أن كل ما يقوم به بوتين ، يؤسس لحرب عالمية ثالثة، إن طال أمد حدوثها أو قصر، في ظل سياسة الانكفاء الأميركي "الأوبامي " وتسهيله لتمدد روسيا واقترابها من حدود الأتحاد الأوروبي، وتهديد أمنه وأستقراره.
.
مايجري على الساحة الدولية اليوم، يشبه إلى حد بعيد ما كان عليه الوضع في أوروبا عشية الحرب العالمية الثانية، وكيف حاولت في حينه كل من فرنسا وبريطانيا، حل النزاعات الناشئة بين هتلر ودول الجوار بالطرق الدبلوماسية، ومحاولة نزع فتيل الحرب، وكبح جماح "الفوهرر" وأطماعه- كما يفعلان اليوم مع غزو بوتين لـ أوكرانيا وسورية- بواسطة المفاوضات والاتفاقات والتي كان أبرزها أتفاقية ميونيخ 1938 م، والتي وقعها رؤساء وزراء كل من فرنسا (دالادييه) وبريطانيا (تشامبرلاين) وأيطاليا (موسوليني ) وألمانيا (هتلر) . والتي تنازلت كل من فرنسا وبريطانيا بموجبها، عن كل المواضيع التي تحقق أهداف "هتلر" وسمحتا له بأحتلال منطقة (السوديت) التشيكية ذات الأغلبية الألمانية، شريطة عدوله عن أيّ توسع إقليمي على حساب دول الجوار.
.
لكن هتلر وبعد احتلاله إقليم السوديت، لم يُقم وزناً لعهوده والتزاماته، وفي فجر اليوم الأول أيلول (سبتمبر) 1939 اجتازت قواته الحدود البولونية، مُدشنة أكبر وأفظع حرب عرفتها البشرية في العصر الحديث.
.
وهذا ما انتهجه بوتين بإعتماده نفس سياسة ودبلوماسية هتلر التي تعتمد "البروبوغندا " الإعلامية معيداً للأذهان استراتيجية " جورج غوبلز " وزير الدعاية والأعلام في حكومة الفوهرر والقائلة: اكذبوا ثم اكذبوا ثم اكذبوا.. حتى تصدقون أنفسكم ..ويصدقكم الناس. وأن سلوكه المخادع في مافعله في شبه جزيرة القرم ، وما يفعله اليوم في سورية ، من خلال بناء قواعد جوية وبحرية واستقدام ترسانته العسكرية ، من أحدث ما لديه من الطائرات والسفن البحرية والصواريخ بعيدة المدى ، والتي أثارت قلق الأوروبيين.
.
إن مايريده بوتين في ظل الإنكفاء الأمريكي وعدم جاهزية أوروبا، أن يُعيد روسيا إلى المسرح الدولي كقوة عظمى ، ومحاولة إيجاد حلف بديل عن حلف وارسو ، ولم يكتفي بتحرشه بدول البلطيق وما قام به في أوكرانيا ، بل مازاد على ذلك أختراق المقاتلات الروسية الأجواء الأوروبية، وصولاً إلى الأجواء الفرنسية في أقصى الغرب.
.
أن استشعار أوروربا للمخاطر التي تهددها، نتيجة الانفلات الروسي، وتهديده لأمنها بالتلميح تارة، وبالوعيد تارةً أخرى، من هنا تأتي الإشارة إلى ما يتردد عن استعدادات أوروبية، لتولي مهمة الدفاع عن أمنها في مواجهة التهديدات الروسية، كما جاء في مقال نشره موقع "برافدا.رو" نقلاً عن موقع السلطة الرابعة بعنوان، ميركل: جيش ألمانيا سيوحد أوروبا من جديد والأمريكان لن يأتوا لنجدتنا بمواجهة روسيا ! وملخص ما جاء فيه: أن تشكيل جيش أوروبي، أصبح ضرورة مُلحة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، من أجل مواجهة التهديدات الروسية، وما أفرزته من الأخطار المتمثلة بـ (سورية ، الإرهاب، أوكرانيا) وأن التحرك باتجاه تشكيل محور برلين- باريس- وارسو يكون مفتوحاً للدول الأوروبية للانضمام إليه، وتشكيل جيش أوروبي قوي، تكون ألمانيا قاطرته كما كانت من قبل قاطرة الاقتصاد الأوروبي ورافعته، وكما أنها اليوم من يحدد أهداف سياسة القارة العجوز .
.
بعد احتلال شبه جزيرة القرم وضمها لروسيا، بحجة وجود أغلبية روسية من سكانها ، وتحرشه بدول البلطيق، ومحاولة زعزعة استقرار الاتحاد الأوروبي وتهديد وحدته ، عن طريق إغراقه بموجات اللاجئين القادمة من سورية جراء الحرب المدمرة، والتي تعتبر روسيا طرفاً رئيسياً فيها من خلال دعمها للنظام السوري، وخوضها الحرب مباشرةً إلى جانبه، من خلال طيرانها الحربي المتطور وارتكابه جرائم حرب، من خلال استخدامه كل ما هو محرم دولياً من أسلحة دمار صبتها طائراته على رؤوس المدنيين من الأطفال والنساء، إضافة لقصف المستشفيات والمراكز الصحية والمدارس ومحطات ضخ المياه والكهرباء والأسواق الشعبية والأفران، وكل ما له علاقة بمقومات واستمرار حياة الناس، وبشكل ممنهج ومتعمد .
.
أن انفلات الوضع في ظل إنتشار الجيوش والميليشيات المرتزقة من شتى الجنسيات على الأرض السورية، و إنتشار الأساطيل على سواحلها البحرية، وزحمة الطائرات في أجوائها قد يُولد أيّ احتكاك بين تلك القوى المنتشرة فوق الأرض السورية وفي أجوائها إلى حدوث الشرارة بين القوى التي تتضارب مصالحها، واشتعال النيران في المنطقة وانتقالها إلى أماكن أخرى ، خاصةً في أجواء من صراع الإرادات، بين بوتين من جهة والغرب من جهة ثانية .
.
وفي الختام ، يمكن القول إن روسيا تسعى لبناء حلف بدأت ترتسم ملامحه في ضوء المصالح المشتركه التي تجمعهم، بدأًً بإيران وأذرعها الإرهابية والأنظمة التابعة لها في المنطقة ، وانتهاء بـ كوريا الشمالية مروراً ببعض دول الاتحاد السوفييتي سابقاً ، وبعد أن اتخذت من سوريا قاعدة متقدمة لها على حدود حلف الناتو وقبالة الاتحاد الأوروبي ، وبذلك تتزعم محور الشر بالتعاون مع أيران .
.
والسؤال : هل لروسيا أن تعود إلى داخل حدودها بهذه السهولة، بعد أن تمددت وحصلت على موقع استراتيجي في سورية لتكون جاهزة لمواجهة الغرب وتثبيت نفسها كقوة عظمى تسمح لها بتحقيق مصالحها ؟
.
والسؤال الآخر : في ظل الانكفاء" الأوبامي" وتسهيله لتمدد روسيا، هل أميركا مابعد أوباما يمكن أن تستمر بالتراجع أمام روسيا، وتتنازل عن مصالحها في الشرق الأوسط ؟ وتنسحب من إلتزاماتها تجاه حلفائها الأوروبيون ، ودول الخليج العربي ؟.
المصدر: سمير البكفاني
↧