بعد سنوات من الصراعات الاقتصادية في زمن الحرب بين التجار في المحافظات السورية، كان المواطن دائماً هو الخاسر الوحيد في هذه الصفقات، وبعد أن كانت منازل قاطني دمشق حتى الفقيرة منها لا تخلو من اللحوم، أصبحت اليوم مادة بعيدة المنال وأشبه بالحلم، حيث أن آلاف المنازل لا تدخلها اللحمة إلا مرة في الشهر، وربما لا تدخلها نهائياً.
الارتفاع المتتالي في أسعار اللحوم على مر السنوات جاء نتيجة عدة أسباب تبدأ بهبوط قيمة الليرة وتنتهي بقرارات من قبل حكومة النظام بعد اعتراض التجار على هوامش الربح، ولا نعلم إن كان هذا القرار الأخير، ولكنه قد أضر بالمواطن بشكل كبير، فقد أصدرت حكومة النظام قراراً يمنع استيراد اللحوم المجمدة، بحجة قلة الإقبال عليها، الأمر الذي تسبب بزيادة الطلب على اللحوم المحلية فارتفعت أسعارها بين ليلة وضحاها، حيث أن الكثير من المواطنين كانوا يشترون اللحم المجمد لأنه أرخص من اللحم الطازج المحلي.
قرارات أخرى أثرت على أسعار اللحوم، من بينها قرار رفع سعر الأعلاف بحجة عدم توفر المحروقات في المنشآت وصعوبة النقل بحسب مطالب تجار الأعلاف لتوفير هامش رح جيد، الأمر الذي تسبب برفع جديد على أسعار اللحوم في السوق.
وكانت جمعية حماية المستهلك التابعة لحكومة النظام السوري قد أصدرت قائمة جديدة بأسعار اللحوم ورفعتها إلى مديرية الأسعار في تموين دمشق، وتمت الموافقة عليها لتصدر أسعار جديدة، فأصبح سعر كليو لحم الجمل 3500 ليرة سورية، فيما ارتفع سعر لحم الجدي الهبرة إلى 3600 ليرة سورية، ووصل سعر لحم الخروف الهبرة الصافي إلى 5 آلاف ليرة، أي ما يعادل 10 دولارات تقريباً، فيما استقر سعر لحم العجل إلى 3200 ليرة، وبالمجمل فإن نسبة ما تم رفعه يتجاوز 15% وهي نسبة كبيرة قياساً بدخل المواطن.
مراسلونا في دمشق أجروا حوارات عديدة مع جزارين في أسواق اللحوم، فأبو سعيد وهو جزار في أحد أسواق دمشق، يرى أن ارتفاع الأسعار المستمر خفض بشكل كبير من القوة الشرائية، فالكميات التي تُباع بحسب "أبو سعيد" لا تتجاوز 3 آلاف ليرة للمواطن الواحد، وأحياناً تكون 1500 ليرة سورية، أي ما يعادل ربع كيلو غرام.
ويضيف "ابو سعيد" أنه بات يعرف مواعيد شراء زبائنه من سكان المنطقة، فقد أصبح الكثير منهم لا يأتي إليه إلا كل 20 يوم مرة واحدة.
أما "جواد" وهو شاب يعمل في بيع الجملة بسوق اللحوم يتخوف اليوم من ارتفاع اخر للأسعار بعد منع وزراة الاقتصاد استيراد اللحوم المجمدة، و يقول نتمنى كتجار ان يسمحوا باستيراد العجول الحية و هو ما تتم دراسته الآن بحسب قوله، لربما يكون ذلك سبباً بانخفاض الاسعار و عودة الحركة الى اسواق اللحوم.
ويؤكد جواد أن الكثير من الناس باتت تعتمد طرق للشعور بوجود اللحم في الطعام، وهي شراء العظام بعد أن كانت سابقاً مجانية عند الجزارين، أما اليوم فقد أصبح كيلو العظم يتجاوز 200 ليرة سورية، وهو ما أكده "فؤاد" الموظف لدى الحكومة السورية قائلاً: لم نكن نتوقع أن نأكل ما كنا نرميه للقطط في حديقة منزلنا.
وبالذهاب إلى المطاعم، قال محاسب مالي في أحد مطاعم دمشق خلال حديث مع مراسلينا، إن الطلب على وجبات اللحوم في المطعم قد انخفضت بشكل كبير، وأصبح الناس يستبدلون وجبات اللحم بالدجاج لأنه أرخص، وذكر المحاسب أن أصحاب المطاعم قد قاموا بتعديل قوائم الأطعمة المتوفرة وحذف بعض الأطباق التي تحوي لحوماً.
ويضيف المحاسب، بحسبة بسيطة نجد أن فاتورة غداء يتواجد فيها اللحم قد تكون أكبر من فاتورة غداء بالدجاج بنسبة تصل إلى 40% وقد تصل إلى 60% في بعض مطاعم دمشق الفاخرة.
وبالمجمل نستطيع القول أن حالة من الجمود أصابت أسواق اللحوم في الفترة الأخيرة، فبعد أن كانت طبقاً رئيسياً في كل منزل وفخراً لسيدات المنازل على موائدهن، باتت اليوم حلماً لآلاف العوائل.
المصدر: صوت العاصمة
↧