فتحت قضية فاطمة حمزة، الأم التي سجنت بعد رفضها التخلي عن حضانة ابنها، النقاش مجدداً حول قوانين الأحوال الشخصية المذهبية المطبقة في لبنان، ولاسيما في الشق المتعلّق بالتمييز ضدّ المرأة والإجحاف بحقها. وشعار "مع فاطمة ضد المحكمة الجعفرية"، الذي أطلقه المتضامنون مع فاطمة في البدء تحوّل سريعاً إلى هاشتاغ ضدّ المحاكم الدينية على اختلافها، لإمتلاكها جميعاً قوانين غير منصفة في تعاملها مع المرأة. تملك كلّ طائفة تشريعها الخاص الذي تتحكم عبره بحياة المنتمين إليها، في ما يخصّ الزواج والطلاق وحضانة الأطفال والتوريث وإلى آخره. وذلك في ظلّ غياب قانون تسري أحكامه بالتساوي على المواطنين كافة. أما في ما يخصّ قوانين الحضانة لدى الطوائف، فتتميز طائفة الروم الأرثوذكس بمنح الأمّ أعلى سنّ حضانة بين الطوائف (حتى عمر 15 للفتيات و14 للفتيان). في المقابل، تمنح الطائفة الشيعية أدنى سنّ حضانة للأم (حتى السنة الثانية للصبي والسابعة للفتاة). أما الطائفتان السنية والإنجيلية، فلا تفرقان بين الصبي والفتاة في سن الحضانة، إذ تتمتع الأمّ الإنجيلية بحق حضانة أطفالها حتى السابعة من عمرهم، وتتمتّع الأم السنية بهذا الحقّ حتى الثانية عشرة من عمر أطفالها، مهما كان جنسهم. وتجدر الإشارة إلى أن المحكمة الشرعية السنية كانت قد رفعت سنّ الحضانة منذ بضع سنوات، بعدما كانت 7 سنوات للصبي و9 سنوات للفتاة. ورغم الإجحاف الذي يطال المرأة في ظلّ هذه القوانين، إلا أن حقها القانوني في حضانة أطفالها، يظلّ عرضةً للسلب، عبر التحايل على القوانين وإثبات أن الأمّ ليست أهلاً بتربية أطفالها. وتشير المحامية المتدرجة وعضو فريق المفكرة القانونية لمى كرامة إلى أنه في إمكان القاضي أن يسقط عن المرأة حقها بحضانة أطفالها في حال إاتهمها طليقها بالزنا، أو في حال زواجها من رجلٍ آخر، أو إنتمائها إلى طائفة أخرى، أو إثبات أنها لا تمنح أطفالها تنشئة دينية مناسبة. حتى أنه "وصل الأمر بأحد القضاة إلى جعل فتاة في التاسعة من عمرها تُسمّع القرآن للتحقّق مما إذا كانت أمها تربيها تربية صالحة". من جهةٍ أخرى، تتجاهل قوانين الأحوال الشخصية مصلحة الطفل، التي تكرسّها القوانين الدولية، فـ"هي لا تأخذ بالإعتبار رغبة الطفل ولا تسأله رأيه، كما أنها تنطلق من منطلق ذكوري بغالبيتها"، وفق كرامة. وهذا ما تؤكّده لمى فقيه، نائبة مدير قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش، مشيرةً إلى "غياب مفهوم مصلحة الطفل، الذي يفترض أن يكون أساس أي حكم صادر، بالإضافة إلى غياب فكرة الحضانة المشتركة". تتعدّد الأسباب والتبريرات غير المنطقية التي يُركن إليها لسلب حق الحضانة من الأم. وقد تصل في لاعقلانيتها إلى حدّ "الحكم بمنح الحضانة للأب، لأن الأم تحمّل صوراً لها على فايسبوك"، وفق فقيه. ورغم تحمّل القضاة الشرعيين مسؤوليةً كبيرةً لإصدارهم أحكاماً من هذا النوع، إلا أن المشكلة الحقيقية، وفق كرامة، هي في القوانين نفسها التي تسمح بهذا الهامش من التمييز ضدّ المرأة والطفل على حد السواء. لكن يبقى أمام الأم مرجعية قانونية واحدة يمكنها اللجوء إليها في حال إثباتها أن الأب يمثّل خطراً على أطفاله. وهي قانون الأحداث، الذي يتضمّن مادّة تنصّ على حقّ مصلحة الأحداث التدخّل في حال كان الوالد يمارس أي نوع من العنف على أطفاله، كتعاطي المخدرات أو الكحول أو لعب القمار، وذلك إنطلاقاً من "مخالفة هذه الممارسات للتعاليم الدينية"، وفق كرامة.
المصدر: المدن - يارا نحلة
↧