ما تزال العملية العسكرية التي يشنها النظام وحلفاؤه في حلب مستمرة. وعلى الرغم من الضغط الناري البري والجوي، وفتح كامل الجبهات تقريباً على المعارضة المتحصنة داخل الأحياء الشرقية المحاصرة، إلا أنها لم تحقق أياً من أهدافها الكبرى.
.
المعارضة ومن موقع المدافع عن مواقعها، ما تزال في أفضل حالاتها، وما أن تخسر في جبهة تسارع إلى شن هجمات معاكسة لاستعادة مواقعها، مخلّفة في صفوف المليشيات خسائر كبيرة، فيما يحاول النظام رفع معنويات أنصاره بالحديث عن انتصارات متواصلة، وفتح ممرات آمنة للمدنيين، ومرور الألاف ممن يسكنون الأحياء الشرقية نحو الأحياء الغربية التي يسيطر عليها.
.
وكان النظام والمليشيات قد تمكنوا فعلاً من كسر دفاعات المعارضة الأولى في بعض جبهات القتال، كما في الشيخ سعيد، وبستان الباشا، وحلب القديمة، وتمكنوا من التقدم والسيطرة على أكثر من موقع، لكن هذه التغيرات على الأرض لم تدفع بالمعارضة نحو الانهيار، بل راحت تعزز مواقعها الخلفية معتمدة سياسة التحصين المستمر وانشاء الكثير من الخطوط الدفاعية، من بينها حفر الأنفاق، ورفع السواتر، وزرع الألغام التي يمكن التحكم بها عن بعد.
.
وكانت آخر عمليات التفجير التي استفادت منها المعارضة وعرقلت من خلالها تقدم النظام في حي سليمان الحلبي، عندما فجرت كتلة من المباني التي تحصنت فيها المليشيات عقب دخولها إلى المنطقة، ما تسبب بمقتل العشرات من افرادها وتراجع البقية. وتمكنت المعارضة من استعادة 90 في المئة من مواقعها داخل الأحياء المحاصرة بعد مواجهات عنيفة، كانت أبرزها في حي الشيخ سعيد، إذ تمكنت المعارضة من استعادة معظم مواقعها، كما تمكنت من استعادة نقاط عديدة في حي بستان الباشا، وقتلت خمسين عنصراً من المليشيات.
.
قائد "الفوج الأول"، أبوحمزة، أكد لـ"المدن"، أن مليشيات النظام وحلفاءها من المليشيات الشيعية، والإيرانية، والقوات الخاصة الروسية، بدت خلال اليومين الماضيين متخبطة، وعاجزة عن تحقيق تقدم فعلي على الأرض في مختلف الجبهات، واعتمدت على قصف مواقع المعارضة عشوائياً، مستهدفة البنية العمرانية بالمدفعية و صواريخ "فيل". وأوضح أبوحمزة أن جبهات حلب القديمة، والشيخ سعيد، وبستان الباشا، والشيخ خضر، والعامرية، وصلاح الدين، وسيف الدولة، ومحاور أخرى داخل الأحياء المحاصرة، تشهد معارك باستمرار، حيث تحاول قوات النظام والمليشيات أن تتقدم فيها بأي ثمن، لكنها لا تستطيع ذلك أمام المقاومة الكبيرة التي تبديها المعارضة وسرعة الحركة التي تتمتع بها واستجابة الفصائل السريعة لطلبات المؤازرة.
.
وأشار أبو حمزة إلى أن حي الشيخ سعيد كان "مقبرة للمليشيات التي خسرت أكثر من 125 من عناصرها" خلال أيام قليلة، ولم تحقق فيه تقدماً كبيراً برغم السياسة التدميرية التي اتبعتها في هجومها، ومساندة الطيران الحربي الروسي على مدار الساعة، الذي كان يستهدف، بشكل مركز، دفاعات المعارضة وخطوطها الأمامية بصواريخ ارتجاجية خارقة للتحصينات.
.
وأمام فشل القوات البرية في تحقيق تقدمات فارقة، عادت المجازر الروسية من جديد لتتصدر المشهد الحلبي بعد أيام قليلة على تراجعها. وبلغ عدد الغارات منذ الثلاثاء وحتى الأربعاء، أكثر من 200 غارة جوية استهدفت الأحياء الشرقية والضواحي الشمالية القريبة، والريفين الغربي والجنوبي، وترافقت الغارات مع قصف صاروخي ومدفعي مكثف طال الأحياء التي استهدفها الطيران، في السكري، والشيخ سعيد، وبستان الباشا، ومساكن هنانو، وحي الانذارات، وبعيدين، وعين التل، وأطراف العويجة، وقاضي عسكر، وطريق الباب، ما أدى إلى مقتل 40 مدنياً على الأقل، سقط معظمهم في حيي الفردوس وبستان القصر.
.التصعيد العسكري والغارات الجوية الروسية زادت الأوضاع الإنسانية سوءاً، إذ تضاعفت أعداد المواد المفقودة من الأسواق، كما تفاقمت الأزمة الطبية التي تعيشها المستشفيات الميدانية في حلب، في ظل وجود مئات الحالات الحرجة لمدنيين أصيبوا في القصف الجوي في وقت سابق، وهم الآن بحاجة ماسة للخروج وتلقي العلاج في مستشفيات متخصصة، فضلاً عن المئات من مقاتلي المعارضة، الذين يعانون من إصابات متنوعة بسبب المعارك المستمرة في محيط الأحياء المحاصرة. في السياق، قال أبوحمزة، إن أكثر ما يؤلم في حلب المحاصرة أن المصاب في المعارك من العسكريين، أو المدنيين الذين يسقطون في القصف اليومي، هو "مشروع شهيد مهما كانت حدة إصابته، وهذا العامل الأبرز الذي نتخوف من نتائجه على الروح المعنوية لدى المقاتلين والمدنيين على حد سواء في الأحياء المحاصرة،
.
أما باقي مستلزمات الحياة اليومية الناس اعتادت على تدبرها، والأسلحة والذخائر كافية لخوض معركة طويلة الأمد". وأضاف "نناشد كل الفصائل التابعة للمعارضة، جيش الفتح وفتح حلب، بأن تسرع أكثر في تحضيراتها لمعركة فك الحصار فالناس هنا في الداخل المحاصر بدأت تفقد الثقة بالوعود التي أطلقتها الفصائل خارج المحاصر بشأن معركة حلب".
.ويبدو أن النظام وحلفائه الروس والإيرانيين، ماضون في عمليات الإبادة الجماعية ضد الأحياء المحاصرة في حلب، والجولة القادمة ستكون لكسر المعارضة مجدداً، وسحق حواضنها الشعبية المتبقية داخل المدينة، لإجبارها على الاستسلام والقبول بمبادرات التهجير والإخلاء، ورهانهم على انهيار المعارضة، وإذا لم يتبلور موقف عسكري وسياسي يمنع استمرار التصعيد، فإن الفترة المقبلة تنذر بكارثة إنسانية مضاعفة، سيدفع ثمنها آلاف المدنيين.
المصدر: المدن - خالد الخطيب
↧