> في آخر حديث لنا حين كنت في الخارجية الأميركية، وصفت الأزمة السورية بـ «حرب استنزاف» بين النظام والمعارضة، هل لا تزال على هذا الرأي؟
- عام ٢٠١٢ كانت الحرب السورية حرب استنزاف إنما دينامياتها تغيّرت اليوم. ما تغير هو أن الإيرانيين باتوا قادرين على المجيء بآلاف المقاتلين من ميليشيات في العراق أو مخيمات لاجئين للأفغان في شرق إيران، ما يعطي طهران قوة عددية في القتال أكبر من تلك الموجودة لدى المعارضة السورية. لذا، عندما كان القتال بين الجيش السوري أو ما تبقى منه والمعارضة بداية، أعطت حرب الاستنزاف الأفضلية للثوار، إنما اليوم وبسبب التدخّل الإيراني فهذه الحرب في مصلحة طهران في المدى الأبعد، إذ إن الديناميات تغيّرت رأساً على عقب.
> كيف ترى المعركة في حلب؟
- أعتقد بأننا أمام صورة مشابهة لما رأيناه في القصير في ربيع ٢٠١٣، عندما حاول الثوار أن يسيطروا على مواقع يمكن محاصرتها وضربها بقوة جوية وبالدبابات والمدفعية وهنا التفوّق للحكومة السورية، ما يجعل من المستحيل استمرار السيطرة على المواقع. وعلى غرار خسارة «الجيش الحر» في القصير، يتكرر الأمر عينه في حلب. من هنا سيكون على الثوار تغيير تكتيكاتهم، إذ لا يمكنهم الاستمرار بمحاولة السيطرة على أراض كجيش تقليدي لأنهم ليسوا كذلك. وليس في مقدورهم التصدّي للطيران الروسي، وعليهم إعادة التفكير بإستراتيجيتهم.
> هل ينسحبون من حلب كلياً؟
- إذا انسحبوا من حلب وذهبوا الى إدلب، ستسيطر الحكومة السورية على إدلب، ولن يكون في مقدورهم وقف ذلك.
> هل ترى إذاً أن الثوار سيتحولون إلى حركة تمرد، أي التخلّي عن إستراتيجية السيطرة على أراضٍ والقيام بعمليات عسكرية؟
- لا أعتقد بأن لديهم القوة القتالية لاستعادة حلب، وأمامهم مشكلتا الطيران الجوي السوري والمقاتلين الإيرانيين. من دون شك استعادة الحكومة السورية لحلب انتصار سياسي وعسكري. من الواضح أيضاً أن لدى تركيا نوعاً من الاتفاق مع روسيا حول حلب، وهي سحبت ألوية من هناك مثل «فتح» حلب، وأرسلتها إلى جبهة درعا. والثوار يعتمدون على تركيا وفي حاجة إلى مساعدتها، وهم في مأزق اليوم.
> ما هو المشهد الذي تتوقعه خلال سنة في سورية؟
- أعتقد بأنه خلال سنة، سيسيطر بشار الأسد على إدلب. أما تركيا وعبر قوات «درع الفرات» فستسيطر على المناطق التي في حوزة الدرع اليوم، وقد تسيطر على منطقة الباب ومنبج. لا أعرف من سيسيطر على الرقة، هل هي قوات «سورية الديموقراطية» أو غيرها. سيكون لـ «القاعدة» مناطق سيطرة في غرب سورية ولـ «داعش» في شرقها. وأعتقد بأن بشار الأسد سيسيطر على البقية. قد ننتقل إلى اتفاقات وقف إطلاق النار بين مختلف هذه الأطراف.
> هل هذا انتصار للأسد؟
- إنه انتصار فقط بمعنى أن موقعه أفضل مما كان عليه في ٢٠١٢ و٢٠١٣ وحتى في ٢٠١٥، إنما كيف سيكون شكل مدن أو أحياء مدنية في حلب والغوطة وحمص وواقعها؟ من سيعيد بناءها؟ اليوم نحن أمام سورية مختلفة، حتى الشكل الإثني للبلاد تغيّر. كان عدد سكان سورية قبل الثورة ٢٥ مليون نسمة، واليوم صار حوالى٢٠ مليوناً. أعتقد بأن الوضع السوري سيبقى غير مستقر وبأعباء اقتصادية ونسب دمار هائلة. ووفق ما قاله رامي مخلوف، «الأسد أو نحرق البلد»، واليوم لديهم بلد محروق.
> طالب لافروف الغرب بمساعدة لإعادة إعمار سورية، ما رأيك؟
- هذا لن يحصل ببقاء الأسد. مجلس النواب الأميركي وافق على مشروع قانون «قيصر» بغالبية ساحقة (يفرض عقوبات على أي جهات اقتصادية روسية وإيرانية تساعد الأسد). وأعتقد بأن مجلس الشيوخ سيوافق عليه أيضاً، ولا أظن أن الرئيس المنتخب دونالد ترامب يريد أن ينفق أي مال في سورية.
> إذا كنت تنصح الرئيس المنتخب ترامب، فما تقول له حول سورية؟
- ليس هناك إجابات سهلة اليوم. صراحة لا أعرف كيف يمكن إعادة ترتيب سورية في وقت قريب. الأهم لأي رئيس هو مصلحة الولايات المتحدة القومية، بخفض تدفّق اللاجئين ومنع المتطرّفين من تطويع مقاتلين، ولا أعتقد بأن مساعدة حزب الاتحاد الديموقراطي (الأكراد) أمر جيد. كما لا يمكن الوصول إلى اتفاق وقف لإطلاق النار بمساعدة روسيا والأسد، لأن الثوار لن يتوقفوا عن القتال. ومن هنا ليست لدي فكرة كيف يمكن الوصول إلى ذلك من دون مساعدة الثوار. لا أعتقد بأن في إمكان روسيا فرض اتفاق وقف لإطلاق نار وأشكك في أن المعارضة ستقبله. ربما بعد سقوط إدلب يمكن روسيا وتركيا التفاوض حول اتفاق كهذا.
> ما أهمية دور تركيا بالنسبة إلى واشنطن؟
- سيكون أمام ترامب خياران: أما العمل مع تركيا ويعني ذلك التصدّي لإيران وروسيا، أو العمل مع روسيا لفرض شروط على تركيا. وإذا فعلوا ذلك فهذا سيعني أن الأسد سيدخل مناطق مثل الحسكة والرقة وسيكون هناك تدفق جديد للاجئين وقد يفتح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الحدود أمامهم الى أوروبا، أو قبول سيطرة الأكراد في منطقة روجافا، وهم يشكّلون تهديداً لتركيا. في كلتا الحالتين هناك تهديد لشريك في حلف الأطلسي (الناتو)، ولا أعرف أي خيار سيأخذه ترامب. إنما من المنطقي أن يساعد تركيا في محاولة الوصول إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.
> من موقعك داخل الإدارة لسنوات، كيف تصف رصيد باراك أوباما في سورية؟
- بداية يجب التنويه بأن أميركا لم تطلق الثورة السورية، ولم تتحكم بها، بل كانت دائماً قضية سورية. حتى إيران والسعودية وتركيا لم تتحكّم بها، كنت دائماً أعتقد وأقول إن هناك نوعاً من الاستقلالية للأسد. ولم يكن لدى الأميركيين يوماً تأثير كاف في السوريين. هذا سجل أوباما ورصيده، أي أنه لم يحاول التأثير في شكل مباشر. قلنا لهم مثلاً تجنبوا تنظيم «القاعدة»، إنما لم نمنحهم بديلاً. وعوضاً عن مساعدتهم في عدم التحوّل إلى «القاعدة»، لم نقدّم سوى الوعظ. ثانياً بدلاً من ممارسة ضعوط على الحكومة العراقية لوقف عبور طائرات التسليح الجوي الإيراني عبر أجوائها إلى سورية، تجاهلنا الأمر وغضضنا النظر. أنا ذهبت وتحدثت إلى (رئيس الوزراء العراقي السابق نوري) المالكي في عام ٢٠١٢، وقلت له عليك وقف هذه الرحلات، فتجاهلني وقال لي إن العراق «ضد المتطرفين»، وذلك على رغم تحذيراتي بأن تسليح الأسد سيغذّي التطرف. كما أن واشنطن لم تفرض عقوبات على موسكو رداً على ما تقوم به في سورية.
> زرت مدينة حماة في بداية الاحتجاجات، كيف تنظر إليها اليوم؟
- عندما ذهبت إلى حماة، قلت لجيفري فيلتمان (مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى) إني ذاهب إلى هناك، وكان القرار سهلاً بالنسبة إلي. الغاية كانت إبقاء الثورة سلمية، وقلت للمحتجين إذا تسلحتم لن يساعدكم الغرب ولا الجيش الأميركي، سورية ليست العراق. وبعدها قلت للحكومة السورية ووزير الخارجية وليد المعلم إن المتظاهرين سلميون ومسؤوليتكم حمايتهم. بعض الناس قالوا لي إن المعارضة السورية فهمت زيارتي لحماة بأننا سندعمها مهما كلّف الأمر. وهذا لم يكن الغرض من الزيارة وأنا لم أقل هذا الكلام إطلاقاً.
↧