استطاعت إيران، بعد مفاوضات صعبة ومكثفة، الوصول إلى اتفاقها النووي، في يوليو/تموز العام الماضي، والذي يسمح بإلغاء العقوبات الاقتصادية الغربية التي فُرضت على البلاد، وهو ما دخل حيز التنفيذ العملي مطلع العام الحالي.
ومع ذلك، لم يلمس الإيرانيون، حتى اليوم، الانتعاش المأمول، نتيجة عدد من المحددات التي حذر منها منتقدو الاتفاق أولاً، وبعض خبراء ومستشاري الشأن الاقتصادي ثانياً.
وتتلخص المكاسب الملموسة عملياً في استقرار اعترى السوق المحلية منذ الإعلان عن الاتفاق. إذ تراجعت نسبة التضخم الاقتصادي تدريجياً لتصل إلى 9%، مع كبح احتكار التجار للبضائع وتلاعبهم بالأسعار. فقد وصلت هذه النسبة، في سنوات سابقة، إلى 40%، وأدت إلى كوارث انعكست على معيشة الإيرانيين.
صحيح أن التراجع الكبير في نسبة التضخم إنجاز ليس بالهين، لكن خبراء الاقتصاد يعتبرونه ليس كافياً لاقتصاد بلد فيه مقومات حقيقية كثيرة قادرة على إنعاشه.
العامل الرئيس يرتبط بعدم جني طهران ثمار الاتفاق النووي بالكامل. وتشتكي وزارة الخارجية، التي تسلمت ملف المفاوضات النووية، من ضغوط أميركية تمنع رفع العقوبات المالية والمصرفية، وهو ما يعقّد تسهيل علاقات المصارف الإيرانية مع نظيراتها الأوروبية، ويقف في وجه تطبيق المشاريع والصفقات الكبرى التي توصلت إليها البلاد مؤخراً مع مسؤولين من الغرب. وهذه الصفقات من شأنها، وفق الخبراء، تغيير مؤشرات الاقتصاد، خصوصاً زيادة النمو وتوفير فرص العمل.
ويؤكد عضو اللجنة الاقتصادية في البرلمان الإيراني، أحمد محمدي، أن الاتفاق بعد مرور أكثر من عام على عمره، وما يزيد عن تسعة أشهر على تطبيقه عملياً، لم يحقق اللازم، خصوصاً أنه لم تُلغ كل قرارات العقوبات، متهماً الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية بعدم تنفيذ التعهدات بالكامل.
وفي حواره مع "العربي الجديد"، يقول محمدي إن البلاد لم تتصل بعد بنظام "السويفت" الدولي، ومازالت بعض المشكلات قائمة، والامتيازات والمكتسبات المنتظرة مازالت غير ملموسة.
ويلفت إلى أن نواب البرلمان يعملون على متابعة الموضوع مع وزارة الخارجية المكلفة أصلاً بتقديم مبررات لما يحدث والوقوف في وجه نقض الاتفاق.
ويرى النائب، أن الفقر والبطالة من أهم مشكلات الاقتصاد الإيراني منذ سنوات، معتبراً أن مؤشرات الحياة في كل مجتمع تعتمد على فرص العمل، قائلاً إنه يجب التخلص من مشكلة الركود أولاً، وهذا يحتاج إلى وقت حتى بوجود الاتفاق النووي والتخلص من العقوبات ولو نسبياً.
ويشرح أن حركة السوق ورؤوس الأموال هي التي ستنعش كل شيء بما فيها المشاريع الصغيرة التي تعطلت بفعل الحظر، وكلها أمور كفيلة بحل هذه المشاكل مستقبلاً، حسب قوله.
ويتحدث بعض الخبراء عن أن المشكلة لا ترتبط فقط بالعقوبات، إذ توجد في إيران مشكلات محلية.
ويشرح تقرير خاص لصحيفة "دنياي اقتصاد" تحت عنوان "مكابح النمو الاقتصادي"، أن اقتصاد إيران اعتمد، طيلة السنوات الماضية، على عوامل خارجية، وهي عائدات النفط، ومستحقات الدولة من الخارج، وهو ما أدى إلى انهيارات قطاعية في سنوات الحظر، وما يجعل الأمور متذبذبة حتى بعد التخلص منه.
في المقابل، رأت صحيفة كيهان، المحسوبة على الخط المحافظ المتشدد، والتي كان لها تحفظاتها البالغة على الاتفاق النووي، أن السوق الإيرانية تعاني الركود الحاد حتى اليوم، ونشرت على صفحتها الأولى أنه رغم الادعاءات الحكومية بوجود مؤشرات تدل على انخفاض نسبة التضخم إلى أقل من 10% وارتفاع معدل النمو إلى 4%، لكن التجار الكبار في بازار طهران الشعبي- على سبيل المثال- ممن أكدوا على لمس الاستقرار في الوضع الاقتصادي، ما زالوا يؤكدون عدم استشعار التحسن الحقيقي.
ويقول الصحافي في الشأن الاقتصادي الإيراني، بهمن آرمان، إن حرص الحكومة على تطوير العلاقات مع المستثمر الغربي بدا واضحاً، وتحسن المستوى المعيشي للسكان مرتبط بشكل مباشر بالاستثمار، حسب قوله.
لكنه يرى أن البلاد خرجت حديثا من نفق دامت عتمته عشر سنوات، ولا يمكن لمس التحسن سريعاً، كما لا يمكن لمس نتائج استثمار لم تطبق صفقاته بعد.
ويؤكد آرمان، لـ "العربي الجديد" أنه لا توجد أجواء لطرح فرص عمل مناسبة، ولا توجد قوانين لحماية وتطوير الإنتاج المحلي، ولا قوانين واضحة للاستثمار الداخلي والأجنبي، وهو ما يعني ضرورة القيام بإصلاحات سريعة للاستفادة من الحد الأدنى من امتيازات ومكتسبات الاتفاق.
أما خبير الاقتصاد، شريف خسروي، فيرى أن "تغيير صورة إيران أمام المجتمع الدولي، والتي عمل كثيرون على تشويهها في سنوات سابقة، أمر يحتاج لوقت ويخضع لعوامل السياسة". ويعتبر أن ذلك سيزيد من عوامل الضغط الأجنبية لا المحلية والتي ستسوق باتجاه إلغاء كل العقوبات، وإزاحة القلق من ما سيحمله المستقبل، والتوجه نحو السوق الإيرانية.
إضافة إلى ذلك، يوجد عامل آخر أثر على الاقتصاد الإيراني في سنوات سابقة، ألا وهو عامل الفساد الذي تنبهت له الحكومة الحالية ويجري صراع بين التيارات في الوقت الراهن في محاولة لإبعاد أيدي الفاسدين عن السوق.
يذكر خسروي أن الشفافية شرط ضروري لكي تحقق المؤسسات الحكومية مبتغاها بما ينعكس على حياة المواطن. ويرى أن تجار السوق السوداء لم يعودوا عاملاً مؤثراً على معيشة الإيرانيين، ولكنهم قد يؤثرون على القدرة الشرائية بحكم التلاعب بسعر صرف العملة المحلية أمام الدولار.
المصدر: العربي الجديد - طهران ــ فرح الزمان شوقي
↧