خرج الشاب "عمر الشغري" من سجن "صيدنايا" عام 2015 ليجد والده وإخوته "محمد" و"عثمان" قد قضوا ذبحاً في مجزرة قرية "البيضا" في 2/أيار-مايو/ 2013 بعد أن فقد ابني خالته اللذين اعتقلا معه، أحدهما مات محمولاً بين ذراعيه والآخر مات جالساً بجانبه، حيث لم يكن هناك مكان يتسع لموته مستلقياً في أقبية سجن "صيدنايا" الذي نُقل إليه لاحقاً.
ولد عمر عام 1995 في "البيضا التابعة لـ"بانياس"، وعاش لسنوات في بلدة "القطيفة" في مساكن العسكريين بريف دمشق، حيث كان والده يخدم في الجيش، ودرس المعتقل السابق الثانوية في مسقط رأسه بانياس، وفي الصف العاشر تعرض لأول اعتقال على يد مخابرات النظام بدايات الثورة مع العشرات ممن اعتقلوا أثناء مجزرة البيضا لمدة يومين ليتم الإفراج عنه بعدها، وتتالت الاعتقالات بعد ذلك ليقضي في الاعتقال الأخير 3 سنوات في "باستيل سوريا" سجن "صيدنايا" الذي خرج منه بصفقة مادية مجرد هيكل عظمي لا أكثر.
ويروي "عمر" لـ"زمان الوصل" أن المخابرات العسكرية اعتقلته مع عدد من شبان "البيضا" بتاريخ 12 نيسان-ابريل/2011، ولم يكن عمره قد تجاوز 16، وتم اقتيادهم بداية إلى قرية مجاورة جعلت هذه المخابرات أحد منازلها كمقر لهم، حيث تعرض الشبان المعتقلون لتعذيب شديد وشارك النساء والأطفال في تعذيبهم من خلال ضربهم بالهراوات الخشبية وقضبان الحديد والسلاسل.
وبعد ذلك تم اقتياد "عمر" ورفاقه إلى مقر الأمن في طرطوس وهناك تم التحقيق معهم بقسوة، وتعرضوا لتعذيب شديد، ووجهت لهم تهم قتل ضباط من جيش النظام: "قلت لهم أنا شاب صغير، كيف يمكن لي أن أقتل ولم يسبق لي أن رأيت السلاح".
وتابع محدثنا: "لم ترقْ لهم إجابتي فعلقوني بسلاسل مربوطة بسقف الزنزانة أمام أبناء خالتي وأخضعوني لصدمات كهربائية كما كسروا ساقي جرّاء الضرب العنف بالعصي الغليظة دون شفقة أو رحمة".
وبعد ذلك تم نقل "عمر" إلى فرع الأمن (215) بدمشق الذي اكتسب سمعة سيئة وصار معروفاً عالمياً بعد تسريب صور "سيزر" لمئات المعتقلين الذين ماتوا في أقبيته تحت التعذيب، وأمضى "عمر" داخل جدران هذا الفرع حوالي 21 شهرا، وخلال الأشهر الثلاث الأولى من اعتقاله شهد مقتل ابني خالته "رشاد" و"بشير حديفة"، ومن ثم تم نقله إلى سجن "صيدنايا" بتاريخ 14/8/2014.
وبعد 3 سنوات داخل "المعتقل الجحيمي" أورثته مرض السل والهزال الشديد خرج "عمر الشغري"، ليعانق خيوط الشمس، ولكنه تعرض قبل ذلك لـ"بروفة موت" أخيرة، إذ أخرجوه إلى ساحة في بلدة "صيدنايا" بدعوى الإعدام، وطلب منه شبيحة الفرع أن يجثو ساجداً على الأرض في الشارع وأطلقوا النار بجانبه لإيهامه بأن الموت أتى ورحلوا، وأحس آنذاك -كما يقول– بأنه قد مات فعلاً، لأن ذلك الموقف كان أصعب من ألم الرصاصة، وبعد لحظات رفع رأسه ليرى شيئاً غريباً يدعى الشمس الشجر.. الحياة.
ويضيف محدثنا: "بعد ذلك وقفت وتمنيت أن أعود إلى السجن الذي كان يضم أصحابي وأهلي وتساءلت ما لذي افتقده خارجاً "تخيلت انو شو رح اعمل برا وبالحرية بعدما مات الكل برا!"
بعد أن أُطلق سراح "عمر" بصفقة مادية مع أحد ضباط "صيدنايا" بتاريخ 11/6/ 2015 بتاريخ هرع إلى أول حافلة توصل إلى محطة العباسين، وهناك كان المشهد أكثر بشاعة من داخل المعتقل، حيث "كان الشبيحة كالنمل"، وكان منظره -كما يقول- في منتهى الغرابة، نظراً لأن وزنه لم يتجاوز 35 كغ، وكان الدم يملأ وجهه بسبب سعال الدم نتيجة إصابته بالسل.
وحاول "عمر" البحث عن علاج بعدها في مشافي دمشق، ولكن هذه المشافي طردته –كما يقول- بسبب خضوعه لمحكمة ميدانية، فخرج إلى تركيا "جثة هامدة" -حسب وصفه– حيث عُولج لفترة عن طريق فريق "ملهم" التطوعي، وبعد شهرين تعب من صعوبة وتأثير الأدوية على جسده، فسافر إلى مدينة "أزمير" التركية، ومنها إلى اليونان ونظراً لأن الرعاية الصحية فيها سيئة اضطر لتركها إلى مقدونيا وصربيا وسلوفينيا فيما بعد ليستقر به المقام في السويد في الشهر الأخير من عام 2015، وهناك -كما يؤكد عمر- لقي اهتماماً صحياً جيداً وتم إدخاله إلى مشفى في استوكهولم حيث تعرّف داخل المشفى على شاب سويدي عرّفه بدوره على أهله وكانت والدته Eva Hamilton –كما يقول محدثنا- أفضل مسؤول في السويد عام 2009 والمسؤولة التنفيذية للتلفزيون السويدي.
بعد خروج "عمر" من المشفى أرسلته دائرة الهجرة السويدية إلى شمال السويد (مالمو) وهناك –كما يروي- اختلط باللاجئين لمدة 3 أشهر، وكانت ظروف العيش صعبة ووجد أن أفضل وسيلة لتعلم اللغة السويدية هم كبار السن لكونهم صبورين ويتوقون لالتقاء الناس للخروج من العزلة، فتعلّم معهم –كما يقول محدثنا- دروس اللغة والحياة، في الشهر الرابع من العام الحالي أرسلت له Eva ليعيش مع أسرتها كواحد من أبنائها، وشجعته السيدة السويدية على الظهور على القنوات السويدية لشرح معاناة المعتقلين وجوانب من تجربة اعتقاله، وقدم كلمة عن تجربة اعتقاله في اجتماع أقامته منظمة "روتاري" التي تدعم مرضى شلل الأطفال، كما شارك في نشاط لمجموعة من الناشطين السوريين في "استوكهولم" وخلال ذلك أجرى العديد من المقابلات مع التلفزيون السويدي وصحيفة "Aftonbladet" السويدية وصحيفة "أخبار التلفزيون" السويدي للتعريف بالثورة السورية وتسليط الضوء على تجارب وضحايا الاعتقال في سجون النظام.
زمان الوصل
↧