تزامن خبر وصول الجنرال الليبي خليفة حفتر إلى موسكو يوم الأحد الماضي مع أنباء أخرى تتوقع أن يقوم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بخطوة دراماتيكية جديدة في المنطقة العربية تتمثل في تدخل عسكري في ليبيا، بالتنسيق مع حفتر والدول الإقليمية التي تدعمه، وعلى رأسها مصر والإمارات.
زيارة حفتر لسيّد الكرملين هي الثانية خلال ستّة أشهر وتكتسب هذه الزيارة أهمّية كونها تأتي بعد تطوّرات ليبية كبيرة، تمثّلت في استيلاء قوات حفتر على المراكز والموانئ النفطية في ليبيا، وهي نقلة عزّزت رصيد حفتر بقوّة داخليّاً، بحيث لم يعد ممكناً، بالتالي، تجاهل وجوده في أي تسوية سياسية ليبية قادمة، كما عزّزت أوراقه أمام المنظومة الدوليّة وفتحت آمال محوره الإقليمي بإعادة تشكيل ليبيا بحسب موازين القوى الداخلية والإقليمية المستجدّة.
يضاف إلى هذه الأحداث تطوّران كبيران مهمّان:
الأول هو ظهور موجة عالميّة جديدة يعتبر الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب خير ممثّل لها، وتجد تمظهراتها أيضاً في ما يحصل في أوروبا، مع تولّي حكومة بريطانية جديدة لإدارة شؤون انفصال بلادها عن الاتحاد الأوروبي، والإمكانية الكبيرة لفوز مرشح اليمين الفرنسي فرانسوا فيون، وهي موجة قد تكتسح بدورها إيطاليا وبلدانا أوروبية أخرى.
والثاني هو تبلور محور إقليميّ عربيّ قريب من روسيا وإيران، يتمثّل في سوريا والعراق والجزائر ومصر، وإحراز هذا المحور ما يعتبرها انتصارات في العراق وسوريا، فيما «التحالف الدولي» الذي تترأسه أمريكا يتكفّل بتصفية ما يسمى «الدولة الإسلامية» في الموصل والرقة، مدينتي تواجد التنظيم الرئيسيتين، وهو ما ترك المعارضة السورية للنظام السوري وحاضنتها الاجتماعية من دون سند أو ظهير بحيث بدأت تتراجع بقوّة أمام هجوم أعدائها الكثر.
يتشارك المحور الإقليمي المساند لبوتين في المنطقة العربية مع الاتجاهات السياسية المتصاعدة في أمريكا وأوروبا فكرة الحفاظ على الأنظمة القائمة والتحالف مع الاتجاهات الأمنية والعسكرية المعارضة للإسلاميين (كما هي حالة خليفة حفتر) والتركيز على إنهاء كل أشكال المعارضة ذات الطابع السنّي، وهذا ما يعطي الأساس المنطقيّ لإمكانيّة تمدّد روسيا نحو ليبيا، كما يفسّر دعوات التمدّد الأخرى على ألسنة قادة الميليشيات الموالية لإيران في العراق، وقواعد حزب العمال الكردستاني في جبال قنديل وسنجار العراقية أيضاً، نحو سوريا لمساعدة النظام في إنهاء أشكال المعارضة والانتفاض ضده، ولمواجهة حكومة «العدالة والتنمية» التركية، بل والتوجّه أيضاً إلى اليمن لمناصرة الحوثيين ضد قوّات «التحالف العربي» الذي تقوده السعودية.
من الناحية الغربية، فإن روسيا ستتكفّل، بطريقتها الدموية المعتادة وعلى مسؤوليتها السياسية، بتنفيذ «الأعمال القذرة» التي تأنف أوروبا عن القيام بها، وتقوم بإنهاء الأزمة الليبية المشتعلة منذ سنوات، وبذلك تريح الغرب من التبعات العسكرية والسياسية (والأخلاقية) المكلفة، وتوقف موجات اللاجئين، وتُنهي التهديد الإرهابي الذي أقضّ مضاجع الغرب والعالم.
هذه، على الأغلب، الأحلام «الوردية» بدفن «ربيع عربي» لم ترغب أوروبا في رؤيته أساساً، واستكمال ثورة مضادّة أنتجت كوابيس أمنيّة لا تنتهي، تغسل أيدي العالم من العالم العربيّ وتقوم بتحويله إلى مقبرة «يسود فيها الأمان والسلام»، يتزعّمها أمثال السيسي والأسد وبوتفليقة وحفتر.
عدد الضحايا الهائل لهذا السيناريو قد لا يكون المشكلة الكبرى في أذهان بوتين ورفاقه، لكن العامل الوحيد الذي لم يحسب حسابه هو الارتدادات التاريخية الكبرى لمحاولة دفن عالم بأسره.
تدخل عسكري روسي مقبل في ليبيا؟
رأي القدس
المصدر: القدس العربي