الاتحاد برس - محمد إقبال بلّو
"حلب عملتلك كبة، ونسيوا الثورة السورية"، "اللي ما بشارك أمه حلبية" هتف المتظاهرون في مختلف المناطق السورية عندما تأخرت حلب بانتفاضتها ضد نظام بشار الأسد، هذا التردد الحلبي الذي جعل مدينة الحب والجمال وزهرة الشمال "سيرة على كل لسان" لم يكن آتياً من فراغ، بل يبدو أنه كان ناتجاً عن حيرة وحذر وخوف من المستقبل الذي أصبح حاضراً اليوم، بكل سواده وعتمته وقساوته على الحلبيين معارضين وموالين، في مناطق تقبع تحت سيطرة النظام، أو تقبع تحت سيطرة فصائل متنوعة أخرى.
حينها كان يتساءل طفلي ذو السبعة أعوام وبكل براءة "أنا امي حلبية.. بس شاركت" نعم شارك ودفع ضريبة مشاركته، كما طحن البقية ترددهم ومازالوا يحصدون حتى اللحظة، إذ أن مخاوفهم كلها قد تحققت، ليصبح الشارع الحلبي، شارعاً يفتقد الخوف، شارعاً أدمن الموت بكل الطرق، ذبحاً وقصفاً وشنقاً وطعناً، وتحت كل التسميات، فتارة باسم الله وتارة باسم الوطن.
اليوم يرغب الحلبيون بالنجاة لا أكثر، يرغبون بانتهاء المعركة وحسمها لصالح أي طرف من الأطراف، الحلبيون المدنيون الجائعون المحاصرون، أولئك الذي تتساقط فوقهم القنابل مطراً، والذين يحلمون أن يناموا ليلة واحدة دون ان يستيقظوا على أصوات الانفجارات ورائحة الدماء، هؤلاء الحلبيون مختلفون عن غيرهم ممن امتهنوا الحرب، او ممن يعتاشون على نتائجها، يأملون في كل غزوة جديدة خيراً، ويدفعهم الأمل للمجاراة والمجاملة و "حرق الدواليب" أيضاً، لكنهم يصطدمون بالنتيجة كالعادة، إذ تتوقف "الغزوة" ليغزو النظام من جديد، ويشتد الخناق عليهم اكثر من ذي قبل.
"الدراويش" لا يعرفون أن لكل "غزوة" برنامج خفي له حدود لا يجرؤ مقاتل على تجاوزها، لأن ثمن جرأته سيكون الموت لا غيره، ولا يدركون أن كل القادة من "الثوار" أحجار شطرنج لا أكثر، تتحرك بحسب اللاعب الذي يقبع خارج الحدود، ويلعب اللعبة عن بعد، ولم يتنبهوا حتى اليوم أن اتصالاً دولياً يشعل معركة وآخر يوقفها عندما تصل للحد المسموح به، لهذا نراهم يشعلون "الدواليب" بل ويسمون المعركة "غزوة ام الدواليب".
حلب، ورقة المساومات الدولية، التي يستخدمها الروس والأتراك في هذه المرحلة، والتي مازال غربها عصياً على الفصائل المعارضة، وشرقها عصياً على قوات النظام، لأن اتفاقاً ما لم ينضج بعد، وعندما ينضج الاتفاق وبحسب المصلحة الروسية او التركية، يتم تقرير مصير مئات الآلاف على جانبي الضفة الحلبية، ولن تكون المعارك التي نشهدها اليوم ذات تأثير في تلك النتائج، وإنما أثرها ينصب باستنزاف القوى العسكرية والموارد البشرية، أما النتائج فلا يمكن التكهن بها مطلقاً، ولن تكون سوى مفاجأة سارة يقدمها الاتراك للمعارضة أو يقدمها الروس للنظام.
الحلبيون "الدراويش" الغزوات كلها تشن ضدكم أنتم، وأطنان المتفجرات تتلقاها صدور أبنائكم، بينما الحديث عن شهداء في معارك الجهاد، فطوبى لهؤلاء الشهداء الصادقين الذين صدقوا الكذبة، وذهبوا ضحايا معركة غير مجدية، ليست غزواتكم لان الغزوات المزعومة إن كانت تستهدف النظام، فلتشتعل في معاقله في الجنوب والغرب، هناك يحارَب النظام وتدفع الفصائل العسكرية الفاتورة لا انتم، وهناك يحقق الانتصار لو رغب القادة المسيرون ومن يسيرهم باستهداف النظام، أما فوق بيوتكم المهترئة فالنظام منتصر باستمرار لأنكم انتم فاتورة الحرب.
الطريق من حلب إلى حلب شديد الوعورة، ولا يمكن إصلاحه او تعبيده دون موافقة "المتعهد" هذا المصطلح الذي يدرك معناه الحلبيون قبل غيرهم، وطالما أن "المتعهد" يقبض "الكشوف" وهو مصطلح أيضاً يفهمه الحلبيون، فإنه سيستمر في مشروعه غير محدد المدة، لاسيما أن "واسطته" في فرع المخابرات الدولية، مازال على رأس عمله.
المصدر: الاتحاد برس
↧