عمان ـ «القدس العربي»:
لا يملك القرار الأردني خيارات فائضة عن الحاجة عندما يتعلق الأمر بتجريب آلية التعاون الاستثماري مع دول شقيقة بعد ان اقترب كثيرا من فقدان مبدأ المساعدات الاقتصادية والمالية. فعمان تبدو واثقة من ان ملف المساعدات طوي فعلا ولأكثر من سبب في الوقت الذي تبدو فيه مقتنعة ان الوقت بات ملائما لتفعيل برامج الاعتماد على الذات .
أحد المسؤولين البارزين في النظام السعودي المالي قال لنظيره الأردني ان بلاده في ما يتعلق بنفقات القطاع العام والنفقات الرأسمالية لم تقف عند استعمال الفرامل فقط بل رفعت الـ»هاند بريك» كاملا .
تلك رسالة بالتأكيد توضح ان السعودية تتغير ماليا وتعني حسب خبراء تفكيك العبارات أردنيا ان السعودية عندما توقف نفقاتها في القطاع العام داخل المملكة فهي أولا لن تخصص مالا لمساعدة نفقات رأسمالية في الأردن أو مصر أو أي من الدول الحليفة.
وتعني ثانيا ان الرياض تدرك الواقع الذي يقول ان الملف اليمني سيستنزف لاحقا الكثير من الفائض المالي بصرف النظر عن نتيجة الحرب والمعركة لان السعودية ستكون مسؤوليتها إعادة اعمار اليمن والانفاق عليه لفترة طويلة وهو ما لاحظه مسؤولون كبار في الأردن خلال اجتماعات مغلقة .
وثالثا تعني الرسالة نفسها ان الدول الصديقة التي تتوقع دعما سعوديا عليها ان تبحث بعد الآن عن آلية للشراكة الاستثمارية وهو ما يحصل في عموم الأحوال بين الأردن والسعودية هذه الأيام .
عمان من جهتها تلتقط الرسائل جيدا وتفهم طبيعة الظرف السعودي وتقرأ الخريطة بواقعية وبالتالي يقرر وزير مختص في الحكومة الأردنية تحدث مع «القدس العربي» ان لا مجال أمام شراكات استثمارية تحرك النمو الاقتصادي ولو قليلا في الأردن أو حتى تمنعه من المزيد من التراجع إلا عبر السعودية .
ويوجد في هذا السياق أمام الأردنيين العرض الواحد فقط وهو السعودي حصريا والذي جرى الاتفاق عليه عبر لجنة مشتركة ومحاضر اجتماعات وتشريعات قانونية في إطار المضي قدما بهذه العملية .
وهنا يلفت رئيس الوزراء الأردني الدكتور هاني الملقي بعد عودته من الرياض نظر موظفين لديه إلى ان الحكومة ستذهب إلى أقصى مدى لمنح العرض السعودي فرصته الكاملة في الإنتاج والولادة مطالبا بان يقوم جهازه بواجبه بالخصوص مع الاقرار الضمني بان عهد المساعدات ولى إلى غير رجعة وان حكومته ستبقى في انتظار الخيار السعودي الاستثماري وسترحب به وتعمل على إنتاج واستقطاب خيارات أخرى كلما لاحت الامكانات.
بهذه الطريقة من الرد يعلق المسؤولون في عمان على تلك الدعوات التي تحاول التشكيك بقراءتهم للظرف السعودي مع التذكير بان المساعدات لن تأتي وهي مسألة لا تحتاج ذاكرة حكومة الملقي لتنشيطها لأنها ليست فقط مستقرة في عقل طاقم الحكومة الاقتصادي ولكن لان العلاقات مع السعودية وفي كل الأحوال أعمق سياسيا وأمنيا واجتماعيا من تداعيات الظروف الإقليمية .
وتنمو مثل هذه القراءة للمشهد الاقتصادي المحلي في ذهن جميع المؤسسات في الأردن خصوصا مع بقاء حدوده مغلقة تماما مع دولتين في غاية الأهمية للاقتصاد الأردني ولأسباب أمنية .
وفي الوقت الذي لا تنتظر عمان مساعدات فارقة من أي جهة لا توجد مؤشرات على ان الظروف في العراق وسوريا قد تتغير قريبا وبالتالي ينتج عنها إعادة تنشيط وفتح الحدود مع البلدين والتي يعتمد عليها قطاعان أردنيان في غاية الأهمية هما قطاع التجارة والنقل البري حيث النقل إلى تركيا ثم أوروبا وحيث منتجات زراعية وصناعية تلتهمها السوق العراقية الضخمة .
كل نطاق الأعمال مع العراق وسوريا معطل والأسباب أمنية والأولوية لإبعاد تنظيم «الدولة» قدر الامكان جغرافيا عن الأراضي الأردنية في جملة من القرارات السيادية التي رفضت الامتثال للاحتياجات الاقتصادية .
لكن هذا الوضع قد لا يتغير قريبا، ورئيس مجلس النواب الأسبق والخبير في الملف السوري سعد هايل السرور يصر على ان بلاده ينبغي ان تبقى قريبة جدا من التفاصيل والوقائع والحيثيات حتى تحظى القطاعات الوطنية الأردنية بدورها وحصتها في مشاريع إعادة اعمار سوريا بعد أي تسوية شاملة يمكن تجتاح المناخ الإقليمي .
وفيما لا توجد خيارات شراكة استثمارية على الطاولة اليوم إلا المعروض سعوديا لا توجد في المقابل أسباب سياسية أو أمنية توافق على فكرة التخلي ولو قليلا عن التحالف مع السعودية لصالح الانفتاح على علاقات مع دول إقليمية أخرى مثل إيران التي يقترح بعض الساسة ان العلاقة معها قد تفيد في تنشيط القطاع السياحي وفي إعادة تنشيط المصالح الأردنية في العراق تحديدا باعتبارها الجهة التي تحكم الأمور هناك .
ما زال الأردن الرسمي يجد صعوبة بالغة في تبني تلك المقترحات التي تطالب بالانفتاح على إيران وعلى الطموح التركي تحديدا تحت بوابة الاقتصاد، وهي معادلة دفعت عمان أصلا للسعي وبأي طريقة لعقد اتفاق الغاز مع إسرائيل أو مع شركات أمريكية في إسرائيل على أمل اغلاق أحد أبرز ثقوب عجز الميزانية المتمثل بكلفة فاتورة الطاقة وتحديدا إنتاج الكهرباء .
البدائل السياسية التي يقترحها الناقدون لبقاء الأردن في الحضن السعودي والأمريكي لا تجد قرائن تساندها في عملية صناعة القرار، لان المخاوف من المخالب الإيرانية في بعدها الأمني أكثر والهواجس المترتبة عن الانفتاح اقتصاديا وتجاريا مع تركيا ما زالت كبيرة .
بسام البدارين
عمان ـ «القدس العربي»: