من يتحمل اليوم مسؤولية ما وصل إليه الوضع في حلب؟
هناك جهات دولية عدة تتحمل المسؤولية. حلب تمثل الظلم والقهر والقتل وإسالة الدماء في سوريا. الأمور ستكون أسوأ في المنطقة إذ سقط ميثاق الأمم المتحدة، فلا هذا الميثاق ولا هذه المنظمة استطاعا ردع حاكم عن قتل شعبه. الوضع سيئ ومؤلم. أمنت الدول الداعمة للنظام السوري استعادة حلب في وقت غاب هذا الدعم عن المعارضة، ما أدى إلى تقوقعها في الأحياء الشرقية، وسرعان ما فاوضت للخروج الآمن لها وللمدنيين منها.
لم تقدم الدول الكبرى، والولايات المتحدة أولها، مساعدة حقيقية سوى التأسف. تتحمل الولايات المتحدة المسؤولية، فعندما أقدم الأسد على استخدام السلاح الكيميائي لقتل مئات السوريين، قرر الرئيس الأميركي ضرب النظام في سوريا وحرك حاملات الطائرات إلى البحر الأبيض المتوسط، فاتصلت به روسيا وتوصلت معه إلى اتفاق قضى بتلف الغاز الكيميائي. اكدت واشنطن خلال سنوات النزاع السوري أن لا مكان لبشار الأسد في سوريا وفي السلطة، وفي هذه الأثناء أعلن الرئيس الأميركي وقف العملية العسكرية، ما أدى إلى طمأنة الأسد ودفعه إلى زيادة القتل والتدمير.
بشار لعبة روسيا وإيران
هل يتكامل الدوران الروسي والإيراني في سوريا؟
كلا، هناك اختلاف بين الإستراتيجيتين الروسية والإيرانية واستراتيجية بشار الأسد. إنه لعبة تستخدمها روسيا وإيران. ركزت إيران منذ الثورة الإسلامية على إثارة المذهب الشيعي عند الشيعة لتستخدمهم في المناطق ذات الأغلبية الشيعية. من هنا أتت نشأة حزب الله والأحزاب في العراق التي ترتبط بإيران. فهدفها نشر المذهب الشيعي وتغيير البنية الوطنية والقومية والدينية في سوريا. في عهد الرئيس حافظ الأسد، جاء وفد إيراني إلى الساحل السوري وحاول أن يُقنع الشيوخ العلويين بأن ينضموا إلى المذهب الشيعي الموجود في إيران، فرفضوا. توجه هذا الوفد إلى زيارة الرئيس الأسد وعرضوا عليه الأمر فما كان منه إلا أن اتصل بوزير خارجيته وطلب منه أن يقول للسفير الأيراني إن على هؤلاء المشايخ الإيرانيين مغادرة سوريا في غضون أربع وعشرين ساعة. لكن، في عهد بشار الأسد تبدلت الأمور لأنه اتهم في جريمة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، ولم يلق سوى إيران للإحتماء بها. استفادت الجمهورية الإسلامية من تحالفها مع النظام في سوريا لإيصال الأسلحة والمشايخ والمال إلى حزب الله في لبنان، ولذلك الأهداف الإيرانية مختلفة عن الروسية وربما يأتي وقت يندلع فيه صدام بين روسيا وإيران في سوريا.
ما أهداف روسيا في سوريا؟
أهداف روسيا في سوريا استراتيجية، فالقيادة الروسية تريد أن يتوسع نفوذُها في الشرق الأوسط وأن تكون دمشق مركزًا لتوسيع علاقاتها. والعملية العسكرية التي قام بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تتعارض مع هذا الهدف، لذلك ربما يأتي وقت قريب يتغير الإتجاه الروسي ويتراجع عن إستخدام القوة التي تنفر الشعب السوري من روسيا التي كانت من أهم حلفاء دمشق في عهد الإتحاد السوفياتي سابقًا، إذ كسب الإتحاد السوفياتي سوريا ومصر والعراق بتقديم المساعدات العسكرية والاقتصادية والسياسية، وبالتالي كانت سوريا صديقًا حميمًا للإتحاد السوفياتي. لكن، بكل صراحة، سوريا في العهد السوفياتي كانت مرتاحة والرئيس الروسي فلاديمير بوتين يتطلع أبعد من سوريا. فهو يسعى إلى إستعادة القوة الدولية والموقف الدولي اتجاه العالم، ولاحت له الفرصة لتحقيق ذلك من خلال سياسة الرئيس باراك أوباما. اجتمعت قبل انشقاقي مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ودار بيننا حديث جيد. شعرت انه رجل يُمكن أن نتعاون معه على غرار مرحلة الإتحاد السوفياتي.
مجموعات استنزاف لا جيوش
تقع حلب في ما بات يعرف بمصطلح سوريا المفيدة التي تربط دمشق بحلب مرورًا بحمص واللاذقية. في معركة حلب هل ارتكبت المعارضة أخطاءً كلفتها المدينة؟
تتحمل المعارضة السورية مسؤولية أساسية. عوضًا عن التوحد نرى عشرين منظمة معارضة. سبق أن ارسلتُ رسالة إلى المجلس الوطني المعارض وأخرى للإئتلاف قلت فيهما إن التفرق يُسهل الهزيمة والتوحد يجلب النصر والمساعدات، وإلا كيف يُمكن محاربة نظام يملك 350 ألف مقاتل وطائرات حربية. أخطأت المعارضة السورية. كان عليها عدم تشكيل جيش وإنما مجموعات تستنزف النظام. لكن مع الأسف لم يحدث ذلك. كي نصل إلى نظام ديمقراطي في سوريا يجب أن يكون هناك أناس ديمقراطيون، والإفتراق لا يخدم الوطن. لذلك تتحمل المعارضة قسمًا من مسؤولية خسارة حلب.
ما المتغيرات التي ربما نشهدها في سوريا بعد حلب؟
تغيّرت الصورة في سوريا. فقدت المعارضة قدرتها وبالتالي صارت المسألة أصعب من قبل بالنسبة إلى الشعب السوري، وبصورة خاصة بعد دخول روسيا في المعركة. على السوريين، خصوصًا العقلاء بينهم والمؤمنين بحق سوريا بالحرية والعدالة والمساواة، أن يجدوا طريقًا آخر للخلاص، والطريق الذي يمكن أن يسقط النظام ويخرج إيران وروسيا من سوريا وتعود العلاقات الطبيعية بين الشعب السوري والدول الأخرى. ما معناه، على السوريين كسب ود العالم من دون أن يخسروا، لأن المشكلة الأساسية التي يواجهها الشعب السوري هي النظام وجرائم النظام واضيفت مشكلة أخرى. فتحت عنوان حماية الأسد، دخلت إيران وروسيا المعركة، روسيا تستخدم كل أسلحتها الأساسية ما عدا الأسلحة المدمرة، وهذا يكلف كثيرًا في وقت يعيش فيه الإقتصاد الروسي تراجعًا، لكن بوتين لم يدخل الحرب في سوريا ليستخدم اسلحته ضد الشعب السوري من أجل بشار الأسد. تتحمل الولايات المتحدة المسؤولية كاملة. كانت تركيا حليفتها لكن عندما تحرك المتطرفون الأكراد قدمت الولايات المتحدة سلاحًا لهم وصار هذا السلاح مرفوعًا بوجه تركيا.
elaph
↧