يشبه كتاب المحاورات الجديد مع الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند "من المفروض ألا يقول الرئيس هذا"، والذي هو خلاصة لقاءات طويلة بين الرئيس وصحافيَين من جريدة "لو موند"، هما جيرارد دافيت وفابريس لوم، في كثير من الأوجه، كتابَ رئيس المجلس الدستوري السابق، جان لويس دوبريه: "ما لم أكن أستطيع قوله". لكن الفارق الرئيس هو أن كتاب دوبريه صدر بعدما انتهت مهامه السياسية. أما الرئيس الفرنسي، فلم يُنه بعد ولايته الرئاسية الأولى ويفكّر في الترشح ثانية لولاية جديدة.
ولم يَسْلم أحد، من لسان هولاند اللاذع. البعض أحس بالإهانة والبعض شعر بالجرح، والبعض الآخر بالحقد. فهو يقول عن رئيس البرلمان بارتولون: "إنه كان يرى نفسه رئيسا للحكومة بعد رحيل جان مارك أيرولت، لكن ليس له الحجم، كما أنه ليس معروفاً بشكل جيد، وحين يُصبح معروفا فليست له كاريزما مهمة".
أما وزيرة التربية الوطنية، والتي تعتبر من أكثر وزرائه وفاء ودفاعاً عنه، نجاة فالو- بلقاسم، فهي كما يقول هولاند: "جيدة، قوية جداً في استخدام اللغة الخشبية. طموحة، أحسّ بهذا. نجاة ليست مثقفة، لم تدرس في المدرسة الوطنية للإدارة، ولكنها تريد أن تصل... إنها تعمل، وهي واضحة وبسيطة وصلبة، لا شيء يوقفها، لديها طموح. إنها تذكرني بسيغولين (رويال) في الثمانينيات".
الكتاب ظهر في فترة غير ملائمة، كما تقول صحيفة "لو كانار أنشنيه"، حيث كان 170 نائباً برلمانياً اشتراكياً و90 عضواً في مجلس الشيوخ و75 من رؤساء الفدراليات يتأهبون لنشر بيان لدعم ترشيح الرئيس هولاند، يوم 12 أكتوبر/تشرين الأول، فإذا بالمقاطع الأولى من الكتاب تنتشر في الصحف. وعلى الفور، سحب 20 نائباً برلمانياً واثنان من رؤساء الفدراليات تواقيعهم. كما أن حركة سحب التوقيعات مرشحة للازدياد.
وقد استطاع ظهور الكتاب، الذي أثار ابتهاج الإعلام، لما يثيره من فضول في ظروف صعبة تعيشها فرنسا، أن يغطي على كثير من القضايا السياسية الكبرى التي تشغل الساحة الفرنسية، وعلى رأسها الانتخابات التمهيدية لليمين لاختيار مرشح له في رئاسيات 2017.
ولحد الآن، أي بعد أسبوع من صدور الكتاب، لا يزال الكتاب يشغل وسائل الإعلام، وسيظل تأثيره لفترة طويلة. ولم تخطئ صحيفة "لو باريزيان" حين وصفته بـ"الاعترافات المتفجرة"، من حيث أن الكتاب لا يغفل أحداً، بالنقد والتجريح. ليس فقط ضد خصوم الرئيس السياسيين، ولكن أيضاً ضد منافسيه داخل الحزب، بل وحتى المقربين منه.
أما صحيفة "لو فيغارو"، فلم تخف جدلها من صدور الكتاب وتوقيته، وكتبت بأنه "يأتي في وقت غير مناسب تماما للرئيس فرانسوا هولاند"، وأثار انتباهها الطريقة التي يتعامل بها الرئيس مع الجناح اليساري داخل الحزب الاشتراكي، أما مع "المتمردين"، الذين لا يوافقون على السياسات الليبرالية للحكومة، فقد قال عنهم: "إن المتمردين هم الدليل على أن تجمّعاً من الناس يمكن أن يصنع حشدا غبيّا".
صحيفة "لو موند"، التي أجرى اثنان من صحافييها هذا الكتاب/الحوار، وصفت ما بعد ظهور الكتاب بـ"الدوامة" التي وضع فيها الرئيس نفسه، والتي من نتائجها الواضحة أن النواب الاشتراكيين لم يعودوا يرون أي فرصة للرئيس في الفوز ثانية، بل حتى في الترشح لرئاسيات 2017.
وتستشهد الصحيفة بتعليق غاضب ومرير لوزير الخارجية الفرنسية، جان مارك أيرولت، يقول فيه إن الجواب على كتاب "من المفروض على الرئيس ألا يقول هذا" موجودٌ في عنوان الكتاب، وهو الشيء الوحيد المهمّ فيه.
وأما أكثر المجلات الفرنسية التي تابعت الموضوع وكرست له حيزا كبيرا من صفحاتها، فهي مجلة "فالور أكتويال"، اليمينية التي لم تُخفِ ابتهاجها من ردود الأفعال الغاضبة التي صدرت من معسكر اليسار، خاصة من الذين وردت أسماؤهم في الكتاب، والذين لن يغفروا أبدا للرئيس هذه "الخيانة" و"الطعنات من الخلف" و"نكران الجميل"، جميل وفائهم واحترامهم لمسؤولية خدمة الدولة.
السجالات التي فتحها الكتاب كثيرة، ويصعب أن تنطفئ بين عشية وضحاها، كما أنها لن تسمح له، بسهولة، بالترشح، في جو طبيعي، لانتخابات 2017. ولعل على رأسها اتهام رجال القضاء الفرنسي بأنهم "جبناء"، وهو ما حرك المؤسسة القضائية، التي لن تنسى هذه "الإهانة"، رغم اعتذار الرئيس.
ثم إن التهجم على رياضيي كرة القدم، والتأكيد على أنهم أناس "لا مرجعية لديهم ولا قيمة"، كسّر الصورة التي حاول أن يقدمها عن نفسه، من قبل، باعتباره المشجع الأول للفريق الوطني الفرنسي لكرة القدم.
المصدر: العربي الجديد
↧