تقطعت السبل بالآلاف من التلاميذ السوريين في المناطق المحاصرة، حيث حُرموا من متابعة دراستهم منذ بداية الحراك الثوري، فيما حملت المدارس آثار الحرب والقصف، إلى جانب هجرة المعلمين، ليترك جيل كامل بين سطوة الأمية والخوف من الموت أو الاعتقال.
ففي الغوطة الشرقية، قرب دمشق، والتي تتعرض لهجمة عنيفة من قبل قوات النظام، اضطرت مديرية التربية في ريف دمشق الشرقي، والتي يسيطر عليها الثوار، إلى تعليق عمل المدارس، خوفا من الحمم النارية التي تلقيها طائرات النظام، بحسب وصف الناشط الإعلامي، أبو الحسن الأندلسي.
وقال الناشط من مدينة دوما، إن صواريخ النظام ومقاتلاته الحربية استهدفت هذا الأسبوع، ثلاث مدارس، خلال فترات الدوام، ما أسفر عن سقوط قتلى بين الطلاب من المرحلة الابتدائية، وإصابة عدد من المعلمين بجروح خطيرة، ما أدى إلى استهداف النقاط الطبية التي تم إسعاف المصابين إليها.
وشرح مدير مدارس الحكمة في الغوطة الشرقية، عدنان ناجي، وضع العملية التعليمة، قائلا: "المتابع للأحداث الدامية في سوريا عموما، وفي الغوطة الشرقية خصوصا، يظن أن العملية التعليمية متوقفة نهائيا، لكن الواقع على الأرض خلاف ذلك تماما، فقد عمل المعلمون، وأصحاب الخبرات التعليمية على تشكيل مديرية تربية والتعليم في ريف دمشق، والتي أخذت على عاتقها مهمة افتتاح المدارس وتأمين الكوادر، وإجراء الامتحانات النهائية لطلاب الشهادتين.
لكنه أضاف، "نواجه الكثير من المعوقات التي تعطل سير العمل وأبرزها الوضع الأمني واستهداف المدارس بشكل مباشر أثناء الدوام، وغياب الكتاب المدرسي منذ خمسة أعوام، وتسرب أعداد كبيرة من الطلاب بسبب الفقر ولجوئهم إلى العمل، وتوقف المدارس في بعض الأحيان خوفا من القصف".
ورغم كل هذه "الظروف المأساوية"، أشار ناجي إلى أن إحدى طالبات المرحلة الثانوية حازت على المرتبة الأولى على مستوى سوريا، وفق قوله.
وقبيل بدء العام الدراسي الجديد، شهدت بلدات ريف دمشق الشرقي عموما، ومدينة دوما خصوصا، عدة مجازر راح ضحيتها العشرات من أهالي المنطقة والنازحين إليها، بعد التمدد الأخير الذي أحرزته قوات النظام، وخاصة في الأجزاء الشرقية من الغوطة.
وقد خلقت هذه التطورات قلقا وارتباكا من قبل القائمين على مديرية التربية في الغوطة الشرقية؛ في إعلان اليوم الأول من أيام المدرسة للعام الدراسي الحالي، وتحديد أوقات الدوام، واستيعاب مئات النازحين من الطلاب الذين هجروا من بيوتهم في البلدات المجاورة بعد سيطرة النظام عليها، كقطاع المرج والبلدات القريبة منه.
من جهتها، قالت المعلمة هدى أحمد، ، إنه "في ظل قصف متصاعد، نعارك الحرب ونأبى الركوع، لكن وحشيتها تفرض لونها القاتم رغما عنا".
وأوضحت أن تعطيل الدراسة سببه الرئيسي "ما تعرضت له مدينة دوما من قصف وحشي طال حتى المدارس، وحرصا على الطلاب تم إيقاف الدوام مؤقتا، وبعدها سيكون العمل بقانون الطوارئ المدرسي ككل سنين الحرب".
وأضافت: "ندفع الثمن من منهاج طلابنا الذي نأمل أن نكمله لهم؛ لأن هذه العطل المفاجئة ودوام الطوارئ يفرض تقليصا للمنهاج، هذا عدا عن غياب الطلاب قسرا بسبب قذائف قد دمرت بيوتهم أو أصابت أحدهم، وعدم أمان الطرقات المؤدية للمدرسة".
وتابعت: "ما زلنا نترقب ذلك اليوم الذي سنعطي فيه الدروس على لوح غير مشظى، أو صف خال من آثار الحرب، وأن نرى الطلاب بصحة جيدة لا إصابة تعيق حركتهم ولا قصف يرعبهم"،
وكانت إدارة التريبة في الغوطة الشرقية المحاصرة قد أعلنت قبل نحو أسبوعين عن بدء الدراسة للعام الجديد، برغم عشرات الغارات التي تستهدف المنطقة، واكتظاظ المدراس بأعداد كبيرة من الطلاب المتحمسين للدراسة، مع قلة الموارد والأدوات، بيد أن ظروف الحرب أجبرت المعنيين بالأمر على التراجع عن قرارهم، وإعلان توقف المدارس في كامل الريف الدمشقي المحاصر حتى إشعار آخر.
وأضاف الناشط الإعلامي أبو الحسن، "لم تمض إلا أيام معدودات من بدء الدراسة، حتى قامت قوات النظام بقصف المدارس في مدينة دوما والغوطة الشرقية، بالصواريخ الموجهة عبر الطيران الحربي، ومن ثم بالقنابل العنقودية المحرمة دوليا، وبعدها قام النظام بتمشيط البلدات بالهاون والمدفعية بالتزامن مع طيران الاستطلاع المتطور الذي لا يتوقف لا ليلا ولا نهارا".
وقد نتج عن القصف الجديد تدمير ثلاث مدارس بنسبة 50 في المئة، مع استهدف بعض النقاط الطبية، الأمر الذي خلّف عددا من القتلى، معظمهم من الأطفال، وجرحى بالعشرات منهم معلمون ومعلمات، ما اضطر مديرية التربية بالغوطة إلى إعلان إيقاف المدارس مؤقتا حماية لأرواح الأطفال، ما يعني عرقلة عملية التعليم التي تواجه أصلا صعوبات كبيرة ونقصا في الإمكانيات.
وقالت منظمة اليونيسف في تقرير لها إنها وثقت أكثر من 4 آلاف هجوم على المدارس، حيث أصبحت واحدة من أربع مدارس غير صالحة للاستخدام بسبب تعرضها للضرر أو الدمار، أو استخدامها كمأوى لاستضافة العائلات الهاربة من العنف. وخسر القطاع التعليمي في سوريا أكثر من 52 ألف معلم، كما خسرت البلاد عقدين كاملين من التقدم في مجال التعليم.
وبحسب المنظمة، فقد أُجبر أكثر من مليوني طفل في سوريا على ترك دراستهم، إما لنزوحهم بسبب القتال أو بسبب دمار أو إغلاق المدارس، أو بسبب النقص في الكادر التدريسي كما تجبر نتائج الصراع الأخرى الأطفال على ترك دراستهم كفقدان الوالدين الذين قتلوا في الحرب، أو انفصال الأطفال عن أفراد العائلة، أو حين يضطر الأطفال للعمل لمساعدة أسرهم.
المصدر: عربي 21
↧