أعرب بشار الأسد عن قناعته بأنه سيبقى في الحكم 5 سنوات إضافية على الأقل أي حتى عام 2021، رافضا تحميله أي مسؤولية عن القتل والدمار الذي حل بسوريا، لأنه ليس رئيسا سيئا فـ"الشخص السيئ هو الذي يقتل الأشخاص الأخيار" حسب قوله.
جاء ذلك في تقرير موسع كتبته مراسلة "نيويورك تايمز" آن برنارد" من دمشق، ونشرته الصحيفة الأمريكية اليوم الثلاثاء، وتولت "زمان الوصل" ترجمة أهم مضامينه.
"برنادرد" التي تدير مكتب "نيويورك تايمز" في بيروت، استهلت تقريرها بوصف صمت المدافع على قمة جبل قاسيون، وانعكاس الأضواء على منحدراته، بينما كان بشار مساء الاثنين يستضيف مجموعة من الصحافيين الأمريكيين والبريطانيين والمحللين السياسيين، وكأن سوريا لا تعيش ولم تعش الحرب من قبل.
وحسب وصف "برنارد" فقد كان بشار مفعما بالثقة، وهو يحاول إرسال رسالة للرأي العام الغربي بأن حكومات بلادهم ارتكبت خطأ بدعمهم للمعارضة.
وأمام ضيوفه، تعهد بشار بما سماه عهدا جديدا من الانفتاح والشفافية والحوار في سوريا، من حق كل سوري فيه أن يكون "مواطنا كاملا، بكل معنى الكلمة".
لكن بشار رفض تحميله أي مسؤولية شخصية عن الحرب التي تجتاح سوريا، واضعا كل اللوم على الولايات المتحدة والمتشددين الإسلاميين، وليس على حكومته أو قوات الأمن التابعة لها.
وفي ظل استبعاده لأي تغيرات سياسية إلى أن تنتصر قواته في الحرب، أعلن بشار عن قناعته بالبقاء رئيسا على الأقل حتى تنتهي ولايته الثالثة في عام 2021، مشددا على أن النسيج الاجتماعي في سوريا هو اليوم "أفضل بكثير من ذي قبل"، ويقصد قبل اندلاع الحرب التي شردت نصف السكان البلاد، وقتلت مئات الآلاف، وزجت بعشرات الآلاف في المعتقلات، وأحالت مدنا إلى ركام.
وأظهر بشار ثقته بجيشه الذي استعاد زخمه وسوف يستعيد السيطرة على البلد بأكملها، مكررا اتهامه لواشنطن بدعم تنظيم الدولة وغيره من المسلحين المتطرفين، ومعتبرا أن الاتهامات الموجهة له ولمسؤولين في نظامه بارتكاب جرائم حرب، هي اتهامات مسيسة أو ملفقة.
وقال بشار: "أنا مجرد عنوان عريض، الرئيس السيئ، الرجل السيئ، هو الذي يقتل الأخيار.. الدافع الحقيقي هو إسقاط الحكومة، هذه الحكومة لا تتناسب مع معايير الولايات المتحدة".
وتابع: "رغم مقتل آلاف السوريين على يد الإرهابيين فلا أحد يتحدث عن جرائم حرب"
وفيما يخص ما ارتكبه من جرائم بقصف الأحياء السكنية والمشافي والمدارس وغيرها، خاطب بشار جلساءه: "دعونا نفترض أن هذه الادعاءات صحيحة، وأن هذا الرئيس قتل شعبه وأن الولايات المتحدة تساعد الشعب السوري.. بعد خمس سنوات ونصف، من هم الذين ساندوني؟ كيف يمكنني أن أكون رئيسا وشعبي لا يدعمني؟!".
ومع قهقهة معتادة منه، واصل: "هذه ليست قصة واقعية".
وادعى بشار أن معظم الدعم لم يأته من أطراف خارجية، وإنما من الناس ومن حزب البعث الذي يرأسه، وكذلك سانده أولئك الذين يخشون من البديل (البديل عن بشار ونظامه)، من أن يكون حكما متطرفا أو فوضى عارمة نتيجة انهيار الدولة. دون أن يتحدث عن دور نظامه في القضاء على المعارضة المدنية وتركيز هجماته على الفصائل التي لاتعتنق أفكارا متطرفة، وغيرها من الأساليب التي قلصت مساحة الخيارات البديلة المتاحة أمام السوريين.
ورأى بشار أن السوريين "أدركوا قيمة الدولة" نتيجة الحرب، معتبرا أن النسيج الاجتماعي تعزز بفضل هذا الإدراك، وهو الذي جعل الناس تميل للنظام.
وأشار تقرير "نيويورك تايمز" إلى أن تصريحات بشار ولقاءه بصحافيين غربيين، جاء بعد مؤتمر لـ"الجمعية السورية البريطانية" استمر لمدة يومين، وهي الجمعية التي يترأسها والد زوجته "فواز الأخرس"، أحد عرابي الدعاية لانفتاح السياسة الأسدية، وأصحاب الجهود في ميدان الحرب الإعلامية.
وقد حضر العشرات من الصحافيين والمحللين الدوليين ذلك المؤتمر، في محاولة للحصول على إذن دخول إلى سوريا، لأخذ لمحة وكتابة تقارير صحفية حول القسم الواقع تحت سيطرة النظام.
وخلال المؤتمر الذي رعاه "الأخرس"، أرسل عدد من المتحدثين رسائل واضحة للغرب عن استعداد النظام للانخراط معه، ولكن بشروط النظام هذه المرة، باعتباره "منتصرا".
وقد أكد بشار أن الغرب بمن فيه الولايات المتحدة ما زال على تواصل معه، مصرحا: "حتى هذه اللحظة، ما نزال نتواصل عبر قنوات مختلفة".
ولم تنس "برنارد" الإشارة في تقريرها إلى ولع بشار وزوجته بـ"رعاية الفنون"، وإلى لوحة معلقة على إحدى جدران القصر للفنان "سبهان آدم".
ولم ينس بشار من طرفه أن يذكّر بولعه بالتكنولوجيا، ومتابعته لشؤونها بشكل يومي، معبرا عن فخره بدخول جولات الجيل الرابع إلى سوريا خلال الحرب، ولكنه تحفظ على من يقول بهوسه بألعاب الفيديو، معلقا: "آخر لعبة لعبتها كانت الأتاري.. غزاة الفضاء".
ورأى بشار أن إعادة هيكلة سوريا أو إصلاحها تتوقف على تغيير "نظام التشغيل"، أي العقلية المبنية على أساس الدين، حسب وصفه، معقبا: إنه ليس سيئا في حد ذاته، ولكن الأيديولوجيات الإسلامية تقوم على "تأويلات خاطئة" تجذرت قبل الحرب وغذتها.
وواصل: "الأسلمة تعني، أنا لا أثق بأي شخص لا يبدو مثلي، يتصرف مثلي، يفكر مثلي.. العلمانية تعني حرية الدين".
ولكن بشار الذي كان يتحدث بلهجة الانفتاح والمنفتحين، بدا عليه التشنج عندما وُجه إليه تساؤل يتعلق بالإفراج عن السجناء السياسيين ومعتقلي الرأي، فأجاب: "لا يوجد لدينا سياسيون (سجناء)، لدينا جنائيون.. المجرمون هم الذين يخرقون القوانين، سواء كانت في جانبها السياسي أو العسكري أو الأمني".
وتابع: "إذا قدمت الدعم للإرهابيين، فأنت لست سجينا سياسيا.. أنت تدعم القتلة".
ولفت بشار إلى أنه أطلق سراح عشرات الآلاف من السجناء من خلال مراسيم العفو، مدعيا في الوقت ذاته أن سلطته وصلاحياته تخولناه الإفراج عن أولئك الذين حوكموا وحكم عليهم.
وردا على سؤال حول معتقلين مجهولي المصير لم تسمع عنهم أسرهم أي شيء منذ سنوات، طلب بشار من السائل دليلا، قائلا: "هل لديك وثائق؟ هل تمت مشاهدتهم في السجن؟"، مسديا النصيحة لتلك العائلات بأن "تراجع المؤسسات" المعنية، وهي نفس المؤسسات التي قال إنها قاتل ويقاتل للحفاظ عليها، معتبرا أنها سواء كانت "سيئة أو جيدة" فإن الغرب ليس من صلاحياته تغييرها.