تمكنت قوات الأسد وحلفائه من انتزاع السيطرة على مناطق مهمة من شرق حلب. فهل ينذر ذلك بانقلاب موازين القوى في سوريا إلى الأبد؟ أم أنها ستدفع ببعض الفاعلين في الأزمة السورية إلى دور أكبر لدعم المعارضة؟
هل أن الأسد بصدد كسب الحرب الضروس التي تعددت فيها الأطراف وتضاربت فيها المصالح وخلفت الدمار والموت وشردت الملايين من السوريين؟ قبل نحو عام لم يكن النظام السوري يسيطر سوى على بعض الأحياء في دمشق ومناطق على الساحل السوري، فيما يتقاسم الأكراد والعرب السنة وتنظيم "الدولة الإسلامية" بقية المناطق السورية الأخرى. قبل نحو عام كان الحديث في أروقة صنع القرار في عدد من العواصم الغربية يدور في أغلبه عن فترة ما بعد الأسد. ولكن الأمور بدأت تتغير منذ أن أصبحت روسيا علنا طرفا فاعلا في الأزمة السورية.
"نصر قد يقلب موازين القوى"
نجاح الأسد وحلفاؤه الليلة الماضية في السيطرة على كامل القطاع الشمالي من الأحياء الشرقية في مدينة حلب، ثاني أكبر مدينة سورية، يعد ضربة موجعة بالنسبة لمقاتلي المعارضة. ففي سياق متصل يقول ماتيو غيدار، وهو بروفسور متخصص في الشؤون الجيوسياسية في الشرق الأوسط لوكالة فرانس برس إن سيطرة النظام على حلب تشكل "أحد أكبر انتصاراته، باعتبار أنها من بين أولى المدن التي تمكنت المعارضة المسلحة من السيطرة عليها". يذكر أن الفصائل المعارضة كانت تسيطر على مدينة حلب منذ صيف عام 2012.
ويقول مدير مركز دمشق للدراسات الاستراتيجية بسام أبو عبدالله إن "سيطرة الجيش بشكل كامل على شرق حلب ستقلب ميزان الصراع في سوريا"، موضحا أن "الهدف ايصال الجماعات المسلحة الى نموذج مشابه لحمص"، في إشارة إلى اجلاء مقاتلي الفصائل من حمص القديمة عام 2014 بعد عامين من الحصار المحكم من قوات النظام.
من جهتها، تتوقع صحيفة زود دويتشه تسايتونغ الألمانية في عددها الصادر اليوم الاثنين (28 نوفمبر/تشرين الثاني 2016) أنه في حال تمكنت قوات الأسد وحلفائه من السيطرة على شرق حلب بأسره، فإن ذلك من شأنه أن يشكل "تقدما كبيرا لصالح نظام الأسد في الحرب الأهلية" التي تعصف بالبلاد منذ سنوات.
وفي الواقع فقد تفتح السيطرة على مدينة حلب الطريق أمام قوات النظام لاستعادة محافظة إدلب (شمال غرب) التي يسيطر عليها، وبشكل شبه كامل، ائتلاف فصائل إسلامية في مقدمتها "جبهة فتح الشام" (جبهة النصرة سابقا قبل فك ارتباطها مع تنظيم القاعدة).
روسيا وإيران وحزب الله
ولكن الأسد لم يكن ليحقق أي تقدم لولا الدعم الروسي والدعم الإيراني وكذلك دعم حزب الله اللبناني الشيعي. ففي سياق متصل، نقلت صحيفة واشطن بوست الأمريكية قبل أسبوع عن آفي ديختر، وهو رئيس لجنة الدفاع والسياسة الخارجية في الكنيست الإسرائيلي، أن عدد المقاتلين الشيعة الذين يقاتلون إلى جانب الأسد في سوريا يقدر بـ25 ألف مقاتل. ونقلت الصحيفة في عددها الصادر في 20 من الشهر الجاري عن ديختر، الذي كان شغل منصب رئيس الشاباك ووزير الأمن الإسرائيلي، القول بأن "القتال قد جعل من (حزب الله) قوة قتالية أفضل (من قبل) وأكثر خبرة في أساليب الحرب التقليدية". ويضيف ديختر قائلا: "التاريخ برهن على أن الجماعات المدعومة من إيران، على غرار حزب الله اللبناني، لا تتخلى عن السلاح ولا تغادر ساحة القتال ولا تتخلى عن الأراضي التي سيطروا عليها"، متوقعا بالقول: "سوف يبقون في سوريا لسنوات وسنوات. وهذا الأمر ستكون له تبعات على كل فرد."
سوريا - ورقة ضغط بيد روسيا؟
بيد أن الخبراء يكادون يجمعون على أن الدور الروسي في الأزمة السورية كان هو الحاسم في تحقيق انتصارات عسكرية ميدانية، حيث دخلت روسيا قبل عام إلى ساحة القتال – بالدرجة الأولى - بتقديم دعم جوي لقوات الأسد. روسيا كانت حينها أعلنت أنها تريد أن تقاتل تنظيم "الدولة الإسلامية"، لكن غاراتها الجوية تستهدف بالدرجة الأولى قوى المعارضة المعتدلة، التي تقاتل نظام الأسد و"داعش" على حد سواء، على ما كتبت صحيفة هافينغتون بوست الناطقة باالغة الإنجليزية في عددها الصادر أمس الأحد. وهو رأي تشاطرها فيه مجلة دير شبيغل الألمانية التي كانت كتبت – تزامنا مع انطلاق الحملة العسكرية العنيفة ضد الأحياء الشرقية لمدينة حلب في 15 من نوفمبر/تشرين الثاني الجاري : "بالنسبة لروسيا فإن الأمر لا يتعلق في سوريا بمكافحة الإرهاب والتطرف. بل يكمن هدف بوتين في إبقاء حليفه بشار الأسد في السلطة – ولتحقيق ذلك فإنه يبدو أن كل وسيلة مباحة."
ومن المتوقع ألاّ تخف هوادة الغارات الجوية المكثفة والمعارك الميدانية حتى تتم السيطرة على مدينة حلب في غضون الأسابيع المقبلة.وفي هذا الصدد تقول مجلة دير شبيغل في عددها المذكور أعلاه: "بوتين يريد أن يستغل الأسابيع المتبقية قبيل تولي دونالد ترامب رسميا الرئاسة في 20 من يناير/كانون الثاني المقبل لخلق حقائق على الأرض. العسكريون الروس كانوا لفترة طويلة يتوقعون أن الوضع في حلب سيستقر في غضون بضعة أشهر. بدلا من ذلك فإن موسكو جهزت حالها لمهمة (عسكرية) طويلة الأمد في الشرق الأوسط." ويبدو أن بوتين يريد من خلال سوريا أن يمسك بورقة ضغط على الأرض، خاصة وأن بلاده تعاني من عقوبات غربية مشددة على خلفية دورها في أوكرانيا، وهي ورقة قد يتفاوض بها مع الغرب والولايات المتحدة الأمريكية.
هل يغير ترامب موقفه إزاء سوريا؟
ولعل السؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل تتدخل الولايات المتحدة، التي لطالما طالبت بتحني الأسد، بشكل أكبر في سوريا؟
الرئيس المنتخب الجديد دونالد ترامب كان قال أكثر من مرة إن أولويته تكمن في محاربة تنظيم "الدولة الإسلامية" بدلا من الإطاحة بالأسد. وقد تنامت خلال الأسبوع الماضي المخاوف بشأن خطط ترامب إزاء سوريا عندما ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال أن رونالد ترامب الإبن قد التقى في باريس في أكتوبر/تشرين الأول شخصيات من المعارضة السورية التي يدعمها الأسد وروسيا. وفي تصريح لصحيفة نيويورك تايمز قال دونالد ترامب نفسه إن لديه "أفكارا قوية بشأن سوريا" دون الإفصاح عن مزيد من التفاصيل، مكتفيا بالإشارة إلى أن تحدث مرتين مع الرئيس الروسي منذ فوزه بالانتخابات الرئاسية حول تعاون بلديهما في قضايا الشرق الأوسط.
وهو تصريح من شأنه أن يصب في مصلحة الأسد وروسيا ويطمئنهما حول مسار الحرب في سوريا. وفي الواقع، "وإذا عقد ترامب اتفاقا مع روسيا والمعارضة الصديقة للأسد، عندها سيكون بإمكانه أن يدّعي النجاح فيما فشل في تحقيقه (وزير الخارجية الأمريكية الحالي جون) كيري"، على ما تقول صحيفة واشنطن بوست في عددها الصادر الأحد (27 نوفمبر/تشرين الثاني 2016). وتضيف قائلة: "ولكن سيكون ذلك في أفضل الأحوال نصرا باهض الثمن. وبقية المعارضة ستواصل القتال وملايين السوريين سيواصلون مقاومة الأسد وحكمه الدموي وسيواصلون المطالبة بحقوقهم الأساسية." وتشدد واشنطن بوست بالقول: "بل أسوء من ذلك، فإن الولايات المتحدة ستضع نفسها إلى جانب أولئك الذين يرتكبون جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، لتخلق هوة بينها وبين أغلبية جيل كامل من السوريين وتدفع بهم إلى أحضان المتطرفين، كل ذلك من أجل سلام زائف."
سلام قد لا يتحقق أبدا، إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار السعودية وتركيا وعددا من دول الخليج التي ما انفكت تدعم المعارضة. فهل تأخذ الأزمة السورية مجرى جديدا؟
شمس العياري
المصدر: دويتشه فيله
↧