ميخائيل خودارينوك-موقع غازيتا الروسي: علي شرف الدين- الحياة
من المرجح أن يستولي الجيش السوري في المستقبل القريب على مدينة حلب. ولكن هل سيساهم النصر هذا في انهاء الحرب في سورية؟ هذا سؤال صعب. ففي حروب الشرق الأوسط لا ترتجى فائدة من خطوات مثل رفع العلم على الحصن التي تعلن انتهاء المعركة بسقوط الحصن، ويفتقر الى امكنة رمزية، يحسم سقوطها الحرب. ومن العسير تحديد الطرف المنتصر في المعركة اليوم. فقوات الأسد تسيطر على أقل من نصف مساحة البلاد ولا تمسك بمقاليد معظم المدن والبلدات. والخسائر البشرية فادحة، وهي تفوق ربع مليون قتيل وأكثر من مليون مصاب. والمدنيون مرهقون من الحرب المستمرة، وقوتهم استنفدت.
الوضع مأساوي
ويقود الحرب ضد قوات المعارضة السورية، ميليشيات سوريّة، وميليشيا «حزب الله» الشيعية اللبنانية، والمتطوعون الإيرانيون والعراقيون، وشركات عسكرية خاصة. وفي العام الماضي، لم تشن القوات السورية المسلحة أي هجوم ناجح. ويقتصر نشاطها القتالي الرئيسي على جباية الجزية والأتاوة من السكان على الحواجز. وهذا رأي يجمع عليه الخبراء العسكريون المتابعون للأحوال السورية. وسلاح الجو منهك، ويستخدم قنابل «منزلية»، ويحفر الجنود خنادق مائية للاحتماء من أنفاق الإرهابيين. وعلى خلاف معنويات الميليشيات العالية، معنويات الجيش السوري متدنية.
وجعبة هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة السورية خاوية من خطط استراتيجية متماسكة تحدد الأهداف في المدى القريب والمدى المتوسط. ولا يؤمن جنرالات الأسد في قدرة الجيش على استعادة النظام في بلدهم من دون مساعدة عسكرية من دول أخرى. وتدني الروح المعنوية للجيش السوري وثيق الصلة كذلك بواقع أن الجيش السوري الحالي لم يحرز أي انتصارات عسكرية في تاريخه منذ هزيمته في اول حرب عربية - اسرائيلية في 1947-1948. كما لا يرى جنود الجيش السوري نهاية قريبة للأزمة، ومواعيد انتهاء الخدمة العسكرية غير محددة في القوات المسلحة. والحوافز والضمانات الاجتماعية للجنود ولعائلاتهم تكاد تكون منعدمة.
ولا تملك دمشق الموارد اللازمة لتذليل هذه المشكلات. فحكومة الأسد تفتقر الى مصدر ثابت للدخل. والمال في الخزينة السورية حتى في بند الاحتياجات الدفاعية الملحة غير متوافر. فسنوات القتال قوّضت الاقتصاد. والإنتاج الصناعي انخفض 70 في المئة، والإنتاج الزراعي 60 في المئة والإنتاج النفطي 95 في المئة. ويفاقم تأزم الوضع انخفاض مستويات التجنيد في القوات المسلحة السورية والنقص في الأسلحة والعتاد العسكرية. فمستوى التجنيد والتسليح متدن، ويبلغ نحو 50 في المئة مما يفترض ان يكون عليه. ولا يلبي التجنيد السنوي الحد الأدنى من احتياجات الجيش. ومنذ 2011، يتولى ضباط الصف والمجندون الذين خدموا حين استدعائهم، مهمات الخدمة العسكرية. ويعود هذا التدني في التجنيد إلى عدد من الأسباب، منها دعم بعض المجندين المحتملين للقوات المناهضة للحكومة، وانخراط آخرين بصفوف الجماعات المسلحة، وعدم رغبة شطر من الشباب في المشاركة في القتال. كما أنّ ثمة عدداً كبيراً من المجندين المحتملين ضمن صفوف اللاجئين خارج سورية، بما في ذلك في أوروبا. وثمة عدد كبير من السكان يعيش في المناطق التي لا تسيطر عليها القوات الحكومية. ويخشى المجندون وأقاربهم انتقام المسلحين.
وأكثر من نصف عديد وحدات الجيش السوري منتشر على نقاط التفتيش والحواجز في أنحاء البلاد. والانتشار هذا يعني أن معظم أفراد الجيش يعملون في معزل عن وحداتهم العسكرية. وانطلاقاً من الحواجز هذه والنقاط تدور معارك دفاعية فحسب. ولم يشن الجيش السوري أي هجوم جدي لتحرير مدن رئيسية.
البراميل المتفجرة
تشن الطائرات السورية يومياً عدداً كبيراً من المهمات القتالية (في 2015، كانت تصل إلى 100 مهمة يومياً)، وتستخدم المقاتلات السورية أسلحة مختلفة بما فيها الطوربيدات البحرية والألغام وما يسمى البراميل المتفجرة التي تلقى على المسلحين والتي فاق عددها 10 آلاف برميل. وتمثل «البراميل المتفجرة» قنبلة جو- أرض يتراوح وزنها بين 200 و1000 كلغ، وتحدث هذه البراميل انفجارات كبيرة وتستخدم لتدمير المباني والهجمات على مجموعات كبيرة من المسلحين. وبلغت خسائر القوات الجوية السورية منذ بداية الصراع (نيسان-أبريل 2011)، وفقاً لتقديرات مختلفة، نحو 200 طائرة وأكثر من 150 طيّاراً.
حرب الأنفاق
وتشغل الأنفاق ومكافحتها حيزاً واسعاً من الحرب في سورية. وهي تستخدم لتقويض المباني حيث تقع مراكز القيادة والسيطرة، ومخازن الذخيرة والموارد المادية. ويلجأ اليها من أجل تنفيذ هجمات مفاجئة على الأهداف العسكرية للقوات الحكومية. وعلى رغم التهديد الخطير من باطن الأرض، تهمل القوات المسلحة السورية هذا الخطر، ولم تجمع معلومات عن أماكن انتشار الأنفاق هذه.
التفوق المعنوي والتكتيكي للمسلحين
ويحتل الضباط السابقون في القوات العراقية ممن خدموا في عهد الرئيس صدّام حسين، عدداً كبيراً من المناصب العليا في قيادة الجماعات الإرهابية وجماعات المعارضة المسلحة في سورية. وحصّل هؤلاء خبراتهم في الحرب مع إيران وحربي الخليج الأولى والثانية. وتتشكل القيادة العليا للجيش السوري الحرّ من الرؤساء السابقين لهيئة الأركان العامة، وجنرالات الألوية والوحدات العسكرية السورية. وتمتلىء صفوف المتمردين بمن تركوا صفوف الجيش الأسد. ويتمتع المسلحون بقدرات حركية عالية والقدرة على إنشاء مجموعات هجومية في شكل خاطف. وهم يعرفون المنطقة جيداً ويتمتعون بموارد مالية وبشرية كبيرة.
وتصب الجهود الرئيسية للمعارضة المسلحة في الحفاظ على المرتفعات والمناطق السكانية الرئيسية. لذا، الممرات المتاحة أمام القوات الحكومية في مرمى نيران المعارضة المسلحة. وتشن مجموعات صغيرة متنقلة من 10 الى 15 مقاتلاً على متن ثلاث أو أربع مركبات مزودة برشاشات ثقيلة وقذائف هاون 82 ملم بدعم من الصواريخ الراجمة، هجمات مرتدة. وتشارك في الهجوم فرقة وصولاً إلى خمس فرق. والغرض من الهجمات المرتدة الإمساك بزمام المبادرة، وبعدها استعادة السيطرة على الأراضي والإمساك بها.
وحين تشن القوات المسلحة الروسية هجوماً، تنسحب هذه الفرق من مواقعها وتترك الأماكن السكنية، مخلفة وراءها مجموعات صغيرة للمراقبة. أمّا الوحدات المسلحة التي تتعرض للضرب والقصف، فإنها تنتقل إلى تركيا أو إلى المناطق التي يسود فيها نظام وقف إطلاق النار لإعادة بناء القدرة القتالية، ورص صفوفها وتجنيد المقاتلين وحيازة العتاد.
ومعنويات المسلحين عالية وتفوق نظيرها في صفوف أقرانهم في القوات المسلحة السورية. ويسمح أسلوب عمل المجموعات المسلحة لها بالردّ بسرعة وفعالية على المتغيرات. وتساهم الحدود المكشوفة في يسر تحرك المسلحين (دمشق لا تسيطر إلا على الحدود مع لبنان و50 كيلومتراً من الحدود مع الأردن).
آن أوان انسحاب روسيا
في بداية الحرب الأهلية كان ميزان القوى يميل إلى مصلحة القوات الحكومية. وكان في وسع الأسد، منطقياً، أن يعول على النجاح السريع في مكافحة الجماعات المعارضة المسلحة غير النظامية. ومع ذلك، فإن الحرب الأهلية في سورية والمواجهة مع الإسلاميين سلطتا الضوء على أنّ التفوق العددي والتقني ليس كافياً لتحقيق النصر. فالنصر يقتضي معنويات عالية وإرادة صلبة ورغبة في إحرازه، والثقة بالنفس وبالقدرات العسكرية، والعزم والشجاعة، والحيلة الواسعة، وحس المبادرة، والقدرة على جذب الآخرين واستمالتهم. وتفتقر القوات الحكومية الى هذه الأمور والخصائص.
وليس السبيل الى إنقاذ الجيش السوري، وهو شبه متحلل ومتذرّر، واضحاً. والتدابير القمعية، لن تحمل الجنود على القتال. ولا نظير لهذه الحال في التاريخ العسكري. واتخاذ تدابير تأديبية صارمة مثل اطلاق النار على الفارين والخائنين والانهزاميين قد يساعد في ارساء النظام في الوحدات العسكرية المتداعية والمذعورة، ولكن أحداً لم يفز في أي حرب بواسطة المحاكم العسكرية.
وإذا لم يشعر عناصر القوات المسلحة بأن حماية الوطن هي هدف سام، ولم يستعدوا للتضحية، ولم يشعروا بالرغبة في المثابرة حتى آخر قطرة دم في الدفاع عن كل موقع والصمود واحتقار الموت دفاعاً عن الوطن، فعندها لن تنفع في مثل هذا الجيش أي اجراءات جزائية.
ومن جهة، يبدو من الأيسر تسريح الجيش السوري وإنشاء جيش جديد، أي بعبارة أخرى إعادة إطلاق عملية التطوير العسكري في البلاد. ولكن من جهة أخرى، فإن المشكلة الرئيسية هي الافتقار إلى أشخاص أكفياء في سورية حالياً يتولون مثل هذه المهمة. ومن المحتمل أن يرث الجيش السوري الجديد كل أوجه قصور الجيش السابق. ولا جواب واضحاً على أبرز الأسئلة: «من الذي سيموّل إنشاء هذا الجيش الجديد؟».
وخلاصة ما تقدم واضحة: الفوز بالحرب مع حليف مثل جيش الأسد، متعذر. والاعتماد الكامل على الميليشيات غير ممكن. فمصالح «حزب الله» اللبناني والمتطوعين الإيرانيين مختلفة عن المصالح الروسية.
ولذا، يبدو أن على القيادة العسكرية والسياسية الروسية اتخاذ قرار حاسم: إنهاء الحملة العسكرية في سورية قبل نهاية 2016 وسحب القوات، والإبقاء على القاعدة العسكرية هناك. وعليه، لا يخفى أن إرساء النظام والأمن في سورية عبر الوسائل العسكرية من دون الوسائل الديبلوماسية والسياسية والاقتصادية والبروباغندا، ومن دون دعم قوي من الدول الأخرى لهذا البلد المدمر، مستحيل.
↧