كان الدكتور عمران رسلان مختصا بالجراحة العظمية وقدعملت معه على مدى سنتين في وزارة الصحة اذ كان يشغل منصب مدير صحة مشافي دمشق الخاصة , وقد شاركته في اعداد قانون تنظيم المستشفيات الهندسي والاداري . كان شخصا دمثا له عيادة في جوبر وزوجته طبيبة مختبر , مشارك بحصه في مستشفى قيد الانشاء بالريف. وله ثلاثة اولاد صغار وذو مستقل واعد.
توفي غرقا وعائلته في حادثة غرق سفينة لاجئين بتاريخ 11/10/2013 , التي ابحرت من ليبيا الى اوربا وكانت تحمل اطباء وعائلاتهم
ولذكراه اعيد نشر هذا التقرير
طبيب سوري نعتذر عن ذكر اسمه قبل الحصول على موافقته
شهادةاحد الاطباء الناجين:
قرر حوالي 30 طبيب الذهاب بحراً(نصفهم توفوا غرقاً رحمهم الله) د. منور رحيل (طبيب اختصاصي داخلية) و زوجته (طبيبة أطفال) و ابنته، وأخو زوجته د . بشر(اختصاصي داخلية) ، د عمران رسلان (اختصاصي عظمية) د. خالد العوض (اختصاصي جراحة أعصاب) و ابنه و ابنتيه ، د. مصطفى الدقاق وزوجته و اولاده الشباب، د. سامي السيد محمود و زوجته و ابنه وبنته ونجا ابنه فاتح 6 سنوات
الأطباء من خيرة الأطباء و أمهرهم والمعروفون برجاحة عقلهم (كي لا يشكك شخص لا بعقلنا ولا بنوايانا)
تكلمنا مع المهربين و قررنا أن نأخذ
أفضل وأكبر سفينة و أفضل مهرب حينها ، مع الأخذ بالاسباب من ناحية تأمين ستر النجاة من قبل المهرب (والتي لم يؤمنها فيما بعد رغم الطلب مرارا بل أخبر أنها موجودة على السفينة) ، ووجود جهاز ثريا و بوصلة واعلان ايطاليا عن بدئها لخطة لانقاذ السفن في البحر
في نقطة التجمع وبعد انتظار 3 أيام تم تأجيل الرحلة بسبب سوء الاحوال الجوية ، وبعد اسبوع رجعنا و كان الوضع مبشراً بأن الطقس سيكون ممتازا طيلة الاسبوع الذي يليه من حيث سرعة الريح و ارتفاع الموج و اعتدال الحرارة
.
وبعد الاقلاع بحوالي 3 ساعات لحقت بنا سفينة صغيرة عليها علم الأمازيق ، وعرفوا عن نفسهم بأنهم خفر سواحل، لكن من الواضح أنهم
عصابة كانت توجد مشكلة بينهم و بين المهرب ، عرضنا عليهم المال فرفضوا و
حاولوا قلب السفينة برمي حبال و تطويقها أخبرناهم أننا لاجئين وهاربين ومعنا نساء واطفال واغلبنا سوريين
كل ذلك لم يشفع لنا ، استمروا بالمطاردة والتهديد ثم اصبحوا يطلقوا الرصاص بالكلاشينكوڤ في الهواء ،
ثم بعدها بدؤوا باطلاق الرصاص على حجرة القبطان و على جسم السفينة ، و الكل يعرف أن ثقب صغير بامكانه ملئ برميل كبير بمرور الوقت ، لا سيما تحت ضغط الماء، لأنهم تعمدوا اصابة القسم السفلي من السفينة أصيب 3 أشخاص اصابات في الأطراف، تم تضميدهم و ايقاف النزف من قبلي وقبل بعض الاطباء على السفينة
.
بحلول الساعة 11 ظهرا (أي بعد 13 ساعة على انطلاق السفينة ) تم الاتصال
بخفر السواحل الايطالي لكنهم رفضوا بحجة أننا بعيدين عنهم وأننا في المياه الدولية ، وأخبرونا أن نتصل بمالطا ، لأن مجال تغطيتها للبحر أكبر ، وتم الاتصال بمالطا واعطاء الاحداثيات و تبين فيما بعد بالتحقيقات التي قام بها الصحفي الإيطالي المشهور فابريزيو غاتي Fabrizio Gatti
أن السفينة الايطالية كانت على بعد ساعة واحدة منا، والسفينة المالطية كانت على بعد ساعتين منا !!!
تأخرت المساعدات كثيرا و بحلول الساعة 4 عصرا كانت السفينة تترنح و بدت أخفض من المستوى الذي كانت عليه
أصاب الهلع جميع الركاب ،ووقعت بعض الحقائب في البحر، خاطبني ابني طارق مستغرباً ولا أنسى أبدا هذه اللحظة (بابا !!! شلون شنطتنا عبتسبح لحالها بالبحر، شلون هيك؟؟؟!!!!)
تسرب الماء بمقدار 5 سم و ازدحام الطابق الأوسط من السفينة دفع بي الى بعث الصغار طارق و بشر الى صديقي د. أيمن في القسم العلوي من السفينة
بعد حوالي ربع ساعة تسرب قسم من الماء إلى القسم الأوسط من السفينة
بدأت السفينة بالترنح يمنة ويسرة وتفقد توازنها ، لم يكن أحد يعرف حجم الماء المتسرب ، فهو كامن في الفراغ بين الجسم الخارجي والجسم الداخلي للسفينة ، لكن ترنحها بهذا الشكل جعل الركاب ينتقلون يمنة ويسرة في محاولة لخلق توازن مضاد ، أيضاً انتقال الركاب من القسم السفلي للسفينة للأعلى جعل مركز ثقل السفينة أعلى من منصفها ، بدأت أدعو بصوت مرتفع بدعاء ذي النون : (وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ، فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَٰلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ)
.
وصرت أكرر الدعاء مرارا وزوجتي تنظر إلي بخوف لكني أنظر اليها بطرف عيني و أنا غير قادر على النظر اليها مباشرة خجلا و كي لا أرى ملامح الخوف على وجهها
لم يكن أحد يعرف ماذا سيحدث أو يتوقع ماذا سيحدث ،
الكل كان ينتظر أن تأتي سفينة المساعدة في اللحظات الأخيرة
في الساعة 4.45 عصر يوم الجمعة و فجأة و بلحظة و بعد أن مالت السفينة للأيسر ، إنقلبت السفينة على جانبها الأيمن 90 درجة ، فأصبح حائط السفينة الذي كان خلفنا أصبح تحت أقدامنا ووقفنا عليه و الشباك الكبير الذي كان أمامنا أصبح فوقنا ، كانت زوجتي أمامي و ظهرها لي و بثانية واحدة غمرتنا المياه فأمسكت بخصر زوجتي بقوة بكلتا يدي بقوة ، و بعد ثانية أخرى وجدت نفسي وسط الماء بدونها، أحسست من قوة عزم الخبطة بانفلات يدي منها، أحسست (وهذه أول مرة أقولها للناس) أحسست كأن الله قال لي : (لن تأخذها، الأمر ليس بيدك)
.
بعد 15 ثانية وجدت نفسي بدونها و أنا فوق الماء و
السفينة بأكملها مقلوبة رأساً على عقب 180 درجة ، أدركت أنها علقت بالسفينة مثل كثير من الناس ،
مثل حوالي 150 شخص علقوا داخل السفينةكان من المستحيل انقاذها لأنها غير مرئية أبداً و السفينة أصبحت على عمق 7 أمتار إعتقدت مثلما يعتقد أي انسان عندما يرى مصيبة كبيرة جداً بأن هذا كابوس سرعان ما سأستفيق منه
فجأة وجدت نفسي بين العشرات من الناس الذين يتخبطون في الماء والذي لا يعرف السباحة يقفز فوق الآخر، هنا دخلت في حالة من الصدمة التي تشعرك بأنك في يوم المحشر ، هنا كل إنسان يقول نفسي نفسي
.
بقيت مصدوماً لا أعلم ماذا أفعل و أنا أستغفر وألهج بلا إله الا الله، و أقول سامحوني يا حبيباتي و انا أبكي ، خطرت لي آلاف الأفكار منها ما يقول لي أنه كابوس سرعان ما سأستيقظ منه ومنها ما يخطر ببالي ، ماذا سأقول لأهل زوجتي و كيف حصل هذا
غرق حوالي 250 شخص حسب الاحصائيات الرسمية لمالطا وايطاليا ، قسم كبير منهم يجيد السباحة (منهم زوجة صديقي د. أيمن رحمها الله ، لديها ميداليات في السباحة ، كانت تقول له مازحة : اذا صار شي أنا بنقذك) فنجا هو الذي لا يعرف السباحة وغرقت هي، و منهم صديقنا د. مصطفى الدقاق الذي كان يقول رحمه الله: اذا صار شي لا سمح الله فأنا بعرف أسبح و أولادي الشباب كمان "سبيحة" ، وتوفي هو وأولاده، توفي أناس كثيرون معهم بزات نجاة منهم د. عمران رسلان وجميع عائلته ، علقوا في السفينة ولم يوجد منهم أي فرد ومنهم د. خالد العوض و ابنه واثنتين من بناته ، و
نجى أشخاص لا يعرفون السباحة أبداً ، منهم طبيب زميلنا وزنه 130 كغ، ومنهم طبيب تعرفنا عليه توفيت ابنتيه الصغار لديه شلل اطفال وداء رئوي ولا يجيد السباحة
.
حتى مكان توضع الاشخاص في السفينة كان للموت انتقائية فيه ، ففي نفس الأماكن من ظهر السفينة علق اناس فيها وناس نجوا ، و لكن من كان في الطرف الايمن من السفينة التي انقلبت على جنبها الايمن علقوا جميعا و منهم من علق في الغرف المغلقة أو الكاريدور الطويل ، منهم صديقنا طارق جاموس الذي كان في غرفة فيها جميع اولاد خالته السبعة دخلت المياه الغرفة و ضغط الماء أغلق الباب من الخارج اخذ نفسا عميقا و دفع الباب الذي علق برجله و خرج وبقي اولاد خالته الذين غرقوا جميعاً الخلاصة من نجى نجى بتيسير الله و حسب الاسباب لم يكن في مكان يعلق فيه أو عند الانقلاب انقذف لمكان بعيد عن السفينة
.
بقيت هائماً ابحث هنا وهناك دون جدوى ، السفينة بعد دقيقة واحدة من انقلابها اصبحت بالأكمل تحت سطح الماء وهبطت الى الأعماق السحيقة و اختفت عن الأنظار
.
بعدها بربع ساعة حلقت طائرة شراعية فوقنا كانت تصور ، ثم بعد ربع ساعة اتت مروحية والقت عدة قوارب نجاة مطاطية على شكل خيمة تتسع 25 شخص و ستر نجاة لكنها رمتها في مكان بعيد عني
رأيت على مسافة حوالي 150 متر بزات طافية من بعيد ، قررت أن أقطع هذه المسافة علي احظى بها وبعد قطع تلك المسافة الكبيرة تبين لي أنها ليست بزات نجاة وانما شخص متوفي لابس بزة نجاة و مقلوب على بطنه
.
بعد ان يئست من اللحاق ببزات النجاة وبالقوارب المطاطية التي أصبحت بعيدة جدا عني بسبب المسافة التي قطعتها ، تشنجت رجلي و بعد ساعة من السباحة أصبت بوهن و ضعف كبير ، أدركت أني سأغرق، و صرت أتشاهد على روحي و أنا أطلب من الله حسن اللقاء ، فجأة وجدت قطعة خشب كبيرة زرقاء تبين أنها باب خشبي من السفينة ! لا أعلم كيف سبحت هذه القطعة مسافة حوالي 200 متر من السفينة تمسكت بالباب الخشبي وسبحت تدريجيا نحو القوارب المطاطية وأنا في حالة صدمة وتعب شديدين و أنا أشاهد ما تبقى من الناجين يسبحون أو يصارعون الموت أو ميتون وطافين على وجه الماء
بعد حوالي الساعة والنصف بدأت تظهر سفن الانقاذ ، صعدت على الخيمة المطاطية و جلست أبكي وأتقيأ ، بعدها اقتربت منا سفينة صيد ايطالية صعدنا عليها ثم أخذتنا السفينة المالطية
لاحول ولاقوة الا بالله