سيبقى (كاسترو) كما (جيفارا) رموز الثوار على الظلم
فواد الكنجي
إذ ذكرنا (جيفارا) نذكر (فيدل كاسترو)، وإذ ذكرنا الأخير ذكرنا (جيفارا الثائر)، باعتبارهما رموز من رموز النضال والثورة والصمود والتحدي، ليس في (كوبا) فحسب بل في العالم اجمع. فلقد عرفنا من خلال نضالهما كيف تكون المواجهة ضد الطغاة وجرائمهم المستبدة ضد الشعوب المناضلة بما يرتكبون بحقهم من جرائم القمع والإذلال و من خلال التجويع والحصار الظالم .
(فيدل كاسترو) و( إرنستو تشي جيفارا)، قادة ثوريين قادوا ثورتهم ضد الأمريكان، طغاة العصر، ببسالة وشجاعة قل نضيرها في التاريخ الحديث والمعاصر، اذ واصلوا النضال ولم يرضخوا ولم يركعوا إمام جبروت أمريكا وحلفائها حتى لأخر لحظة من لحظات حياتهم، فإننا اليوم في (الخامس والعشرين من تشرين الثاني 2016 ) اذ نقف عند إنباء صادره من (هافانا - عاصمة كوبا) بإعلان وفاة زعيم المناضلين والأحرار الرئيس (فيدل كاسترو) رفيق درب الثائر (جيفار) عن عمر ناهز90 عاما، حيث يعود تاريخ ميلاده في ( 13 أغسطس 1926 )، هذا الرجل الذي تحدى الولايات المتحدة الأميركية قرابة نصف القرن، معاصرا ومتحديا احد عشر رئيسا من رؤساء توالوا إدارة الحكم هذه الدولة الامبريالية الغاشمة، ليبقى رؤوس أبناء (كوبا)، وكل الشعوب المناضلة، عاليا لم يرضخوا ولم يركعوا لإرادة أمريكا التي فرضت حصار ظالما على شعب كوبا المناضل ولمدة خمسة وأربعين عاما وما زال الحصار قائم .
فإننا هنا نتذكر بإجلال مواقف (فيدل كاسترو) وبطولاته وشجاعته بعد رحلة طويلة من الكفاح والنضال وضع (كوبا) على مسار التنمية والاستقلال مجسدا ثورتها بكل أماليها وإحباطها ليبقى (كاسترو) كما بقى (جيفارا) مصدر الهام كل المناضلين والشعوب المحبة للحرية والسلام وسيظلون قدوة لأجيال القادمة.
لقد ضرب (كاسترو) مثلا رائعا في الصمود دام خمسة وأربعين عاما بوجه أمريكا وبوجه الحصار الاقتصادي الذي فرضته على بلاده، واستمر نظام (كاسترو) صامدا، بل وقد نجح في الاحتفاظ بـ(الإعلام الحمراء) على ارض كوبا وبوجه أمريكا، لترفرف وهي تواجههم على الجوار، حتى بعد سقوط الأنظمة الشيوعية في الاتحاد السوفيتي وأوروبا الشرقية، وضل يتحدى أمريكا رغم تعرضه لعديد من محاولات الاغتيال، حيث ذكرت تقارير الاستخبارات الأمريكية ذاتها، بان ما تم حياكته لاغتيال (كاسترو) تجاوزت عن ستمائة مؤامرة وكلها باءت بالفشل ليصبح رمزا ملهما لكل أمريكا ألاتينية والعالم الثالث والشعوب المحبة للحرية والسلام .
فـ(كاسترو) الذي اتصف بالبراغماتية في السياسة والاقتصاد، ظل مؤمن منذ البداية بالعمل الثوري وبان طريق الحرية والاستقلال وحق تقرير المصير لن يأتي إلا بالكفاح والنضال، ولهذه الرؤية وجدت لها صداها والتأثير الكبير على المجتمع الكوبي برمته، ومنذ إن فجر ثورته في كوبا في 8 يناير1959 بإسقاط نظام الدكتاتور (فولغينسيو باتيستا)، لتعلو ثورته مزهوة بالانتصارات ليصبح رمزا للثورة بنجاحها وسحقها النظام الدكتاتور لـ(باتيستا ) ومعلن باعتناق (الشيوعية) كمبدأ للحكم ليمضي على نهج الاشتراكية والشيوعية في بناء كوبا، فقد مضى قدما في تأسيس نظام اجتماعي اشتراكي أنهى الأمية وأزال الفوارق الاجتماعية وجعل المدارس والمستشفيات في متناول الفقراء والكادحين وارس نظاما تعليميا قل نظيره في العالم حيث ارقي الجامعات والأكاديميات تتواجد في (كوبا) والتي تفوق نظيراتها في العالم، والتي تخرج أساتذة وأطباء أكفاء في كل مجالات التعليم السياسي والصحي والفني والأدبي، وكما عزز المساواة وأنهى الإقطاع وقام بتأميم الشركات الأمريكية في كوبا، الأمر الذي أدى إلى تدهور العلاقات بين الطرفيين فحاولت الولايات المتحدة الأمريكية التأمر على كوبا من خلال إسقاط (الحكومة الكوبية)، ففي نيسان عام 1961 قامت أمريكا بتجنيد جيش خاص من العملاء الكوبيين المنفيين والموالين لأمريكا لاجتياح جزيرة كوبا، وتمكنت القوات الكوبية في (خليج الخنازير) من ردع المهاجمين وقتل العديد منهم واعتقال حوالي إلف شخص من هؤلاء الخونة.
وبعد عام واحد عن هذه الحادثة بدأت أزمة بين الطرفين تتصاعد بشكل ملفت اثر موافقة ( فيدل كاسترو) على نشر صواريخ روسية نووية في بلاده، ليصبح (كاسترو) عدو رقم واحد بالنسبة لأمريكا، واستنادا إلى مذكرات الزعيم السوفيتي آنذاك ( خروبتشوف) فقد ارتأى الاتحاد السوفيتي أن ينشر صواريخ (بالستية) في الجزيرة الكوبية لردع إي محاولة أمريكية لغزوها، وفي تشرين أول عام 1962 اكتشفت طائرات تجسس أمريكية منصات الصواريخ السوفيتية مما جعل الولايات المتحدة تشعر بالتهديد المباشر، إلا أن هذه الأزمة لم تستمر طويلا في أعقاب توصل أمريكا والاتحاد السوفييتي إلى تسوية يزيل من خلالها الاتحاد السوفيتي صواريخه مقابل تعهد أمريكي بعدم غزو كوبا .
وهكذا ظل (كاسترو) يتحدا أمريكا ولم يأبه بجبروتها، ومضى قدما ليحقق الاكتفاء الذاتي في الزارعة والإنتاج، رغم الحصار الذي فرضته أمريكا و حلفائها على كوبا، حين أعلن الرئيس الأمريكي( جون كندي) اثر تصاعد الخلاف بين الطرفيين عام ( 1962) حظرا تجاريا وماليا على كوبا، والذي مازال ساري المفعول لحد الآن، ولكن صمود وإرادة الشعب الكوبي المناضل استطاع تجاوز ما فرض عليهم، ولم يثني سياسة (كاسترو) من الاستمرار في تنمية الاقتصادية المستقل، رغم إن صعوبات حقيقية واجهت كوبا اثر تفكك الاتحاد السوفيتي سنة 1991 ، ولكن (كاسترو) ظل صامدا ومقاوما، واستمر في سياسة التحدي لأمريكا، بل ظل يتوعدها. وكان لإتقانه فن الخطابة وإمكانياته في إطالة التحدث إمام الجماهير والتي كانت مفعمة بالوعيد والخطابة النارية التي توجه سهامها في الغالب إلى الولايات المتحدة، ساهم في تشبع مواطنيه الكوبين بروح الكراهية ضد أميركا، وهو ما عزز عندهم روح المقاومة ضدها بكونهم ضلوا على الدوام ينظرون إلى الأمريكان كعدو وأنهم يحاولون على الدوام حياكة التأمر ضد بلادهم، وإنهم يسعون بكل ما أتى من وسائل لغزو بلادهم أكان ذلك عسكريا أم سياسيا أم اقتصاديا أم عقائديا أم ثقافيا، ولهذا التفوا الكوبين حول زعيمهم (كاسترو)، فقراء وأغنياء على حد سواء .
فـ(كاسترو)، هذا الزعيم الملهم الخالد والذي سيبقى خالدا في ذاكرت الشعوب المناضلة، لن تمحى سيرته منها على مر الزمان، فكما نذكر (جيفار) سنذكر (كاسترو).
فـ(كاسترو) هذا القائد الملهم الذي بنضاله وتحديه القوى الغاشمة للامبريالية الأمريكية، وهذا التحدي والصمود، زادته شعبية في كل إنحاء العالم، بعد إن ظل يناصر ويدعم الحركات التحررية في أفريقيا ودول أميركا اللاتينية والشعوب العربية ونضال الحركة الفلسطينية ضد العدو الإسرائيلي ، ولم يكف عن التحدث باسم فقراء العالم في أروقة الأمم المتحدة متحديا الغطرسة الأمريكية وهي في أوج جبروتها وقوتها ورفض الركوع لها.
فهذا الرجل الذي ترعرع في أسرة زراعية تنحدر أصول والدية من المهاجرين (الأسبان)، درس في كوبا لحين إن تخرج من جامعة (هافانا) كلية القانون عام1950، وبعد تخرجه عمل محاميا فترة من زمن وفي هذه الفترة أراد الحصول على عضوية مجلس النواب الكوبي لكن الجنرال (فولغينسيو باتيستا) قاد انقلابا وألغى الانتخابات، وهو الأمر الذي حفز (كاسترو) المحامي الشاب إن يقود معارضة سياسته مما أدى إلى ترك وضيفته ملتحقا بقوة قتالية، وبعد حين تم القبض على (كاسترو) و حكمت المحكمة عليه بالسجن لمدة 15عاما، وأطلق سراحه في 1955، و بعدها نفي إلى (المكسيك)، وهناك أعاد (كاسترو) تشكيل حركة( 26 يوليو في عام 1955 ) برفقة (81 ) من الثوار المنفيين، وكان من بينهم الرئيس الحالي لكوبا شقيقه (راؤول كاسترو) والأرجنتيني الأصل ( إرنستو تشي جيفارا) الذي التحق بالثوار كوبا ليتعرف على ( فيديل كاسترو) ويصبح جزءا من المجموعة الثورية الكوبية .
و في (مكسيك) سجن( تشي جيفارا) مع (فيدل كاسترو) ومجموعة متمردين كوبيين وأطلق سراحهم بعد شهرين، ومن هناك شرعوا العودة إلى كوبا، وبعد رحلة طويلة من العناء- لم تسلم من الخيانة بكون المخابرات الأمريكية زرعت بينهم عملاء تابعين لها - وصل الثوار إلي سواحل كوبا عب سفينة متهرئة، وقد ضلوا طريقهم في المستنقعات المغطاة بالغابات الاستوائية، وبعد رحلة صاحبتهم المعانات ومشقة الطريق وأثناء السير في سلسلة جبال (سييرا مايسترا) وكانت المخابرات الأمريكية تتابعهم عبر عملائها فنصب عليهم كمين، وحين وصول الثوار كوبا في نقطة صفر فتح عليهم الرصاص من كل صوب وناحية فأصيب (جيفارا) في صدره وعنقه لكنها كانت إصابات طفيفة، وبعد هذا الكمين الذي تسبب بمقتل الكثير من الثوار، ومع ذلك واصلوا الثواربمن تبقى منهم السير حتى بلغوا مرحلة من الإنهاك لم يتمكنوا بعدها من إكمال الطريق، ولكن أكسبهم مؤيدين كثيرين خاصة في المناطق الريفية، واخذوا خلال هذه الفترة بتنظيم صفوفهم بما كان ينضم إليهم الكثير من مناضلي كوبا وظلت المجموعة تمارس حرب العصابات لمدة سنتين وخسروا نصف عددهم في معارك مع الجيش وكانت هذه المرحلة بداية حرب الثورة الكوبية.
فقد قرر ثوار كوبا ان يبدوا بعملية الحسم وذلك وفق خطة رسمها لهم (جيفارا) فقرر إن يقوم (كاسترو) بإلقاء خطابا للكوبيين يدعوهم إلى إضراب شامل، بينما يبدأ الثوار بقيادة (جيفارا ) النزول من جبال (سييرا) باتجاه العاصمة الكوبية، وهذا ما تم حيث تمكن الثوار من دخول العاصمة هافانا في يناير عام ( 1959 ) على رأس ثلاثمائة مقاتل وفعلا استطاعوا بثورتهم تحقيق النصر، ليبدأ عهد جديد في حياة كوبا بعد انتصار الثورة وإطاحتها بحكم الديكتاتور (باتيستا)، وفي هذه الثورة برز ولمع بريق الثائر (جيفارا) في كل إنحاء كوبا .
وهكذا تم للثوار السيطرة واكتساح العاصمة (هافانا) برئاسة (فيدل كاسترو) واسقطوا الديكتاتورية العسكرية لـ( باتيستا) برغم تسليح حكومة الولايات المتحدة وتمويلها لـ(باتيستا) ولعملاء مخابرات الأمريكية داخل جيش الثوار.
وفي 8 تشرين الثاني 1959 وقف ( كاسترو ) أمام الآلاف في العاصمة (هافانا) معلن نهاية حكومة ( باتيستا)، وإثناء إلقاء خطابه الملهم إمام الشعب الكوبي الذي احتشد بالملايين مهنئين ومؤيدين ومناصرين ثورة (كاسترو) إمام منصة ألخطابه هبطت (حمامة) على كتفيه لينظر إليه الكوبيون باعتباره المخلص الذي سيجلب السلام لكوبا.
وخلال هذه المسيرة الخالدة للمناضل الزعيم الخالد (كاسترو) لابد لنا من وقود لنسلط الضوء عن رفيق دربة وواحد من أهم رجال الثورة الكوبية وهو الثائر(تشي جيفارا)، حيث برز "كقائد ومقاتل شرس لا يهاب الموت و سريع البديهة يحسن التصرف في الأزمات. لم يعد (جيفارا) مجرد طبيب بل أصبح قائدا برتبة عقيد، وشريك (فيدل كاسترو) في قيادة الثورة، وقد أشرف (كاسترو) على إستراتيجية المعارك بينما قاد وخطط (جيفارا) للمعارك، ففي الوقت الذي عرف (كاسترو) بخطاباته التي صنعت له وللثورة شعبيتها، عرف عن (جيفارا) بأنه هو خلف أدلجة الخطاب وإعادة رسم إيديولوجيا الثورة على الأسس (الماركسية اللينينية).
ولكي يعطي (كاسترو ) الشرعية لتواجد (جيفارا) الأرجنتيني الأصل بين قيادة ثورته، اصدر مرسوما يعطي الجنسية والمواطنة الكاملة لكل من حارب مع الثوار برتبة (عقيد)، ولم توجد هذه المواصفات سوى بشخصية (جيفارا ) الذي عين مديرا للمصرف المركزي وأشرف على محاكمات خصوم الثورة وبناء الدولة في فترة لم تعلن فيها الثورة عن وجهها (الشيوعي)، وما أن أمسكت الثورة بزمام الأمور - وبخاصة الجيش- حتى قامت الحكومة (الشيوعية) التي كان فيها (جيفارا) وزيرا للصناعة وممثلا لكوبا في الخارج ومتحدثا باسمها في الأمم المتحدة، كما قام بزيارة الإتحاد السوفيتي والصين، واختلف مع السوفييت على إثر سحب صورايخهم من كوبا بعد أن وقعت الولايات المتحدة معاهدة عدم اعتداء مع كوبا.
تولى (جيفارا) بعد استقرار الحكومة الثورية الجديدة وعلى رأسها (فيدل كاسترو) المناصب التالية، (سفير منتدب إلى الهيئات الدولية الكبرى( و(منظم الميليشيا) و (رئيس البنك المركزي) و (مسئول التخطيط) و (زير الصناعة)، وأراد (فيدل كاسترو) من رفيق سلاحه (تشي جيفارا)، أن بقوم بمهام تصدير (الثورة الماركسية) في أمريكا اللاتينية وكذلك في إفريقيا وخصوصا في (أنغولا) التي انخرطت فيها قوات الكوبية لمدة 15 عاما، وعلى الفور سافر (تشى جيفارا) إلى (الكونغو) ثم ظهر فجأة في (بوليفيا )، وفي ( بوليفيا ) لم يكن مشروع (جيفارا) خلق حركة مسلحة بوليفية، بل التحضير لرص صفوف الحركات التحررية في أمريكا اللاتينية لمجابهة النزعة الأمريكية المستغلة لثروات دول القارة، ولكن ما واجهه (جيفارا ) هناك أي منذ بداية عام( 1967) بانه وجد نفسه مع مقاتليه العشرين وحيدا يواجه وحدات الجيش المدججة بالسلاح بقيادة (المخابرات الأمريكية) في براري بوليفيا الاستوائية، أراد (جيفارا) أن يمضي بعض الوقت في حشد القوى والعمل على تجنيد الفلاحين والهنود الحمر من حوله، ولكنه أجبر على خوض المعارك مبكرا وقد قام (جيفارا) بقيادة مجموعة من المحاربين لتحقيق هذه الأهداف، وقام أثناء تلك الفترة الواقعة بين( 7 نوفمبر 1966 و7 أكتوبر 1967 ) بكتابه يوميات المعركة.
ألقي القبض على اثنين من مراسلي الثوار، فاعترفوا تحت قسوة التعذيب أن (جيفارا) هو قائد الثوار في (بوليفيا)، فبدأت حينها مطاردة لشخص (جيفارا) ، فقررت (المخابرات الأمريكية) التي ظلت على رأس الجيش البوليفي طوال الحملة للبحث عن (جيفارا)، فانشروا آلاف الجنود لتمشيط المناطق الوعرة بحثا عن الثوار، في وقت الذي قسم (جيفارا) قواته لتسريع تقدمها، ثم أمضوا بعد ذلك أربعة أشهر متفرقين عن بعضهم في الأدغال إلى جانب ظروف الضعف والعزلة تعرض (جيفارا) إلى أزمات ربو حادة، مما ساهم في تسهيل البحث عنه ومطاردته، في يوم 8 أكتوبر 1967 وفي أحد وديان (بوليفيا) الضيقة هاجمت قوات الجيش البوليفي المكونة من 1500 فرد مجموعة (جيفارا) المكونة من ستة عشر مقاتل فحسب في وقت الذي ظل (جيفارا) ورفاقه يقاتلون 6 ساعات كاملة وهو شيء نادر الحدوث في حرب العصابات في منطقة صخرية وعرة، تجعل حتى الاتصال بينهم شبه مستحيل، وقد استمر (جيفارا) في القتال حتى بعد موت جميع أفراد المجموعة رغم إصابته بجروح في ساقه مما أدى الأمر إلى وقوعه في الأسر، فنقل (جيفارا) إلى قرية (لاهيجيرا)، وبقي حيا لمدة 24 ساعة، ورفض أن يتبادل كلمة واحدة مع من أسروه، وفي مدرسة القرية نفذ ضابط الصف المجرم (ماريو تيران) تعليمات ضابطيه (ميجيل أيوروا) و(أندريس سيلنيش) بإطلاق النار على (جيفارا) دخل (ماريو) عليه مترددا
فقال له (جيفارا): ((أطلق النار، لا تخف؛ إنك ببساطة ستقتل مجرد رجل))،
لكنه تراجع، ثم عاد مرة أخرى بعد أن كرر الضابطان الأوامر له فأخذ يطلق الرصاص من أعلى إلى أسفل تحت الخصر حيث كانت الأوامر واضحة بعدم توجيه النيران إلى القلب أو الرأس حتى تطول فترة احتضاره، إلى أن قام رقيب ثمل بإطلاق رصاصه من مسدسه في الجانب الأيسر فأنهى حياته واستشهد هناك" .
وقد رفضت السلطات (البوليفية) تسليم جثته لأخيه أو حتى تعريف أحد بمكانه أو بمقبرته حتى لا تكون مزارا للثوار من كل أنحاء العالم، وقد شبت أزمة بعد عملية اغتياله وسميت بأزمة (كلمات جيفارا) أي مذكراته، وقد تم نشر هذه المذكرات بعد اغتياله بخمسة أعوام وصار (جيفارا) رمزا من رموز الثوار على الظلم.
وفي العام 1997م كشف النقاب عن (جثمانه) وأعيد إلى كوبا، حيث قام الرئيس الكوبي الراحل (فيدل كاسترو) بدفنه بصفة رسمية.
وها اليوم تودع هافانا والشعب الكوبي وكل الأحرار في العالم، نودع (فيدل كاسترو) الزعيم الخالد الذي تعجز الكلمات عن وصفه، كونه شخصية تركت فينا وقعا مؤثرا سيبقى تاريخه حي في ذاكرة الشعوب المناضلة من الصعوبة بمكان تكرارها ولكن ليس من الصعوبة اقتفاء أثارها لتكون لنا عبره لنضال الشعوب ضد الطغاة والمستبدين والقامعين لإرادة الشعوب الساعية للحرية والاستقلال وحق تقرير المصر.
نعم سنبقى نذكر (جيفارا) وسنبقى نذكر (كاسترو) لأنهم رموز الحرية والنضال ومنهم تعلمنا وسنتعلم الكثير- الكثير .
المصدر: فواد الكنجي
↧