هل سمعت بحوادث السير على الأقدام؟ الحوادث تحصل عادة في غفلة عين وأسرع من البرق، وغالبا ما تكون بسبب عدم التركيز وفقدان السيطرة، وهذا الأمر معروف، ولكن عندما تتعرض لحادث سير وأنت مترجل وسائر على الطريق فالقِ اللوم على التكنولوجيا، لأن أصابعك وقتها كانت تداعب جوالك وعيناك على الأزرار التي تتلمسها بشوق وحنان، ناسيا ومتناسيا لمئات المشاة من حولك لا سيما على أرصفة ضيقة كتلك التي نجدها في لندن أو في طرقات نسي مهندسوها تخصيص مساحة للمشاة أو الكراسي المتحركة، فتكون النتيجة مشاة يتمشون في وسط الطريق ولا وجود للرصيف.
قبل فترة، شدني مشهد طريف، فلندن عاصمة مكتظة بالبشر، من سياح وزائرين وساكنين وموظفين وباعة.. سيارات، أحصنة، دراجات هوائية وحتى عربات ريكشو.. من دون أن ننسى السائرين على الطرقات الذين «يقودون» هواتفهم الجوالة بدلا من العربات مع فارق بسيط هو أن قيادة السيارة تحتم عليك التركيز على الطريق بينما في حالة الهاتف الجوال فـ«القائد» يركز على هاتفه غير آبهٍ لما يدور حوله، والغريب هو أن «قادة» الهواتف الجوالة كثيرون ولا توجد قوانين ولا إشارة سير تسهل عملية تجولهم في الطرقات وعلى الأرصفة، فالنتيجة الحتمية ارتطامات وحوادث، بعضها ينتهي بكلمة «سوري» أو «عذرا» والبعض الآخر ينتهي بصرخة وبعضها ينتهي بلا شيء لأن كلا الطرفين لم يتنبه للحادث لكثرة انهماكه بصياغة الخبر الذي يتأهب لإرساله أو منغمس في سطور محادثة لا يستطيع قطعها، أو أن البعض وبكل بساطة حولوا هواتفهم إلى بوصلات تدلهم إلى طريقهم، لدرجة أن العقول لم تعد تعمل كما كانت في السابق، فالتكنولوجيا سهلت حياتنا ولكنها شلت ذكاءنا وجعلتنا نتكل عليها في كل شيء؛ ففي خبر سمعته منذ فترة، تعرض سائق عربة كان في طريقه لتوصيل طلبية لزبون في إحدى المناطق البريطانية إلى حادث كاد يودي بحياته، بعدما استمع إلى إرشادات هاتفه إلى أن وصل إلى حافة صخرة كان على وشك الوقوع منها في منحدر عميق، لماذا؟ فقط لأنه تخلى عن المنطق وسعى وراء التكنولوجيا وعيناه مغمضتان.
نحن الآن لا نستطيع العيش من دون هواتفنا. كنا في الماضي نسير في الطرقات رافعين رؤوسنا، أما اليوم فلا نرى سوى ظل رؤوسنا.
وهنا لا بد أن أروي لكم قصة طريفة عندما نبهتني صديقتي سهى قائلة: «حذارِ، امسكي بحقيبة يدك جيدا، وانظري إلى هذا الشخص الآتي نحونا.. إنه يغطي وجهه بقناع»، لنكتشف بعدها أنه صبي بريء يحمل في يده هاتفه الجوال الذي يضيء وجهه بضوء أبيض جعله يبدو وكأنه شبح.
إشارة: أنا من هؤلاء «الأشباح» وأتمنى أن أطيب يوما ما من داء التكنولوجيا.
↧