يشتم سائق سيارة الأجرة المارّة، إذ إنهّم لا يحترمون قوانين السير بالنسبة إليه. أمّا أحد المارة، فيسبّ سائق شاحنة لأنّه كان يقود بسرعة جنونية أثارت الفزع بينهم. ويتفوّه أحد ركاب الحافلة العمومية بألفاظ بذيئة، وقد شعر باختناق من جرّاء الازدحام الشديد. هذه مشاهد من بين أخرى كثيرة تتكرّر في شوارع المغرب، حتى أصبحت الشتائم والكلام البذيء أمراً شبه اعتيادي، كثيراً ما يتحوّل إلى عنف جسدي.
يخبر محمد الوزاني كيف تحوّل خلاف عادي في البناية التي يقطنها، حول استخدام الأطفال للمصعد، إلى شجار دامٍ استعمل فيه الجيران كلّ السباب والشتائم الممكنة والتي تحطّ من كرامة المرء. ويقول الوزاني لـ "العربي الجديد"، إنّه "كان في الإمكان حلّ المشكلة البسيطة من دون أن ينتهي الأمر بالشتامين لدى الجهات الأمنيّة، بعدما احتدم الأمر ليصل إلى عراك بالأيدي".
والأمر بحسب المتخصّص في العلاج النفسي محمد قجدار، يرتبط بظاهرة اجتماعية متفشية داخل المغرب، "إذ إنّ المغاربة معروفون بسرعة الغضب والانفعال في ما بينهم، ولا يبدون متسامحين إلا مع الغرباء أو السياح الأجانب". يضيف لـ "العربي الجديد" أنّ "اللجوء إلى الكلام النابي والشتائم اللاذعة وسط غضب مستعرّ، هو سلوك نفسي تعويضي. من خلاله، يعوّض صاحب مثل هذه السلوكيات ما ينقص في شخصيته، فيتعدّى على الآخرين إمّا بالضرب والعنف الجسدي أو بالسباب والعنف اللفظي أو بالعنف النفسي المتمثل في الإهانة والاحتقار". ويوضح قجدار أنّ "الفضاءات العمومية المزدحمة، هي أكثر الأماكن التي تشهد مثل تلك الاحتكاكات وتبادل الشتائم، من قبيل المقاهي والحافلات العمومية والشوارع والأبنية السكنية والأسواق. وهذا يدلّ على ضعف في التعايش الاجتماعي بين المواطنين".
من جهته، يشدّد الباحث في العلوم الشرعية والاجتماعية، الدكتور محمد بولوز، على أنّ "القول البذيء والكلام الفاحش والتفنن في الشتائم وسرعة الغضب في شوارعنا وأحيائنا المغربية، مظاهر غير مشرّفة تنقض كلّ الصفات الحسنة والأخلاق الحميدة". يضيف لـ"العربي الجديد" أنّ "ما يحزن حقاً هو ما يصادفه الإنسان من أخلاق سلبية تدين بطريقة صريحة مؤسسات عدّة، من قبيل الأسرة والمدرسة والإعلام". ويوضح بولوز: "ما زلنا بعيدين عن المستوى المقبول من الأخلاق والقيم الحميدة. فساد اللسان وفحش الكلام مؤشران على فساد التصوّرات وخراب العقول والقلوب، وعلى ضعف كبير في التربية والتنشئة الاجتماعية السليمة".
المصدر: العربي الجديد - الرباط ــ حسن الأشرف
↧