في الثالث والعشرين من يونيو (حزيران) الماضي، نام البريطانيون في أوروبا واستيقظوا على جزيرة، بعدما صوتت غالبيتهم للخروج من الاتحاد الأوروبي في استفتاء رسمي، وبدأ الندم منذ اللحظة الأولى بعد أن رشحت النتائج، وتسارعت الأحداث بشكل تفوق على القضايا العربية الشائكة التي يصعب في بعض الأحيان فهمها أو حتى فك طلاسمها.
وفي اليوم التالي غادر ديفيد كاميرون مقره «10 داونينغ ستريت»، تاركا وراءه فراغا في رئاسة الحكومة، وتشابكت الأخبار وركضت وكأنها تتنافس في سباق جري للوصول إلى نقطة النهاية، وتبدلت الأسماء التي كانت محتملة وشبه محتملة للفوز بمنصب الرئاسة، إلى أن أتت تلك السيدة بحذائها اللماع، وألوان ملابسها الصارخة، لتبسط سلطتها وتحصل على المفتاح.
تيريزا ماي رئيسة الوزراء البريطانية هي ثاني امرأة تحتل هذا المنصب في بريطانيا بعد مارغريت ثاتشر، الملقبة بـ«المرأة الحديدية»، ولكن وللأسف فتيريزا ماي ملقبة بـ«مهووسة الأحذية».
وكم ذُهلت عندما رأيتها خلال مقابلة تلفزيونية منذ يومين قبيل إلقائها خطابها الرسمي، وهي مضطرة إلى الرد على المذيع على سؤاله عن اهتمامها بالأحذية، فجاوبت: «إذا كان أمر حذائي مهما إلى هذا الدرجة بالنسبة للصحافة والمنتقدين، فهذا الشيء سيدفعني إلى شراء المزيد منها». وكم أُعجبت بجوابها هذا، فهل يعقل بأن يتناسى الرجال قوة هذه المرأة وكفاءتها التي خولتها للوصول إلى أهم منصب سياسي في بريطانيا؟ لمجرد أنها امرأة ذكية وتحب الموضة ولديها الجرأة على انتعال أحذية مميزة بأشكال وألوان صارخة؟
السؤال هنا، هل علق أحد على حذاء بوريس جونسون، أو باراك أوباما أم أن المرأة هي دائما تحت المجهر، ومن قال إن المرأة الذكية والقوية في أي مجتمع لا تستطيع بأن تكون أنثى أيضًا؟
قصة حذاء تيريزا ماي أصبحت أشبه بقصة «إبريق الزيت». ولمن لا يعرف هذه القصة التي أصبحت مثلا شعبيا، فهي تعني الاجترار في الكلام والتكرار الذي يثير الملل، وهذا ما هو حاصل حاليا مع أحذية رئيسة الحكومة البريطانية التي تسلمت بريطانيا في أسوأ أوقاتها، وفي وسط زوبعة «بريكست» التي لا يعرف أحد كيف وإلى أين ستأخذنا وعلى أي شاطئ ستطرحنا.
اهتمام الصحافة والسياسيين في بريطانيا بالأحذية يدل - وللأسف - على أن النظرة السطحية للمرأة الأنيقة لا تزال موجودة حتى في أوروبا التي تعتبر متقدمة على البلدان العربية.
فهل يعقل بأن يتم التركيز على أزياء المرأة وإطلاق الأحكام عليها بمجرد أنها تهتم بهندامها وشكلها وتتابع الموضة وتمشي على خطاها؟
من قال إن الموضة والأناقة مصممة فقط لذوي العقول الفارغة؟ ومن قال إن السياسية يجب أن تنسى أنوثتها وتخضع لوابل من الانتقادات السامة التي لا تمسها لوحدها، بل تمس كل امرأة ذكية وأنيقة في الوقت نفسه؟
الصحف في بريطانيا تركت الأحداث المحلية المهمة والأخبار العالمية الدامية وتفرغت لنشر صور أحذية تيريزا ماي، وأشارت إلى أسعارها. وكم أشعر بالأسى عندما أرى هذا النوع من التطبيل الفارغ في الأخبار، وكم أشعر بأنه يستقصد المرأة ويقلل من شأنها وقيمتها.
فكما أن النظافة من الإيمان، فالأناقة من لوازم الحياة، وهي حق للجميع، رجالا ونساء، ولم أر أحدا ينتقد سياسيا أنيقا، والدليل هو تفرع الصحافة العالمية لهندام الرئيس الأفغاني حامد كرزاي الذي تم اختياره بوصفه أكثر الرؤساء أناقة في العالم، ولم يؤثر اهتمامه بشكله الخارجي على قدراته القيادية، فهل يعقل أن تترك الصحافة مصائب العالم وتركض وراء حذاء؟
المصدر: الشرق الأوسط
↧