لمن الدّيار تنوح فيها الشمأل | ما مات أهلوها ولم يترّحلوا |
ماذا عراها، ما دها سكّانها | يا ليت شعري كيلوا أم قتلوا؟ |
مثّلتها فتمثّلت في خاطري | دمنا لغير الفكر لا تتمثّل |
تمشي الصّبا منها برسم دارس | لا ركز فيه كأنّما هي هوجل |
وإذا تأمّل زائر آثارها | شخصت إليه كأنّها تتأمّل |
أصبحت أندب أسدها وظباءها | ولطالما أبصرتني أتعزّل |
أيّام أمطر في الحمى متهللا | وأرى الدّيار كأنّها تنهلّل |
وأروح في ظلّ الشّباب وأغتدي | جذلان لا أشكو ولا أتعلّل |
إذ كلّ طير صادح مترنم | إذ كلّ غصن يانع متهدّل |
والأرض كاسية رداء أخضرا | فكأنّها ديباجة أو مخمل |
يجري بها، فوق الجمان من الحصى | بين الزّبرجد والعقيق ، الجدول |
والزّهر في الجّنّات فيّاح الشّذا | بندى الصّباح متوّج ومكلّل |
والشّمس مشرقة يلوح شعاعها | خلل الغصون، كما تلوح الأنصل |
والظّلّ ممدود على جنباتها | والماء مغمور به المخضوضل |
للّه كيف تبدّلت آياتها | من كان يحسب أنّها تتبدّل؟.. |
زحف الجراد بقّضّه وقضيضه | سير الغمام إذا زفته الشمأل |
حجب السّماء عن النّواظر والثّرى | فكأنّه اللّيل البهيم الأليل |
من كلّ طيّار أرقّ جناحه | لفح الحرور وطول ما ينتقل |
عجل إلى غاياته مستوفز | أبدا يشدّ العجز منه الكلكل |
خشن الاهاب كأنّه في جوشن | وكأنّما في كلّ عضو منجل |
وكأنّما حلق الدّروع عيونه | وكأنّهنّ شواخصا تتخيّل |
مصقولة صقل الزّجاج يخالها | في معزل عن جسمه ، المستقيل |
ومن العجائب مع صفاء أديمها | ما إن ترفّ كأنّما هي جندل |
ضيف أخف على الهواء من الهوا | لكنّه في الأرض منها أثقل |
ملأ المسارح والمطارح والرّبى | فإذا خطت فعليه تخطو الأرجل |
حصد الّذي زرع الشّيوخ لنسلهم | وقضى على القطّان أن يتحوّلوا |
ما ثمّ من فنن إلى اوراقه | يأوي ؛إذا اشتد الهجير ، البلبل |
وإذا القضاء رمى البلاد ببؤسه | جف السّحاب بها رجف المنهل |
وقع الّذي كنّا نخاف وقوعه | فعللى المنازل وحشة لا ترحل |
أشتاق لو أدري بحالة أهلها | فإذا عرفت وددت أني أجهل |
لم تبق أرجال الدّبى في أرضهم | ما يستظلّ به ولا ما يؤكل |
أمست سماوهم بغير كواكب | ولقد تكون كأنّها لا تأفل |
يمشون في نور الضّحى وكأّنهم | في جنح ليل حالك لا ينصل |
فإذا اضمحك النّور واعتكر الدّجى | فالخوف يعلو بالصّدور ويسفل |
يتوسّلون إلى الظّلوم وطالما | كان الظّلّوم إليهم يتوسّل |
أمسى الدّخيل كأنّه ربّ الحمى | وابن البلاد كأنّه متطفّل |
يفضي، فهذا في السّجون مغيب | رهن، وهذا بالحديد مكبّل |
ويرى الجمال كأنّما هو لايرى | ويرى العيوب كأنّما هو أحول |
حال أشدّ على النّفوس من الرّدى | الصّاب شهد عندها والحنطل |
مالي أنوح على البلاد كأنّما | في كلّ أرض لي أخ أو منزل |
يا ليت كفا أضرمت هذي الوغى | يبست أناملها وشلّ المفصل |
تتحوّل الأفلاك عن دورانها | والشّرّ في الإنسان لا يتحوّل |
ما زال حتّى هاجها من هاجها | حربا يشيب لها الرّضيع المحول |
فالشّرق مر تعد الفرائض جازع | والغرب من وقعاتها متزلزل |
والأرض بالجرد الصّواهل والقنا | ملأى تجيش كما تجيش المرجل |
والطّود آفات تلوح وتختفي | والسّهل أرصاد تجيء وتقفل |
والجوّ بالنّقع المثار ملثّم | والبحر بالسّفن الدّوارع مثقل |
في كل منفرج الجوانب جحفل | لجبّ ينازعه عليه جحفل |
مات الحنان فكلّ شيء قاتل | وهما القضاء فكلّ عضو مقتل |
فمعقّر بثيابه متكفّن | ومجرح بدمائه متسربل |
كم ناكص عن مأزق خوف الرّدى | طلع الرّدى من خلفه يتصلصل |
شقي الجميع بها وعزّ ثلاثة | ذئب الفلاة ونسرها والأجدل |
حامت على الأشلاء في ساخاتها | فرقا تعلّ من الدّماء وتنهل |
لهفي على الآباء كيف تطوحوا | لهفي على الشّبان كيف تجندلوا |
حرب جناها كلّ عات غاشم | وجنى مرارتها الضّعيف الأعزل |
ما للضّعيف مع القوي مكانة | إنّ القويّ هو الأحبّ الأفضل |
تتّنصل السّواس من تبعاتها | إنّ البريء الذّيل لا يتنصّل |
قد كان قتل النّفس شرّ جريمة | واليوم يقتل كلّ من لا يقتل |
والمالكون على الخلائق ، عدلهم | جور، فكيف إذا هم لم يعدلو |
كتبوا بمسفوك النّجيع نعوتهم | قول الملوك لهم : جنود بسّل |
يا شرّ آفات الزّمان المنقضي | لا جاءنا فيك الزّمان المقبل |
↧
لمن الديار : قصيدة لإيليا أبو ماضي وكأنها تتحدث عن نكبة سوريا الحالية
↧