اثنا عشر يوماً من الحرب المتواصلة، كانت كافية لتحديد معالم ومصير منطقتي الهامة وقدسيا في الشمال الغربي للعاصمة دمشق. وبعد 15 شهراً من الحصار الكامل وإغلاق كافة المنافذ، بدأت معركة غامضة الهدف من قبل النظام السوري ضد المنطقتين، فيما بدأت صفحات قريبة من النظام على مواقع التواصل الاجتماعي بالترويج إلى أن الهدف من هذه العمليات العسكرية هو السيطرة على الأبنية المرتفعة في المنطقتين، مقابل تسوية أمور المسلحين والتعهد بعدم التعرض لهم مستقبلاً. وأمام التصعيد العسكري، سعت لجان المصالحة لتهدئة الوضع استجابة لضغوط شعبية من قبل أهالي المنطقتين، الذين طالبوا الفصائل المعارضة بالقبول بالتسوية التي طرحتها قيادة الحرس الجمهوري، بوساطة مفتي دمشق وريفها عدنان أفيوني، لإنجاز اتفاق موحد يشمل قدسيا والهامة. ويتضمن عرض قوات نظام الرئيس السوري بشار الأسد إخراج من لا يريد تسوية أوضاعه إلى مدينة إدلب، وتسوية أوضاع من يريد البقاء وتسليم كافة السلاح المتوسط والثقيل في المنطقة، إضافة إلى إقامة حواجز لجان شعبية يشكّلها أهالي المنطقتين، ومهمتها الحفاظ على أمن وسلامة المنطقة، مقابل فتح كافة الطرقات وعودة الخدمات إلى الهامة وقدسيا، وإدخال المواد الغذائية والتعهد بعدم التعدي من قبل ميليشيات "الدفاع الوطني" المتمركزة في أحياء الورود، والنازحين، وجبل الورد، المجاورة. جوبه عرض النظام بآراء متباينة، خصوصاً في صفوف قوات المعارضة، وظلّ عالقاً حتى يوم السبت الماضي، إلى أن سيطرت قوات النظام على الأبنية المرتفعة في محو العيون حتى جامع عمار بن ياسر، فتم الاتفاق على تثبيت نقاط سيطرة الطرفين مقابل وقف إطلاق نار، ينتهي بحلول يوم الثلاثاء. المعارضة بدت أكثر استجابة أمام الأمر الواقع الذي فرضته التطورات الأخيرة، فأعدّت قوائم أسماء الراغبين بالخروج من المنطقة، وتمت تعبئة القوائم وتقديمها، ليل الأحد-الاثنين، على أن يتم تنفيذ بنود التسوية كاملة وبالترتيب خلال أيام، أولها تسليم السلاح الثقيل والمتوسط، وبعدها خروج الدفعة الأولى من المقاتلين والجرحى، ومن ثم تسوية الأوضاع وتنفيذ باقي البنود، مع إعطاء مهلة 6 أشهر للمطلوبين لخدمة الجيش، يقدّم خلالها الراغبون بالتأجيل طلباتهم إلى شعب التجنيد، شرط توفّر مستندات العملية مثل التأجيل الدراسي أو التأجيل بداعي السفر، ويقوم من لا يمتلك تلك المستندات بالالتحاق رسمياً في صفوف الجيش. وكان العائق الأكبر أمام الشروع بإجراءات تنفيذ الاتفاق هو الأعداد الكبيرة الراغبة بالخروج إلى مدينة إدلب، الأمر الذي أثار اعتراض النظام، بالإضافة إلى عدم وجود ضمانات من قبل الأمم المتحدة، أو الهلال الأحمر السوري، لمرافقتهم إلى مدينة إدلب. وما يزال مصير المنطقتين معلقاً، بانتظار الموافقة على قوائم الأسماء التي تم رفعها إلى قيادة الحرس الجمهوري، والتي بلغت حوالى 700 اسم من منطقتي الهامة وقدسيا. وكانت الأيام الماضية قد شهدت معارك عنيفة في محاور عديدة، أبرزها محور العيون في الهامة، حيث تعرضت المنطقة إلى هجوم كبير من قبل النظام مدعوماً بمليشيات من "الدفاع الوطني"، واستخدمت خلال الهجوم قذائف الدبابات والرشاشات الثقيلة، إضافة إلى صواريخ "أرض-أرض"، المعروفة باسم "الفيل"، فضلاً عن الغطاء الجوي، حيث ألقت المروحيات حوالى خمسين برميلاً متفجراً. المرافق العامة نالت القسط الأكبر من التدمير، حيث أغلقت المدارس والمستشفيات، وخصوصاً بعد استهداف مستشفى "شام الأمل" في قدسيا بقذيفة دبابة، ومكتب "الدفاع المدني" في الهامة ببرميل متفجر ما أدى إلى خروجهما عن الخدمة بالكامل.
المصدر: المدن - عبدالرحمن فتوح
↧