أكده تود فاين، رئيس الجمعية التاريخية في واشنطن ستريت المختصة بحفظ تاريخ «سوريا الصغيرة».
بقايا
وأشار فاين إلى أن إحدى الكنائس السورية السابقة المعروفة بكنيسة القديس جورج، والتي تشكل أحد الأبنية المميزة التي تحولت إلى مطعم اليوم، إضافة إلى أحد المساكن القديمة على شارع واشنطن 109، ومبنى «داون تاون كوميونيتي هاوس» في الشارع المجاور آخر ما تبقى من آثار كان يشغلها عدد كبير من أبناء جماعة المهاجرين، وقد عمد فاين ومجموعة العمل في الآونة الأخيرة إلى وضع لافتات في حديقة ومنتزه «إليزابيث بيرجيه» لإحياء ذكرى الحي الضائع، وهم يأملون بالقيام بالمزيد من الخطوات من أجل الحفاظ على الإرث المتبقي من «ليتل سيريا».
ذاكرة
وأشار فاين: «يسود الكثير من سوء الفهم المرتبط بتاريخ العرب في أميركا، ويميط هذا الحي اللثام عن مجتمع من المهاجرين الأشداء، تماماً على غرار المهاجرين الآخرين الكثر الذين وفدوا إلى نيويورك، غير أن تلك القصة القديمة عن الهجرة العربية مفقودة بالفعل، إنها جزء من التاريخ الذي ضاع في غياهب الذاكرة الجماعية».
ازدهار
شهد مجتمع المهاجرين، على مدى عقود بدأت في ثمانينيات القرن التاسع عشر ازدهاراً، وشكل موطناً لعدد من المؤلفين العرب البارزين، وأهمهم أديب المهجر الكاتب والشاعر اللبناني جبران خليل جبران، والفيلسوف اللبناني كذلك أمين الريحاني، كما شهد ولادة أول صحيفة باللغة العربية في أميركا.
المصدر: البيان
↧