21.08.2016
د.محمد أحمد الزعبي
السؤال المتكرر الذي بدأت أسمعه منذ زيارة أردوغان إلى روسيا وتبادل الزيارات بين وزيري خارجية تركيا وإيران هو : هل ستغير تركيا موقفها من دعم الثورة السورية ؟ وبالذات من رحيل بشار الأسد ؟.
.
إن جوابنا على هذا السؤال المركّب الذي ورد أعلاه ، يجب ألّا يتوقف عند حدود ال " نعم " أو ال " لا " وإنما لابد أن يتجاوزهما إلى " لماذا ؟" . إن مانعتقده نحن هنا ، وكإجابة أوليّة ، هو أن تركيا لن تغير موقفها الإيجابي من ثورة آذار 2011 السورية ، ولا من ضرورة رحيل بشار الأسد. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو " لماذا ؟" وهو ما يشكل موضوع هذه المقالة.
عندما جاء بوش الإبن بجحافله البشرية والتكنولوجية من مغارب الأرض إلى مشارقها لكي تحتل بلدا عربيا صغيراً ( بالمقاييس الديموغرافية والجغرافية ) هو " العراق " عام ٢٠٠٣ ، كان ذنب حكامه الوحيد يومها ، هو محاولتهم الجادة أن يرتقوا ببلدهم العراق من بلد متخلف يأكل ويشرب ويلبس مما ينتجه الآخرون ( الغرب خاصة ) إلى شعب متطور يأكل ويشرب ويلبس مما تنتجه عقول وأيادي أبنائه وبناته أنفسهم ، الأمر الذي سيجعله يتحول من بلد مستهلك إلى بلد منتج ، ويجعله بالتالي في غنى عن استيراد حاجاته من الدول الأخرى والتي هي غالباً الدول " الاستعمارية " ، ومن بينها الدولة التي يرأسها السيد بوش الإبن نفسه ، والتي غزت العراق عام 2003 .
لقد أتيت بمثال العراق هنا لكي أشير ، إلى أن الإمبريالية العالمية قد دأبت منذ القرن التاسع عشر على وضع العصي في عجلة تطور بلدان العالم الثالث ، ومنها وطننا العربي ، الذي تمثلت العصي التي وضعوها في عجلات مسيرته التطورية والتنموية بـمثلث التجزأة ( سايكس ـ بيكو ) وإنشاء الكيان الصهيوني في فلسطين ، وخلق شبكة من الرؤساء وشيوخ العشائر العملاء الذين يتقاسمون اليوم مع الدول الإمبريالية ثروات أوطانهم ، وعرق جبين أبناء وطنهم .
إن إقدام الدول الإمبريالية على تأهيل حافظ الأسد في ستينات القرن الماضي للهيمنة الكاملة على السلطة في سورية عام 1970 ،وتوريثها من بعده لولده بشار، إنما يدخل ـ بتقديرنا ـ في إطار هذه العملية الاستعمارية الخبيثة التي ينفذونها في سوريا ، ذلك أن هذه العائلة الأسدية ممثلة بالأب والإبن ، قد أثبتت عملياً وعلى مدى نصف قرن من الحكم قدرتها وبكفاءة عالية على تنفيذ السياسة الإمبريالية في المنطقة العربية وخاصة السياسة المتعلقة بمهادنة الكيان الصهيوني (تمهيداً للاعترا ف به والتطبيع معه ) ، وبمحاربة التيارين : القومي والإسلامي في سورية . وبموجب رؤيتنا الشخصية ، فإن سياسة حزب العدالة والتنمية الديموقراطية والإسلامية في تركيا لا يجمعها جامع موضوعي مع سياسة نظام عائلة الأسد الديكتاتوري والطائفي في سوريا ، بالرغم من بعض المظاهر السياسية التي طفت على سطح الأحداث في المنطقة مؤخراً والتي حملت معطيات جديدة في العلاقات بين مثلث تركيا إيران موسكو ، وإمكانية انعكاس هذه العلاقات على موقف هذه الدول الثلاث من الصراع بين النظام المدعوم من روسيا وإيران ، والمعارضة المدعومة من تركيا .
لا يجهل الكاتب - بطبيعة الحال - مايقرره عادة بعض " المحللين الاستراتيجيين !!" الذين كثيراً مايظهرون على صفحات الجرائد و/ أو الفضائيات ، من أسبقية المصالح على المبادئ في السياسة الدولية المعاصرة . إن ما نعتقده نحن في هذا الموضوع ( والله أعلم ) أن المصالح والمبادئ توأم متلاصق يصعب فصله لانظرياً ولا عملياً ، لأنه عبارة عن جسدين بروح واحدة . وبالتالي فإن سياسة " إما ... وإما " قد لاتكون مصيبة ولا صحيحة في هذا المقام .
.
إن تمسك حكومة العدالة والتنمية بمبادئها وقيمها الوطنية والإسلامية ، لا يلزمها ـ وفق رؤيتنا ـ أن تتخلى عن مصالحها ، ولا سيما الاقتصادية منها ، سواء مع روسيا أو مع إيران والعكس بالعكس . ولعل جوابنا ب " لا " على السؤال المطروح أعلاه ( هل ستغير تركيا موقفها من دعم الثورة السورية ؟ ) إنما يدخل في إطار هذا التصور للدور الإيجابي المبدئي الذي لعبه ( وربما سيلعبه ) حزب العدالة والتنمية في دعم ثورة الربيع العربي السورية ، بغض النظر عن بعض التصريحات الظرفية لهذا المسؤول التركي في حكومة و/ أو حزب العدالة والتنمية أو ذاك .
إن لعبة شد الحبل بين تركيا وإيران على الأرض السورية ، هي واقع الحال لعبة غير متكافئة ذلك أن الدور الإيراني هو دور طائفي ، مؤيد ومسنود من الدول الاستعمارية الكبرى ( أمريكا وروسيا بصورة أساسية ) ومن بعض الأقليات العربية والسورية ، والذين تلتقي مصالحهم جميعا في ـ على مانرى ـ محاربة كل من العروبة والإسلام ، سواء تحت مسمىً " محاربة الإرهاب " ، أو تحت أي مسمى آخر تختزنه بنوك معلوماتهم .
إن الإرهاب ظاهرة اجتماعية عيانية سلبية ومدانة بدون شك ، وآخر ماشاهدناه من سلبياتها هو التفجير الإنتحاري يوم أمس الأول في تركيا ، والذي زاد عدد ضحياه عن الخمسين مواطناً تركياً بريئاً. ولكن لابد من الإشارة هنا إلى وجود إرهاب آخر غير إرهاب داعش هو " إرهاب الدولة " ، إرهاب من قسّم و يقسّم هؤلاء الإرهابيين إلى سنة وشيعة ، وعرب وكرد ويمدهم بالمال والسلاح ، بل ويمد بعضهم بالإضافة إلى المال والسلاح بالحماية الإعلامية والعسكرية (!!) .
.
نعم إنها مؤامرة مكتملة الأركان والشروط ضد العروبة والإسلام وإن لعبة شد الحبل بين إيران وتركيا في سوريا هي واقعياً لعبة الصراع بين الحق والباطل ، وليس في تصورنا أن بمقدور الباطل ، الذي يمثله نظام ولاية الفقيه في طهران ، يمكنه أن ينتصر على الحق ، الذي يمثله نظام حزب العدالة والتنمية ، مهما تنوعت عمائم وعباءات أصحابه ، ومهما تنوعت طائرات ودبابابات أنصاره ، ومهما ازداد عدد قواته أتباعه ، ومهما كان عدد وإمكانات جنرالاته .
لقد قامت حكومة حيدر العبادي الطائفية يوم أمس ، بإعدام 36 " محكوماً بالإعدام !!" من قبل قضاة أتباع ولي الفقيه في طهران الذين يعلقون فوق رؤوسهم لوحة " العدل أساس الملك " المكتوبة باللغة الرسمية لدولة العبادي ( اللغة العربية ) ، والتي ربما لايستطيع قضاته الطائفيين قراءتها بهذه اللغة .
ومع كل هذا ، بل وبالرغم من كل هذا ، فإننا نقول لإخوتنا في الدين والإنسانية في طهران ( إنما المؤمنون إخوة ): الحق أحق أن يتبع أيها الإخوة ، والرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل . وإذا كان للباطل جولة ، فإن للحق جولات .
اسحبوا قواتكم هي وقاسم سليماني معها من سوريا ، وأوقفوا تعاونكم مع من يحتل هذا البلد العربي بالاتفاق المخجل والمخزي مع عميلكم وعميلهم بشارالأسد ،ونعني بهم " الروس " . واعلموا أن التاريخ لن يرحم من خان ويخون شعبه ، و أمته ، ودينه ، وأيضاً من ساعده ويساعده على اقتراف هذه الخيانة . فالطائفية صنو الإرهاب ، وحاضنته ، ومرضعته بدماء الأبرياء ،وهما ( الطائفية والإرهاب ) مرفوضان ومدانان من أي وعاء خرجا
↧