يستعد العالم بمختلف شعوبه وأجناسه لاستقبال العام الميلادي الجديد، ويترافق ذلك الحدث العالمي مع ذكرى دينية مهمة لأكثر من 2 مليار مسيحي، هي ذكري ميلاد السيد المسيح.
في هذا المقال نتناول بعض أهم النقاط الخلافية المرتبطة بميلاد المسيح، بدايةً بتحديد اليوم الذي ولد فيه، ونهايةً بالمعجزات التي ارتبطت بحادثة الميلاد، مروراً بالأسماء المختلفة التي عُرف بها المسيح.
الاختلاف في تحديد يوم الميلاد
من المعروف أن المسيحيين الأوائل لم يحتفلوا بيوم ميلاد المسيح، ولم يعرفوا بدقة اليوم الذي ولد فيه. لكن منذ مجمع نيقية عام 325، تم الاتفاق على اعتبار يوم 29 كيهك في التقويم القبطي، الموافق لـ25 ديسمبر في التقويم اليولياني اليوم الذي ولد فيه المسيح. والسبب أن ذلك اليوم يشهد أطول ليلة وأقصر نهار في العام كله، وبعده يزداد النهار ويقصر الليل، فلما كان ميلاد المسيح يحمل إشارة بظهور النور وزيادته في الأرض كما ورد في إنجيل يوحنا، فقد اعتبر أنه ولد في ذلك اليوم.
ظل المسيحيون بجميع طوائفهم يحتفلون بذلك اليوم، ويعتبرونه يوم ميلاد مخلصهم، حتى عام 1582، عندما لاحظ البابا غريغوري الثالث عشر أن يوم 25 ديسمبر لم يعد أطول أيام الليل في العام. وعندما تم البحث في تلك المسألة، اكتشف الفلكيون أن السبب يعود لوجود خطأ في حساب السنة اليوليانية، إذ كانت السنة تحسب بمقدار 365 يوماً وست ساعات، ما يخالف الحقيقة، لأن الأرض تكمل دورتها حول الشمس مرة كل 365 يوماً و5 ساعات و48 دقيقة و46 ثانية.
ما معنى ذلك؟
معنى ذلك أن السنة القديمة (التقويم اليولياني) كانت مخطئة بـ11 دقيقة و14 ثانية.
وارتأى البابا تصحيح هذا الخطأ، فحذف 10 أيام من التقويم القديم، ليتدارك مجموع الخطأ الناتج على مدار الفترة الممتدة من 325 إلى 1582. كما أمر بحذف ثلاثة أيام كل 400 عام، ليتم تفادي هذا الخطأ في المستقبل. وعُرفت تلك التعديلات الجديدة باسم التقويم الغريغوري.
أدت تلك التعديلات إلى وجود تقويمين زمنيين معمول بهما، الأول هو التقويم اليولياني، الذي يشهد الاحتفال بميلاد المسيح في 25 ديسمبر، والثاني هو التقويم الغريغوري (المُعدل)، الذي يشهد الاحتفال بميلاد المسيح في 7 يناير.
تختلف الكنائس المسيحية في موعد احتفالها بالميلاد، بحسب التقويم الذي ترجع له.
فالكنيسة الأرثوذكسية القبطية في مصر تحتفل في 7 يناير متبعة في ذلك التقويم الغريغوري، ومثلها الكنيسة السريانية والكنيسة الأثيوبية، أما عموم الكنائس الكاثوليكية، وغالبية الكنائس البروتستانتية، وعدد من الكنائس الأرثوذكسية الأخرى، مثل الروسية واليونانية، فتحتفل بميلاد المسيح في 25 ديسمبر.
الاختلاف في اسم المسيح
عُرف السيد المسيح بعدد كبير من الأسماء والألقاب، وأشهر تلك الأسماء هو اسم المسيح أو الماشيح أو المسيا، وهو اسم يهودي عبراني الأصل، كان يشير إلى ملك أو كاهن أُدخل إلى هذا المركز رسمياً عن طريق مسح رأسه بالزيت المقدس.
ويؤكد الحاخام اليهودي روبن فايرستون في كتابه "ذرية إبراهيم" أن اليهود كانوا يعتقدون أن أحد أبناء داود الملك، سيظهر ويحررهم من الظلم والجور الواقعين تحته، وسيقيم ملكاً عظيماً، وأنه تم تخليد تلك الفكرة في التلمود والمدراش.
ولما كان الدينان المسيحي والإسلامي يعتقدان بأن "ابن مريم" هو نفسه ذلك الموعود الذي بشرت به كتب اليهود المقدسة، فخلعا عليه لقب المسيح، فعُرف عند الفريقين بـ"المسيح عيسى بن مريم"، بينما رفض اليهود تسميته بذلك اللقب.
الاسم الثاني للمسيح هو يسوع الناصري، وهي تسمية معروفة ومستخدمة عند كل من اليهود والمسيحيين، بينما لا يتقبلها المسلمون.
وقد وردت تسمية المسيح بيسوع في الكثير من المقاطع في العهد الجديد، منها ما ورد في إنجيل لوقا "وها أنت ستحبلين وتلدين ابناً وتسمينه يسوع هذا يكون عظيماً وابن العلي يدعى".
كلمة يسوع مشتقة أصلاً من كلمة يشوع، التي تسمى بها عدد من شخصيات العهد القديم مثل يشوع بن نون خليفة موسى في قيادة بني إسرائيل.
ويشوع هي الكلمة الناتجة من إضافة مقطعين، هما "يهوه" التي تشير إلى اسم إله بني إسرائيل، و"شع"، هو فعل يعني يخلص، معنى ذلك أن كلمة يشوع أو يسوع هي "الله المخلص".
ومن يسوع جاءت كلمة "إيسوس" في اللغة اليونانية، التي انتقلت بعد ذلك إلى العديد من اللغات الأوروبية الحديثة عبر اللغة اللاتينية.
أما الناصري، فهي نسبة مكانية إلى مدينة الناصرة، التي ولد فيها المسيح، والناصرة هي إحدى المدن التاريخية في فلسطين، تقع في منطقة الجليل وتبعد عن القدس ما يقرب من 105 كيلومترات.
أما التسمية الثالثة فهي "عمانوئيل"، وهي كلمة عبرية تعني "الله معنا"، وقد وردت في العهد القديم في سفر اشعيا، في سياق جدال ما بين النبي اشعيا وأحاز ملك يهوذا. إذ بشر اشعيا أنه سيأتي اليوم الذي تلد فيه العذراء طفلاً يُعرف بعمانوئيل.
وبعد وقوع تلك الحادثة بما يقترب من 750 عاماً، ولد السيد المسيح، فاعتبر المسيحيون أنه هو المقصود من تلك البشارة، وأنه هو نفسه عمانوئيل المذكور في سفر اشعيا.
أما الاسم الرابع للمسيح فهو عيسى، ولا يستخدم ذلك الاسم سوى المسلمين. فورد تعريف المسيح به في الكثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية.
وهناك اختلاف حول أصول هذا الاسم، يرى بعض المسيحيين، ومنهم القمص عبد المسيح بسيط أبو الخير في كتابه "مميزات المسيح في جميع الكتب" أن كلمة عيسى ليست سوى صيغة محرفة ومعدلة من كلمة يسوع.
الاختلاف في المعجزات التي ارتبطت بميلاد المسيح
من أهم المعجزات التي ارتبطت بقصة ميلاد المسيح، هي المعجزة المعروفة بـ"نجم المجوس"، وتحكي أن عدداً من الفلكيين والمنجمين قد تبعوا نجماً معيناً في السماء لفترة طويلة، حتى استقر ذلك النجم في نهاية المطاف عند موضع معين في بيت لحم، وهو ذلك الموضع الذي كان فيه مولد السيد المسيح.
وقد وردت تلك القصة بشكل مقتضب في إنجيل متى، ونلاحظ أن ذلك تسبب في وقوع المفسرين المسيحيين في الكثير من الاختلافات، عندما حاولوا تفسيرها، فبعضهم رجح أن عدد هؤلاء المنجمين كان 12، بينما رأى غالبية المفسرين أن عددهم ثلاثة فقط، وكذلك أوردت بعض الأقوال أن الثلاثة كانوا من جنسيات مختلفة، بينما أصرت الآراء الرسمية التقليدية على اعتبار أن ثلاثتهم من المجوس الفرس.
كل تلك الاختلافات أدت إلى أن بعض الباحثين المعاصرين اعتقدوا أن هذه القصة مجرد قصة رمزية، ولم تحدث بشكل تاريخي حقيقي.
أما المعجزة الأكثر جدلاً وارتباطاً بميلاد المسيح، فهي معجزة "الكلام في المهد"، شهدت تلك المعجزة خلافاً حاداً بين أصحاب الديانات التوحيدية الثلاث. فبعضها يرفضها رفضاً مطلقاً، والبعض الآخر يصدقها ويعتقد بصحتها.
إذا ما رجعنا للديانة اليهودية، لنبحث عن ذكر تلك المعجزة، فلن نستطيع أن نجد أي أحداث أو وقائع تتناولها، أو تشير إليها من قريب أو بعيد. وقد يكون ذلك منطقياً إلى حد كبير، لأن اليهود لم يعترفوا أصلاً بعيسى بن مريم، ولم يتقبلوا أن يكون هو نفسه "المسيا المنتظر".
وفي الديانة المسيحية، هناك اتفاق ضمني مع اليهودية على السكوت عن التأريخ لتلك المعجزة، رغم الاختلاف الشاسع بين الديانتين في ما يخص الاعتقاد بكون عيسى هو المسيا المختار.
لو بحثنا في كتب العهد الجديد والأناجيل المعترف بها، وكتابات آباء الكنيسة، لن نجد أي ذكر لمسألة كلام المسيح في مهده، وهو أمر يثير الكثير من علامات الاستفهام والتعجب، خصوصاً أن السياق العام للفكر الكتابي المسيحي يؤيد إتيان المسيح للمعجزات.
ولكن في الوقت نفسه، وعلى الجانب الآخر، نجد أن بعض الأناجيل المنحولة التي لم تعترف بها الكنائس المسيحية، والتي تعرف باسم "الأبو كريفا" تذكر بوضوح مسألة كلام المسيح في مهده. ومن تلك الأناجيل "إنجيل الطفولة العربي"، أحد أناجيل الطفولة التي تتناول طفولة المسيح وهروبه مع أمه ويوسف النجار إلى مصر، والأحداث والمعجزات التي تمت في هذه الفترة. ويُرجع البعض تاريخ وضع هذا الإنجيل إلى القرن السادس الميلادي.
وقد جاء في بدايات هذا الإنجيل ذكر تكلم المسيح في المهد، فورد في كتاب رئيس الكهنة يوسف في زمن يسوع المسيح، ويدعوه البعض قيافا يقول إن يسوع تكلَّم حين كان موضوعاً في مزوده، وقال لأٌمه السيدة مريم: "أنا الذي ولدته، أنا يسوع، ابن الله، الكلمة، كما أعلن لك الملاك جبرائيل، وأبي أرسلني لخلاص العالم".
ويفسر القمص عبد المسيح بسيط أبو الخير ورود تلك المعجزة وغيرها من المعجزات في الأناجيل المنحولة، بما ينقله في كتابه المهم "كتاب أبوكريفا العهد الجديد"، بأن كتبة ومؤلفي هذه الأناجيل كانوا مسيحيين متأثرين بالغنوصية، أرادوا أن يقدموا سيرة للمسيح تتفق مع أفكارهم الغنوصية، التي هي خليط من عقائد وفلسفات وأساطير وخرافات شتى: يهودية ومسيحية وفارسية ويونانية ورومانية... أرادوا أن يحيطوا المسيح حتى في طفولته بهالة من القداسة والمعجزات فأخذوا ينسجون حوله معجزات غريبة فجة.
وإذا انتقلنا للبحث عن تلك المسألة في الدين الإسلامي، وجدنا أن الأمر يختلف بشكل كامل، فمعجزة كلام المسيح في المهد مذكورة في القرآن بشكل جلي وصريح، ولا سبيل إلى إنكاره أو التشكيك فيه. ورد تفصيل أحداث تلك القصة الإعجازية في سورة مريم، في سياق تبرئة السيدة العذراء من التهم التي ألصقها بها قومها.
كما أن هناك الكثير من الأحاديث النبوية التي أقرت تلك المسألة بكل وضوح، وفي الوقت نفسه، تؤكد جميع التفاسير والمصادر الإسلامية وقوع تلك المعجزة.
المصدر موقع رصيف 22
↧