«نحن نواجه أياما كيوم القيامة»،
.هكذا يختصر عمار السلمو، المسؤول في منظمة الدفاع المدني السورية، المعروفة باسم «الخوذ البيضاء» التطوعية، الوضع الحالي في الأحياء الشرقية لمدينة حلب التي لا تزال تخضع لسيطرة مقاتلي المعارضة. هنا يعيش نحو 100 ألف مدني محاصرين يفتقرون لحد أدنى من مقومات الحياة ويواجهون الموت في كل دقيقة في ظل القصف المتواصل والأعمال القتالية المحتدمة على أكثر من جبهة.
ومن ناحية ثانية، بحسب عمار سقار، الناطق العسكري لتجمع «فاستقم كما أمرت» المعارض فإن 60 في المائة من الأحياء الشرقية باتت في قبضة النظام وحلفائه بينما لا تزال الفصائل تسيطر على نحو 40 في المائة من هذه الأحياء وأبرزها: الإذاعة، وصلاح الدين، ومشهد أنصاري، وضيعة أنصاري، والسكري، وتل زرازير، والعامرية، والزبدية، وسيف الدولة، والفردوس، والشيخ سعيد، والصالحين، وبستان القصر، والكلاسة، والمغاير، والجلوم، والمعادي، والأصلية وكرم النزهة. وأكد سقار في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن آخر تقدم حققته القوات المهاجمة تم منذ يومين، لافتا إلى أن المعارك تتركز حاليا عند محاور الشيخ سعيد، جب الجلبي - الإذاعة وحي المعادي الذي تحول إلى خط جبهة وشهد معارك شرسة جدا الخميس الماضي. وأضاف: «عندما وجد الثوار مدى شراسة هجوم الروس والإيرانيين، ارتأوا القيام بمناورات تكتيكية والانسحاب من الأحياء التي ليست ذات أهمية كبرى والتي تشكل استنزافا لهم باتجاه أحياء أخرى وبالتحديد الكتلة الهامة من المنطقة المحررة».
هذا، ولا يبدو أن مقاتلي المعارضة اتخذوا حتى الساعة قرارا بالانسحاب من الأحياء التي ما زالوا يسيطرون عليها في حلب، وهو الشرط الذي تفرضه موسكو لوقف العمليات القتالية والقصف. وفي هذا الإطار، قال قيادي ميداني معارض لـ«الشرق الأوسط» فضّل عدم ذكر اسمه «خيار انسحاب المقاتلين من حلب ليس واردا. معنوياتنا لا تزال مرتفعة والجميع متفق على الدفاع عن المدينة حتى الرمق الأخير». وأضاف: «الجيش الحر وافق على كل المبادرات التي تتعلق بإخراج المصابين والمدنيين الراغبين بالمغادرة شرط أن يتم ذلك مباشرة إلى المناطق المحررة وليس إلى أحياء تخضع لسيطرة النظام نظرا لعمليات الاعتقال التي تعرض لها من سبق لهم الانسحاب في الأيام الماضية».
وفي هذا السياق، أعربت الأمم المتحدة الجمعة عن قلقها من معلومات حول فقدان المئات من الرجال بعد هروبهم من شرق حلب إلى مناطق خاضعة لسيطرة النظام في المدينة، ومنع آخرين من الفرار من مناطق المعارضة. وقال المتحدث باسم مجلس حقوق الإنسان روبرت كولفيل، من جنيف: «تلقينا ادعاءات مقلقة للغاية حول فقدان مئات من الرجال بعد عبورهم إلى المناطق الخاضعة لسيطرة النظام» السوري في حلب، مؤكدا أنه «من الصعب للغاية التحقق من الوقائع». وأوضح كولفيل أن أعمار الرجال تتراوح بين 30 و50 سنة، وأن عائلاتهم قالت: إنهم فقدوا الاتصال بهم بعد فرارهم من مناطق خاضعة لسيطرة المعارضة في حلب قبل أسبوع أو عشرة أيام. وأضاف: «نظرا إلى سجل الحكومة السورية الرهيب في الاعتقالات التعسفية والتعذيب والاختفاء القسري، نحن بالطبع قلقون للغاية على مصير هؤلاء الأفراد».
وأشار كولفيل في المقابل، إلى أن أكثر من 100 ألف شخص بقوا داخل المناطق التي تسيطر عليها قوات المعارضة في شرق حلب والتي انحسرت إلى حد بعيد، محذرا في الوقت نفسه من أن الأرقام غير واضحة حتى الآن. وبحسب كولفيل، فإن «مجموعات المعارضة المسلحة تمنع بحسب بعض التقارير مدنيين يحاولون الفرار» من مغادرة مناطقها. وتابع: «خلال الأسبوعين الماضيين، أفيد أن (جبهة فتح الشام) (جبهة النصرة سابقا) و(كتائب أبو عمارة) أقدمتا على خطف وقتل عدد غير معروف من المدنيين الذين طالبوا الفصائل المسلحة بمغادرة أحيائهم، حفاظا على أرواح المدنيين».
من جهة أخرى، لم تدم الهدنة التي أعلنت عنها موسكو في حلب بعد ظهر الخميس إلا ساعات معدودة. ويعقد اليوم خبراء أميركيون وروس اجتماعات في جنيف بمسعى للتفاهم على حل لأزمة حلب. لكن المعارضة السورية لا تعلق آمالا على المباحثات الروسية – الأميركية المرتقبة. وهو ما عبّر عنه هشام مروة، عضو «الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية» المعارض لافتا إلى أن «اجتماعات الخبراء تلي عادة قرارا يتخذه المسؤولون المعنيون مباشرة بالملف كي يضعوا التفاصيل التنفيذية، إلا أن السؤال، هل توصل الأميركيون والروس إلى اتفاق معين كي يباشر الخبراء اجتماعاتهم؟» واستبعد مروة في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن يكون قد تم اتخاذ أي قرار دولي لوضع حد لأزمة حلب، مضيفًا أنّهم لم يبلغوا بشيء في هذا الخصوص. وأردف «تواصلنا مستمر مع الفصائل والمقاتلين المحاصرين في الأحياء الشرقية، وقرار الانسحاب أو مواصلة القتال يعود إليهم علما بأنهم ما زالوا يؤكدون لنا أنّهم صامدون ومستمرون بالقتال».
في هذه الأثناء، كان لافتًا ما نقلته يوم أمس وكالة «سانا» السورية الرسمية عن مصدر بوزارة خارجية النظام لجهة إعلانه «استعداد الحكومة السورية لاستئناف الحوار مع المعارضة دون تدخل خارجي أو شروط مسبقة». ويأتي هذا الإعلان بعيد تأكيد قائد إدارة العمليات العامة بهيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الروسية، الفريق سيرغي رودسكوي، الجمعة، أنه «تم تحرير 52 حيا من أحياء حلب الشرقية من المسلحين»، وقوله: إن «القوات السورية تسيطر على 93 في المائة من المدينة»، مدعيا أن هذه النتائج «تحققت بفضل وحدات القوات السورية البرية، باعتبار أنه لا يتم استخدام سلاح الجو الروسي أو السوري في منطقة حلب منذ 18 أكتوبر (تشرين الأول)».
ميدانيا، أفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان» بـ«تنفيذ طائرات حربية عدة غارات على أحياء الفردوس والكلاسة والسكري وبستان القصر، فيما تستمر الاشتباكات في محوري جب الجبلي والإذاعة بمدينة حلب، بين فصائل المعارضة من طرف، وقوات النظام والمسلحين الموالين لها من طرف آخر»، وتحدث عن سقوط «قذائف بشكل مكثف أطلقتها الفصائل على مناطق في أحياء الأكرمية وسيف الدولة والأعظمية وجمعية الزهراء بالقسم الغربي من مدينة حلب، ما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 8 أشخاص وإصابة العشرات بجراح».
أما عمار السلمو، المسؤول في «الخوذ البيضاء» فقدم في حديث مع شبكة «سي إن إن» توصيفا للوضع داخل الأحياء الشرقية، وقال: «في شرق حلب كل شيء توقف باستثناء القصف وبرودة الشتاء والمجاعة والخوف والإرهاب.. باستثناء هذه الأمور فكل شيء توقف.. المخابز والدفاع المدني وحتى المرافق الطبية»، لافتا إلى أن «بعض الضحايا والجرحى الذين حالفهم الحظ وتلقوا العلاج في بعض المرافق، أجريت لهم عمليات جراحية دون تخدير والوضع يتدهور في كل لحظة وكل يوم بشكل أسوأ من قبل».
وأضاف: «هناك أكثر من 60 جثة ملقاة في الشوارع ولا نستطيع الوصول إليها ولا سحبها ولا أحد يستطيع، ونحن نواجه أياما كيوم القيامة».
المصدر: الشرق الأوسط
↧