عاد التوتر ليخيم على العلاقات الألمانية-التركية بعد رد الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، على المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، التي عبّرت أخيراً عن قلقها من تنامي ما وصفته بالقيود على حرية التعبير واعتقال مجموعة من الصحافيين. وهو ما دفع أردوغان إلى توجيه الاتهام لبرلين خلال حفل أقيم في أنقرة أخيراً، بأنها "أضحت الفناء الخلفي للإرهاب"، في إشارة منه إلى أنصار حزب العمال الكردستاني وحزب التحرير الشعبي الثوري، وحركة الخدمة التي يقودها فتح الله غولن، المقيم في الولايات المتحدة والمتهم بمحاولة الانقلاب في تركيا منتصف يوليو/تموز الماضي.
ويبدو أن التصعيد الكلامي بين البلدين ينطلق من تذمر السلطات التركية من لامبالاة ألمانيا وعدم ردها على مطالب أنقرة بالتعاون في ملفات 4 آلاف شخص مقيمين على أراضيها، وسلمت ملفاتهم في وقت سابق للسلطات الألمانية، وتعتبرهم تركيا إنقلابيين مفترضين ولهم يد في التحضير لزعزعة الاستقرار في تركيا.
في هذا الإطار، يستبعد المراقبون أن تتجاوب السلطات الألمانية مع المطلب التركي، إذ إنه يتناقض مع مفهوم الحريات وحقوق الإنسان في أوروبا ومع مفهوم الديمقراطية والتعريف التاريخي لحكم الشعب وقيام مجتمع رغيد. وبحكم التمايز في المقاربة بين الدولتين، والذي يتجسد بوصف تركيا هؤلاء المطلوبين بالإرهابيين، فيما يعتبر هؤلاء أنفسهم مقاومين من أجل الحرية، تعتبر ألمانيا أن الجانب التركي لم يرسل أدلة تبرهن اتهاماته للتعامل معها وفقاً للمعايير الدستورية. أمر ألمح إليه أخيراً، وزير العدل الألماني، هايكو ماس، عندما قال إنه في حال تطبيق تركيا عقوبة الإعدام، فإن مسألة إعادة المطلوبين الأتراك ستكون أصعب في المستقبل. ويقلق هذا الملف برلين من منطلق حرصها على حسن العلاقات مع أنقرة واعتبارها حليفاً ثابتاً.
وتخشى ألمانيا أن ينعكس التوتر على الاتفاق بين الاتحاد الأوروبي وتركيا بشأن مسألة اللاجئين في مارس/آذار الماضي. ويحتل هذا الاتفاق حيزاً واسعاً في كل خلاف بين أنقرة والأوروبيين، في ظل تأخر تنفيذ بنود الاتفاق من قبل هؤلاء. وهو ما يدفع حكام أنقرة باستمرار إلى التلويح بإلغاء الاتفاق قبل نهاية العام الجاري، ولا سيما إذا لم يتحقق مطلب تركيا قريباً لناحية إعفاء مواطنيها من تأشيرة الدخول إلى دول الاتحاد. ويشترط الأوروبيون على الحكومة التركية، لتنفيذ هذا البند، إحداث تغييرات واسعة على تشريعات مكافحة الإرهاب. في المقابل، يتمسك الاتحاد، في ضغطه على تركيا، بورقة التهديد بوقف مفاوضات العضوية الأوروبية، وهو ما تبدو أنقرة غير متمسكة به بالمقدار نفسه الذي كانت عليه قبل سنوات.
ويعتبر مراقبون أن السياسة التركية تعتمد أسلوب الضغط على أوروبا، والتي بدورها يجب أن تتحمل مسؤولية إخفاقاتها، طالما أنها لا تزال تعاني من صعوبة الاتفاق بين دولها على سياسة تسمح لها بترتيب الوضع بشأن أزمة اللاجئين من دون الاعتماد على أنقرة. والمقصود هنا تفاهم الأوروبيين على تطبيق الخطة المتفق عليها باعتماد نظام الحصص في استقبال اللاجئين في دولهم. وخير دليل على عمق المأزق الذي وقع فيه الاتحاد، هو توجيه شخصيات أوروبية الشكر إلى كل من مقدونيا وصربيا وكراوتيا والنمسا على إغلاقها طريق البلقان للحؤول دون تدفق أعداد إضافية من اللاجئين إلى ألمانيا.
و بعد التطورات الأخيرة في تركيا، يرى خبراء في الشؤون الخارجية الأوروبية أن هناك العديد من المعضلات التي تواجه الاتحاد الأوروبي وألمانيا. ويشيرون إلى أن أوروبا لا تزال تأمل من أنقرة أن تصحح المسار وتتحول إلى "منارة للديمقراطية في العالم الإسلامي"، ولذلك لا مصلحة لها في رفع مستوى التوتر في العلاقات وقطع المحادثات من خلال الانتقادات اللاذعة، إنما الاكتفاء ببيانات الاستنكار والاستياء. وهو ما لجأ إليه وزير الخارجية، فرانك فالتر شتاينماير، عندما رد على أردوغان معلقاً بالقول: "لا أستطيع أن أفهم على الإطلاق تصريحات الرئيس التركي بشأن الوضع الأمني في ألمانيا".
فضلاً عن ذلك، لقد اكتسبت تركيا أهمية اقتصادية بالنسبة للأوروبيين. وبات لدول الاتحاد مصلحة كبيرة في الحفاظ على هذا الاتصال الوثيق، ولا سيما أن تركيا تشهد نمواً سكانياً. وهذا البلد مؤهل ليكون سوقاً ومصدراً للعمال الماهرين في المستقبل، بالنسبة لأوروبا.
كذلك، لا يمكن الاستغناء عن تركيا في قضية اللاجئين، كما أن أوروبا تعرف أنها بحاجة أكثر من أي وقت مضى لمساعدة تركيا للخروج من هذه الأزمة، في حين أن لأنقرة مصلحة في الإبقاء على علاقات التعاون مع دول الاتحاد الأوروبي والاستفادة من أسواقها لتعزيز اقتصادها.
المصدر: العربي الجديد - برلين - شادي عاكوم
↧