Quantcast
Channel: souriyati2 –سوريتي
Viewing all articles
Browse latest Browse all 26683

جغرافيا عسكرية جديدة بعد حلب

$
0
0
جغرافيا عسكرية جديدة بعد حلببسبب مساحتها الكبيرة، وثقلها الديمغرافي، وتعدد مكوناتها الطائفية والأيديولوجية، وموقعها الهام المتاخم لتركيا، وانفتاحها على محافظات ذات قيمة عسكرية كبيرة، ظلت حلب عنوانا للصراع خلال السنوات الماضية. على مدار السنوات الثلاثة الماضية شكلت محافظة حلب عنوانا رئيسا للصراع بين النظام والمعارضة وداعميهما الإقليميين والدوليين. وبسبب مساحتها الكبيرة، وثقلها الديمغرافي، وتعدد مكوناتها الطائفية والأيديولوجية، وموقعها الهام المتاخم لتركيا، وانفتاحها على محافظات ذات قيمة عسكرية كبيرة (اللاذقية، إدلب، حماة، الرقة)، فشل كل طرف في تحقيق السيطرة الكاملة عليها. غير أن هذا الواقع الميداني والفوضى العسكرية التي وسمت المحافظة خلال السنوات الماضية بدأت تلقي بظلالها على سير المعارك في عموم سوريا، أو على الأقل في المناطق الشمالية الغربية والشمالية الوسطى (الرقة)، وبدت تلقي بثقلها أيضا على مسار التسوية السياسية مع استمرار حالة الاشتباك الميداني. لماذا حلب؟ منذ الهدنة العسكرية الأولى بدا أن الولايات المتحدة وروسيا عازمتان على صناعة واقع عسكري جديد لا مكان فيه للفصائل الإسلامية "المتطرفة" خصوصا تلك التي تندرج تحت اسم المعارضة، من أجل تهيئة المناخ لحصر الصراع بين ثنائية النظام/المعارضة العلمانية، وإزالة أو إضعاف القوى الراديكالية تمهيدا للتسوية السياسية وفق الرؤية الروسية الأميركية. لكن هذه المقاربة ظلت بين موسكو وواشنطن محل أخذ ورد أشهرا عدة حتى حسمت الإدارة الأميركية موقفها بعدما فشلت القوى الإقليمية وقوى المعارضة المسلحة في تمييز نفسها عن "جبهة فتح الشام" (النصرة سابقا)، أو دفع الأخيرة إلى التذرر داخل مكونات المعارضة الإسلامية المعتدلة. ولذلك تم التفاهم بين الولايات المتحدة وروسيا على تقويض القوى الإسلامية المتطرفة (تنظيم الدولة، جبهة فتح الشام، جند الأقصى.. إلخ)، في مرحلة أولى مع تعزيز القوى العلمانية السورية، بحيث ينحصر المشهد العسكري في الشمال بين ثلاث قوى (النظام، قوات سوريا الديمقراطية بمكوناتها العربية والكردية، فصائل الجيش الحر)، على أن يترك مصير القوى الإسلامية الأخرى (أحرار الشام، جيش الإسلام وغيرهما) إلى مرحلة أخرى من التفاهمات الأميركية الروسية. لقد بدا واضحا منذ أشهر عبر التفاهمات الأميركية الروسية أن مرحلة الجغرافيا العسكرية المتنوعة يجب أن تنتهي في سوريا، ولا بد من إعادة التموضعات العسكرية بشكل منفصل، وتحييد حلب عن الصراع الإقليمي الدولي، ومن هنا سمح للنظام باسترداد مدينة حلب كقاعدة لفرض وجوده في عموم المحافظة إلى حد ما، مع القبول بأن تتحول محافظة إدلب إلى مستقر للقوى الإسلامية الراديكالية. وكي يتحقق ذلك، لا بد من إنهاء مرحلة الفوضى العسكرية والتشابك الإقليمي الدولي في المحافظة لصالح ستاتيكو عسكري يعكس طبيعة المرحلة المقبلة، فلا تتحمل الولايات المتحدة ولا روسيا بقاء الوضع على ما هو عليه، مع إمكانية أن تتحول المحافظة إلى قاعدة عسكرية لوجستية للفصائل المدعومة إقليميا في مرحلة أولى، قد تتحول بفعل تغيرات ما إلى منطقة آمنة في مرحلة ثانية. بطبيعة الحال، لم يكن بالإمكان حدوث هذا التغير في المشهد العسكري لمدينة حلب دون صفقة دولية ـ إقليمية ـ محلية مشتركة، بمعنى أن سقوط المدينة لم يكن ليحصل بهذا الشكل لولا غياب الدعم الإقليمي (الخلفي) وتحديدا الدعم التركي. صحيح أن القصف الروسي والسوري المكثفين وتماسك جبهة النظام كان لهما دور رئيس في كسب المعركة، لكن ثمة معطيات أخرى لها أهميتها لعبت دورا في وصول الأمر إلى ما هو عليه. فقد بدا واضحا منذ السماح لتركيا بدخول سوريا عسكريا تحت عنوان "درع الفرات" أن ثمة صفقة عقدت مع أنقرة تقوم الأخيرة بموجبها بخفض مستوى سقفها السياسي في سوريا وترك مدينة حلب للروس والنظام، مقابل الحصول على حصة جغرافية تحمي أمنها القومي وتحول دون تحقيق الأكراد لأي تواصل جغرافي غرب الفرات ومن ثم بين ضفتي الفرات. وترتب على هذه الصفقة غير المعلنة موافقة فصائل معارضة أهمها (أحرار الشام، فيلق الشام، نور الدين الزنكي) على إرسال مقاتليها للمشاركة في عملية "درع الفرات"، فضلا عن إرسال تركيا لواء "فتح حلب" إلى درعا، الأمر الذي أضعف القدرة القتالية للفصائل في حلب. توازى ذلك مع إرسال بعض هذه القوى للعديد من مقاتليها إلى محافظة حماة للمشاركة في المعارك التي أطلقها "جند الأقصى في وقت بدت حلب أحوج إلى هؤلاء المقاتلين. هذا المتغير أحدث شرخا بين فصائل المعارضة داخل مدينة حلب، حيث حدثت معارك جانبية بين هذه الفصائل، كقيام جبهة "فتح الشام" بشن هجمات على "جيش الإسلام" و "فيلق الشام"، وحدوث شرخ بين "أحرار الشام" وجبهة "فتح الشام" بشأن عملية "درع الفرات"، فضلا عن الخلافات الحادة بين "حركة نور الدين الزنكي" و "تجمع فاستقم".   خيارات المعارضة لا شك أن خسارة المعارضة لمدينة حلب أدت إلى خسارة إمكانية التحرك على الأرض ما سينعكس على أدائها العسكري. ومع خسارة مدينة حلب، خسرت فصائل المعارضة التواصل الجغرافي بين ريفيها الشمالي والجنوبي، وستجد فصائل المعارضة نفسها مضطرة إلى تغيير أسلوبها وتكتيكها القتالي، في ظل غطاء جوي ناري مستمر لا قدرة عليه، وفي ظل الأعداد الهائلة من المقاتلين الشيعة القادمين من العراق وإيران وباكستان.   مرحلة قضم الأراضي لصالح المعارضة بدت في خواتيمها في ظل الواقع المذكور، وخياراتها تبدو محدودة للغاية: ـ الذهاب نحو محافظة إدلب، وهي الخطة التي يسعى النظام إلى تحقيقها من أجل حصر المقاتلين فيها بحيث يصبحوا في موقع الدفاع لا الهجوم، لكن مخاطر التوجه إلى إدلب تعني تحول المحافظة إلى غيتو عسكري معزولة عن التأثير الخارجي، ولا تستطيع إحداث الفرق، باستثناء بعض المناطق التي لن يكون لها أي تأثير مهم. تحول المحافظة إلى قلعة لفصائل المعارضة قد يحميهم في المرحلة المقبلة، لكنه بالمقابل يفقدهم المبادرة، وسيصبح مصير المحافظة بيد القوة العسكرية المؤثرة في الخارج (النظام وحلفائه)، ولن يمضي وقت طويل حتى يبدأ النظام وروسيا بالهجوم على المحافظة بعد اكتمال الطوق والحصار حولها. ـ التوجه إلى مناطق سيطرة "درع الفرات"، وبعض المقاتلين فعلا ذهبوا إلى هناك، لكن مخاطر التوجه إلى هذه المناطق تكمن في فقدان التأثير، لأن عملية "درع الفرات" محددة بسقوف جغرافية لا تستطيع تخطيها، ولن تكون قاعدة انطلاق ضد النظام وفق التفاهمات الروسية ـ التركية ـ الأميركية. ـ التوجه إلى محافظة درعا، لكن مشكلة التوجه إلى هناك أنه لا يوجد قرار دولي بفتح معركة الجنوب، فقد تحولت المحافظة منذ أكثر من عام إلى ما يشبه الستاتيكو العسكري. أغلب الظن أنه لم يعد أمام فصائل المعارضة سوى التمترس في إدلب، مع جعل ريف حلب الجنوبي وريف حماة الشمالي امتدادا جغرافيا وعسكريا لإدلب بحيث يتحولان إلى ساحة صراع يمكن التأثير فيهما من الناحية العسكرية وليس من الناحية الجغرافية. فبالنسبة إلى حماة، لم تكن في يوم من الأيام هدفا عسكريا لكل الأطراف بسبب انفتاحها على محافظات عديدة، ولا يستطيع أحد السيطرة عليها في الوقت الراهن، ووظيفتها كانت وما زالت أنها ساحة للمناوشات العسكرية، وبالنسبة لريف حلب الجنوبي، فقد بينت الأحداث خلال الأعوام الماضية صعوبة سيطرة المعارضة عليه بسبب مساحته الكبيرة وانفتاحه على مناطق سيطرة النظام وتنظيم الدولة في الوقت ذاته. خيارات النظام تشكل حلب أهمية كبرى لطرفي الصراع، ليس فقط من الناحية المعنوية، كونها المدينة التي شكلت الساحة الأكثر عنفا في الصراع، وأرّقت النظام عدة سنوات، بل لأن السيطرة عليها تشكل مقدمة للسيطرة على الريف الحلبي الكبير. لا شك أن ما بعد حلب لن يكون مثل قبلها على الصعيد العسكري، فسيطرة النظام على هذه المدينة الكبيرة يعتبر نقطة تحول عسكري مهم في عموم المحافظة، حيث تشكل المدينة جبهة أمامية وخلفية معا لمن يسيطر عليها، وتصبح منطلقا سهلا نحو الأرياف الأربعة للمحافظة، في وقت تصبح المدينة قاعدة رجوع وحماية خلفية أمام أي هجوم طارئ ومفاجئ. ومن شأن السيطرة على المدينة أن تمنح النظام الفرصة لتوسيع خياراته العسكرية في عدة جبهات (الباب، ريف حلب الجنوبي، الرقة، ريف حماة الشمالي، وربما محافظة إدلب)، ولذلك يحاول النظام وحلفاؤه تصوير الانتصار العسكري هذا بأنه الانتصار الأبرز والأهم، وأن له تداعيات على مجمل الساحة السورية. بطبيعة الحال، سيمنح انتصار حلب للنظام القدرة على التحرك في أماكن أخرى، قد تكون في محيط دمشق (دوما) أو نحو إدلب في مرحلة متقدمة، لكن أولوية النظام الآن هي استكمال ترتيب المشهد العسكري في محافظة حلب. وسيكون ريف حلب الجنوبي أحد أهم عناوين الصراع مع أجزاء من محافظة إدلب في محاولة لدفع فصائل المعارضة للتراجع نحو محافظة إدلب، والحيلولة دون تحويل هذه المنطقة إلى حرب عصابات (كر وفر). كما أن انتصار حلب قد يسمح للنظام إن حصل على موافقة روسية بالمشاركة في تحرير محافظة الرقة واستكمال ما بدأه منذ أشهر حين وصل إلى طريق الطبقة، المدخل الجنوبي الغربي لمحافظة الرقة. وفضلا عن ذلك، قد يتجه النظام بعيد هذه التطورات إلى الجنوب نحو درعا لاستكمال ما بدأه منذ عام، والسيطرة على بعض المواقع الهامة لقطع الطريق على أي محاولة مستقبلية لفتح معركة الجنوب. مرحلة ما بعد حلب تشكل مقدمة لتغييرات عسكرية كبيرة في سوريا تطيح بالمعادلة التي ظلت قائمة طوال السنوات الماضية (غياب الحسم العسكري لطرفي الصراع)، لكن المدى الذي ستصل إليه هذه التغيرات يظل غامضا إلى الآن بانتظار وصول الرئيس الأميركي إلى سدة الحكم. حسين عبد العزيز المصدر: الجزيرة نت

Viewing all articles
Browse latest Browse all 26683

Trending Articles



<script src="https://jsc.adskeeper.com/r/s/rssing.com.1596347.js" async> </script>