قد تكون الحادثة الأولى من نوعها عندما يقتل ضابط سوري منشق في سجن لبناني، هي قصة الضابط السوري، أسامة عبد الإله حصوة، المولود في مدينة القصير بريف حمص الجنوبي عام 1986، والذي انشق بعد اندلاع الثورة وهو برتبة ملازم أول عن قوات النظام السوري، ليلتحق بأحد فصائل قوات المعارضة السورية بمدينة القصير، وأصيب بجروح بليغة في الرأس عام 2013، ما اضطر لنقله إلى لبنان لتلقي العلاج هناك.
وفي لبنان أقام "أسامة" بشكل رئيسي في بلدة "عرسال" القريبة من الحدود السورية، والتي يوجد فيها حالياً نحو مئة ألف لاجئ سوري، وكان من مضاعفات إصابته بالرأس فقدانه الذاكرة لعدة أشهر، إضافة إلى استمرار حالته الصحية بوضع متدهور، ومع اندلاع المواجهات بين الجيش اللبناني وميليشيا حزب الله من جهة وداعش وجبهة النصرة من جهة أخرى في عرسال، والحملة التي شنها الجيش اللبناني على مخيمات اللاجئين السوريين، في شهر آب 2014، تم اعتقال أسامة.
وبذلك "عبد الإله حصوة" والد الشاب أسامة جهداً كبيراً للوصول إلى مكان اعتقال ابنه، رغم أن السجون اللبنانية قليلة العدد، مقارنة بما هو الحال في سورية، وبعد أشهر علم أن ابنه أصبح في "سجن رومية" وأن تهمته الانتماء إلى تنظيم إرهابي، تماماً مثل كثير من السوريين الذين اعتقلوا في تلك الفترة بعرسال، ووجهت إليهم تهم الانتماء إما إلى داعش أو إلى جبهة النصرة، إضافة إلى تهمة المشاركة في أعمال تخريبية واستهداف قوات الجيش اللبناني، واضطر مثل كثيرين للاعتراف تحت وطأة التعذيب.
وخلال سنتي الاعتقال، نقل "أسامة" إلى المستشفى عدة مرات، ورغم ذلك بالكاد سمح لأهله بزيارته، إلا أن أكثر ما كان مؤلماً بالنسبة لوالده هو الابتزاز الذي تعرض له، فطُلب منه دفع كفالة نقدية بقيمة عشرة آلاف دولار أمريكي مقابل إخلاء سبيل ابنه، وهو الذي بلغ منه الكِبر وليس له عمل، إضافة لخسارته كل أرزاقه في مدينة القصير التي استولى عليها مقاتلو ميليشيا حزب الله اللبنانية مع قوات النظام في حزيران عام 2013، ورغم ذلك لم يألُ جهداً ليجمع لابنه المبلغ المطلوب من أجل استعادته من وراء القضبان.
وفي العاشر من شهر تشرين الثاني 2016، كانت "عبد الإله" يأمل بأن يكون موعداً للفرحة، إلا أن الحزن لم يفارقه عندما علم أن ما سيستلمه هو جثة ابنه، وليظهر من تقرير الطبيب الشرعي المرفق أن "أسامة" توفي قبل فترة نتيجة مضاعفاة إصابته إضافة لما تعرض له من ظروف في السجن، منها التعذيب بطبيعة الحال، لتكمل السلطات اللبنانية ما بدأته وتخلي سبيل جثة "أسامة" مقابل عشرة آلاف دولار أمريكي عداً ونقداً، وليبدأ والده رحلة جديداً لسداد ما استدان خلال عامين.
↧