لا يمكن أن يقول الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) إنه بات يعرف قاتل “أبو عمار”، وإنه سيكشف النقاب عن اسمه خلال انعقاد مؤتمر حركة “فتح”، الذي من المفترض أنه ينعقد في رام الله في التاسع والعشرين من هذا الشهر، لو أنه لا يمتلك معلومات مؤكدة وصحيحة، ولو أن الجهات المعنية في منظمة التحرير والسلطة الوطنية، وبالطبع في حركة التحرير الوطني الفلسطيني، التي هي المعنية أكثر من غيرها بهذه المسألة الخطيرة التي لا يمكن غض النظر عنها أو السكوت عنها، لم تصل إلى حقائق مثبتة إلا بعد اثني عشر عاماً من ارتكاب هذه الجريمة!
على مدى اثني عشر عاماً، ونحن نسمع روايات ومعلومات عن اغتيال ياسر عرفات، الذي هو رمز الكفاح الفلسطيني المعاصر، منذ انطلاقة حركة “فتح” في عام 1965 وحتى الآن. لكن “أبو مازن” بقي صامتاً، والسبب أن عمليات الاستقصاء والتحقيق لم تكن قد انتهت. لكن، وعندما تسلم أخيراً وقبل أيام آخر التقارير المهمة التي تضمنت مستجدات مثبتة وموثقة استناداً إلى معلومات استخلصها بعض المخولين بمتابعة هذه المسألة الخطيرة خلال لقاءات مع مسؤولين “مختصين” في إحدى الدولتين المعنيتين، روسيا الاتحادية وفرنسا، فقد كان لا بد من إعلان كل شيء وكشف النقاب عن اسم الفاعل الحقيقي أمام أعضاء مؤتمر التنظيم صاحب الرصاصة الأولى الذي كان أسسه “أبو عمار” مع عدد من رفاق السلاح، وتم الإعلان عنه عسكرياً باسم “العاصفة” من دمشق، بعد عملية “عيلبون” بالقرب من الناصرة في “الفاتح” من عام 1965.
لقد ثبت الآن وبصورة مطلقة أن إسرائيل هي التي تقف وراء اغتيال ياسر عرفات، وأن عملية الاغتيال قد تمت بمادة الـ”بولونيوم”، لا بالملامسة ولا بالحقن بواسطة “إبرة”، ولا من خلال الشراب ولا الطعام، ولكن من خلال المعنيين بعلاج التهاب أحد أضراسه. وهنا، فإن الأفضل ترك ما تبقى من معلومات في هذا المجال للرئيس “أبو مازن” لأنه هو من غدا يمتلك كل هذه المعلومات، ولأنه صاحب الحق، باعتباره رئيس الشعب الفلسطيني، في الكشف عن هذه القضية الخطيرة التي تهم الفلسطينيين كلهم ومعهم العرب بأغلبيتهم، وكل من تهمه القضية الفلسطينية في العالم بأسره.
وأغلب الظن، وهذا أحد الاستنتاجات المتداولة الآن في رام الله، بل في الضفة الغربية كلها، وأيضاً في المناطق المحتلة منذ عام 1948، أنَّ وراء هذا الـ “سيناريو” الإجرامي شخصاً نافذاً ومتنفذاً، ولديه القدرة على إيصال ما يريد إيصاله إلى “أبو عمار”، أكان طبيباً أم مراجعاً عادياً، ولديه أيضاً القدرة على التخلص من هذا الشخص حتى لا تدور الدوائر ويتم اكتشافه وتصل التهمة التي حاول تفاديها إليه ترافقها إثباتات مؤكدة، على اعتبار أن الجهات الفلسطينية المعنية بمواصلة التحقيق لديها حقائق إدانة متعددة وكثيرة.
ثم إن المتداول على وجه التأكيد في الدوائر الفلسطينية المعنية هو أنّ شارون يقف وراء هذه الجريمة، وبالتالي فإنه لا بد أن تكون جهات أمنية إسرائيلية هي التي أدارت هذه العملية، وأنها هي التي تابعت كل التفاصيل مع هذا المتنفذ الفلسطيني المشار إليه وتزويده بمادة الـ “بولونيوم” القاتلة التي من غير الممكن أن تحصل عليها إلا “الدول”، بعض الدول لا كلها. والمعروف أن بولندا هي أول من أنتج هذه المادة القاتلة، مع التأكيد على أن المعنيين الفلسطينيين يستبعدون، بل هم ينفون نفياً قاطعاً، أن تكون هذه الدولة الصديقة متورطة في هذه العملية الإجرامية، من قريب أو من بعيد.
وهكذا، وفي النهاية، فإنه لا بد من القول: “وعند جهينة الخبر اليقين”… وبانتظار ما سيقوله الرئيس محمود عباس (أبو مازن) في مؤتمر حركة “فتح” الذي أصبح على الأبواب، فإنه لا بد من الإشارة إلى أن “أبو عمار” كان تعرَّض لمحاولات اغتيال كثيرة، من بينها تمكُّن المخابرات الإسرائيلية من الوصول إلى “طباخه” عبر ضابط “مخترق” من المكتب الثاني اللبناني، المخابرات اللبنانية، لكن هذا الطباخ أصيب بالانهيار في اللحظة الأخيرة وبادر إلى الاعتراف بكل شيء. أما المحاولة الثانية فهي أنه كان قد جرى ترتيب كمين له على الطريق بين حمص وطرابلس اللبنانية، لكن مسؤولاً سورياً كبيراً أبلغه مسبقاً بهذه المحاولة التي قُتل فيها عدد من مرافقيه كانوا في موكب “وهْميٍّ” انطلق من دمشق، بينما كان ياسر عرفات في طريقه إلى تونس، مستقلاً أول طائرة مغادرة بعدما وصلت إليه المعلومات المتعلقة بهذه المؤامرة!
الجريدة - صالح القلاب
↧