ربما يكون مفاجئا للجميع إذا قلنا بأن ضباط وجنود الأسد هم الأكثر تضررا وامتعاضا من التواجد العسكري الروسي في البلاد، حيث يسود الشعور بين كبار الضباط وخاصة القادة منهم والأمراء من رتبة مقدم وما فوق بأنهم أصبحوا مجرد مراسلين أو مستخدمين تحت أمرة الضباط والمستشارين بل وحتى المجندين الروس.
في كل تشكيل مقاتل ومؤسسة إدارية صار لروسيا عناصر بصفة استشاريين، يروي الضباط السوريون فيما بينهم ولعائلاتهم وحتى لجيرانهم أحيانا عن حجم حنقهم وامتعاضهم من الفوقية التي يتعاملون بها معهم، ليس ذلك فحسب، وإنما وزارة الدفاع السورية تعاملهم على أنهم مدعوون من فئة (VIP) يقيمون في غرف فندقية ويتم تسخير الطباخين وعمال النظافة لخدمتهم على مدار الساعة، بينما هناك تعليمات مطلقة للضباط السوريين لتلبية كل ما يحتاجه الروس وعدم الاعتراض على أي شيء.
عقيد مضى على خدمته في الجيش أكثر من 30 عاما يتكلم بحرقة وهو يقول: لم يبق من بعض الضباط الروس إلا أن يطلبوا مني أن ألمع حذائي وأن أحلق ذقني، إنهم ينظرون إلينا وكأننا مجندين تحت إمرتهم، بل إنهم يضحكون ويسخرون منا: على الرغم من عدم معرفتي باللغة الروسية لكن تصرفات بعضهم وضحكاته الساخرة تفضح نظرتهم نحو ضباطنا وجنودنا.
فيما يروي مقدم في سلاح المدفعية يرافقه ضباط من روسيا كيف ينهره المستشار الروسي إذا ما أخطأت المدفعية إحداثياتها في معركة ما، بل هو متأكد بأنه يكيل له الشتائم التي لا يستطيع ترجمتها ولكنها واضحة أنها شتائم.
ولدى سؤاله عن ردة فعله إزاء هذه الإهانات قال المقدم: جميع الأوامر والتعليمات تكبلنا تماما من أي ردة فعل، فأنا لا أعلم إذا ماكنت سأنقاد إلى محكمة عسكرية بتهمة الخيانة العظمى وتعريض العلاقات الروسية السورية للخطر في حال طلبت من الضابط أو العنصر الروسي أن لا يهينني.
ويتحدث قائد ميداني شارك في معارك تدمر ضد داعش أن الفرقة الروسية التي كانت متواجدة بالقرب من المعارك لم تحتك مع جنودنا أثناء فترات الاستراحة، يرفضون أن يشاركوننا كأس الشاي والطعام وحتى الماء، يعاملوننا "بقرف" لهم طعامهم المغلف الذي كان يأتيهم من المطبخ المخصص في قاعدة حميميم، أو تلك العلب التي تأتي من روسيا فيها أنواع الطعام والحلويات الروسية، بينما يتجمع جنودنا بانتظار "البيضة والرغيف" لسد جوعه الذي قد يكون مضى عليه يوم أو يومان.
فيما يعلق صف ضابط على كلام القائد الميداني بأن تلك الظروف في تدمر جعلته يشعر أنه إنسان من الدرجة العاشرة حين التمس بشكا جلي تلك العنصرية الروسية في التعامل معه ومع زملائه.
الأمر ذاته ينسحب على الضباط والمستشارين الإيرانيين وعناصر حزب ولكن بشكل أكثر فظاظة، هنا قد تلتمس من أي عنصر أو ضابط سوري ذلك الامتعاض الكبير من الهيمنة الإيرانية التي تجاوزت كل الحدود.
وقد تمثل ذلك بسخرية عناصر الحرس الثوري وعناصر حزب الله اللبناني من الجيش السوري في حلب قبل أشهر قليلة خلال معارك الريف الشمالي وفك الحصار عن نبل والزهراء، عندما علقوا باستهزاء على احتفالات الجنود السوريين "بالانتصار" بقولهم (انتو شو دخلكم بالانتصار- انتو بتجو بتعفشو وبس – هاد فتح مبين لحزب الله وإيران)
يقول أحد الإعلاميين الذي رافق الجيش في إحدى معاركه كمراسل حربي : إنه كاد أن يبكي مرارا وهو يرى كيف يتعامل عناصر حزب الله مع الجنود والضباط السوريين بفوقية غريبة.
وكان أكثر تلك المشاهد إيلاما هو تحويل جندي سوري خلال فترات الاستراحة إلى مهرج مستغلين طيبته وخفة ظله وعفويته، فيطلبون منه مايثير ضحكهم من رقص وغناء والحديث عن ماجرى معه من قصص خلال المعارك في سنواتها الأولى، فيضحكون كما لو أنهم ثملين وهم يسمعون حديثه عن لحظة هروب الضباط والعناصر من معركة ما، بل ويطلبون منه تفاصيل أكثر عن شكل الضباط المرافقين لهم لحظة الهرب وكل مايجعلهم يغرقون في ضحكهم ولهوهم أكثر وأكثر.
يتابع الإعلامي قائلا : أنا لم أشعر بحياتي بهذه الإهانة، رأيت بعيني كيف صار ضباطنا دمية بيد هؤلاء الذين تتجلى العنصرية في تصرفاتهم، هم لا يثقون بخطط جيشنا وضباطنا، يتعاملون معها باستهزاء تام.
هو احتلال روسي إيراني بمعنى الكلمة ولم يعد ذلك خافيا على أحد، لكن معظم السوريين لن يشعروا بإهانة ذلك الاحتلال لهم بالقدر الذي يشعر فيه عناصر النظام وضباطه الذين يتعاملون معهم بشكل يومي.
قالها عميد متقاعد بحرقة : لقد درست في روسيا وتدربت في روسيا، وتعاملت كثيرا مع المستشارين الروس الذين كانوا في بعض مفاصل الجيش وقطعاته كفنيين مسؤولين عن بعض أنواع السلاح وسلاح الجو، لقد كانوا ينظرون إلينا سابقا على أننا جيش محترف، ويحترمون سمعة ضباطنا الذين يحصلون على درجات عالية من كلياتهم العسكرية ويتفوقون في الدورات التدريبية عن غيرهم من الضباط العرب والأجانب.
يتابع حديثه: اليوم باتت سمعتنا في الحضيض. لقد حولتنا قيادتنا إلى خدم للروس والإيرانيين، وأحمد الله أنني تقاعدت قبل أن تأتينا الأوامر من ضابط إيراني لا يعلم من التكتيك العسكري إلا سياسة التطهير والأرض المحروقة بدوافع وخلفيات عقائدية وطائفية، فهو يرى كل من على الأرض التي يهاجمها عدو.
نعم هذا هو التكتيك العسكري الإيراني الذين يريدون من ضباطنا وجنودنا أن تنفذه وتسكت، وإلا فإن ذلك يعتبر عصيانا عسكريا يستوجب أشد العقوبات.
قيس الدمشقي- أخبار الآن
↧