يمضي عام آخر والسوريون واليمنيون يتساقطون في حربين دمويتين. لا أمل يلوح في الأفق. ما كشفه عام 2016 هو احتمال التوصل الى هدنة في اليمن في اللعام المقبل. أما بالنسبة لسوريا فإن روسيا مصممة على إبقاء الأسد في السلطة.
على مدار الأشهر الماضية، قامت الطائرات السورية والروسية بتدمير جيوب المعارضة في شرق حلب كما لقي المزيد من المواطنين هناك حتفهم. لم يتوقف القصف ليلاً أو نهاراً وبقيت الجثث ملقاة في الشوارع لأيام، حيث لم تعد هناك أمكنة في المقبرات.
اليوم عاد العلم السوري ليرفرف على كامل المدينة. ولا يعود السبب في ذلك إلى نجاح دبلوماسيين في العديد من الجولات التفاوضية في جنيف عام 2016 لإيجاد حل سلمي في سوريا التي مزقتها الحرب، كما لا يعود السبب إلى وجود توافق داخل مجلس الأمن الدولي بشأن قرار ما، أو إلى قدرة الأطراف المتحاربة للتوصل إلى هدنة. السبب في عودة العلم السوري ليرفرف هناك هو أن الرئيس السوري بشار الأسد وحلفائه الروس والإيرانيين تمكنوا من خلال القصف الجوي والحصار على إجبار فصائل المعارضة المختلفة على الركوع والاستسلام. الأسد وحلفاؤه لم يفرقوا بين المعارضة المسلحة والمدنيين في حربهم واسترتيجيات التجويع. "لا فرق بين إيران وروسيا في هذه النقطة"، كما يقول غيدو شتاينبيرغ من "المعهد الألماني للدراسات السياسية والأمنية". الجيش السوري يحتفي بالسيطرة على حلب كـ"نقطة تحول استراتيجي" في الحرب ضد الإرهاب. ولكن وفي نفس الوقت يصف النظام السوري كل المجموعات التي تقاتله بالإرهابيين.
إدلب بعد حلب؟
غدت حلب تقريباً رمزاً للحرب المشتعلة في سوريا على مدى حوالي ست سنوات. في عام 2012 انقست المدينة إلى قسم غربي يسيطر عليه الأسد وحلفاؤه، وآخر شرقي تسيطر عليه المعارضة بمختلف فصائلها، المعتدلة والإسلامية والإرهابية.
وقد أظهرت حلب عيوب السياسة الغربية، وخصوصاً عيوب الولايات المتحدة وحلفائها، والتي لم تدعم الجماعات المعتدلة بشكل مستمر. "السيطرة على حلب يشكل نجاحا كبيرا لنظام الأسد وحلفائه الإيرانيين والروس"، كما يقول غونتر ماير من "مركز أبحاث العالم العربي" في جامعة ماينز. غير أن الحرب بالوكالة لم تضع أوزارها بعد، فإيران وروسيا وتركيا والسعودية والتحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية تشن حرباً ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" الإرهابي.
"ستنتقل المعركة إلى إدلب"، كما يرى غونتر ماير. في السنة الفائتة تم ترحيل الآلاف من قوات المعارضة المسلحة إلى إدلب في شمال غرب سوريا، والتي أضحت واحدة من آخر معاقلهم في سوريا. غونتر ماير على قناعة أن النظام سيستعيد السيطرة على إدلب من خلال نهج نفس الإستراتيجية في الحصار والتجويع التي اتبعها في حلب. وسيتسنى للنظام تحقيق ذلك فقط في حال استمرار الدعم المقدم له حتى الآن. "المعضلة الكبرى التي تواجه الدولة السورية هي وجود نقص في العنصر البشري"، حسب غيدو شتاينبيرغ. لكنه يوضح أن "النظام أستطاع حتى الآن تعويض هذا النقص من خلال روسيا وإيران والميلشيات العراقية واللبنانية".
روسيا تهب لنجدة النظام
إعادة سيطرة تنظيم "داعش" الإرهابي المفاجئة على مدينة تدمر الأثرية أظهرت مدى ضعف جيش الرئيس بشار الأسد، حيث إن قوات الأسد كانت تسيطر على المنطقة قبل عودة التنظيم الإرهابي إليها. "بمساعدات ضخمة يستطيع النظام السوري حماية مناطق حكمه الأساسية (سوريا المفيدة)، أما أكثر من ذلك فليس بمقدوره فعل أي شيء"، حسب مراسل القناة الأولى للتلفزيون الألماني فولكر شفينك في تصريح خاص بـDW.
بعد انخراط روسيا في القصف الجوي منذ سبتمبر/أيلول 2015 وإرسال إيران آلاف المقاتلين والمعدات بدا الأسد وللمرة الأولى قوياً في تلك الحرب. "الروس مستعدون للمضي قدماً، فقد أظهر لنا عام 2016 أنهم مصممون على إبقاء الأسد في السلطة. وسيبقى الأمر على هذه الحال عام 2017"، على حد تعبير الخبير غيدو شتاينبيرغ.
وعلى الرغم من أن الأسد لا يسيطر سوى على ثلث مساحة البلد، فإن تلك المناطق تضم أكبرالتجمعات السكنية في البلاد بما يقارب الثلثين من عدد سكان سوريا. علاوة على ذلك يتركز معظم اقتصاد سوريا في المناطق التي يسيطر عليها نظام الأسد، كما يسيطر على سواحل سوريا المطلة على البحر الأبيض المتوسط، في حين ليس للمعارضة أي ممر إلى البحر.
"نهاية داعش مسألة وقت"
"سيشهد العديد من المناطق في سوريا صراعات جديدة"، يقول الخبير في شؤون الشرق الأوسط فولكر شفينك. ويورد شفينك العديد من الأمثلة على ذلك، مثل المناطق الكردية في شمال وشمال شرق سوريا والمناطق التي يسيطرعليها تنظيم "داعش" الإرهابي. وحسب تقديرات مركز دراسات بريطاني فقد تقلصت المساحة التي يسيطر عليها داعش من 90800 كيلومتر مربع في عام 2015 إلى 68300 في خريف عام 2016.
ويعتقد فولكر شفينك أنه مع استمرار الهجمات على الرقة، أو ما تُدعى بعاصمة الخلافة، وعلى الموصل، أهم معقل للتنظيم من حيث عدد السكان، فإن نهاية التنظيم الإرهابي هي مسألة وقت فقط، بيّد أن فقدان المناطق التي يسيطر عليها التنظيم لا يعني بحال من الأحوال نهاية التنظيم الإرهابي. ويعتقد شفينك أن مقاتلي "داعش" سيتراجعون إلى المناطق السنية وسيواصلون مستقبلا العمل السري في الخفاء.
"داعش" يفتح جبهات في أوروبا
لقد فتح تنظيم "الدولة الإسلامية" الإرهابي جبهات جديدة، إذ أنه "نفذ العديد من الهجمات في أوروبا وأصبح له مواطئ قدم إقليمية في كل من مصر وليبيا، الأمر الذي سيؤدي إلى انتشار (تحركات التنظيم) عالميا وعلى أوسع نطاق"، كما يرى الخبير شتاينبيرغ.
وعبر الخبير عن قناعته التامة أن فصائل المعارضة على مختلف انتمائتها ستشن هجمات ضد النظام في كل أنحاء سوريا. أي أنها ستبقى قوة يحسب لها حساب، وملاحظا أن مدى قوتها يرتبط بمدى استمرار وجود الدعم الأمريكي والسعودي والتركي لها.
نار الحرب تأكل أفقر دولة عربية
في اليمن، انخرطت السعودية في حرب ثانية بالوكالة في المنطقة. السعودية تقاتل اليوم بشكل مباشر في تلك المنطقة التي اندلع فيها الصراع على إثر مظاهرات جماهيرية كبيرة في خضم انتفاضات الربيع العربي. ولقد رأت السعودية في الدعم الإيراني للحوثيين اعتداء على المصالح السعودية في اليمن. وكان الحوثيون قد طردوا حكومة عبد ربه منصور هادي من العاصمة صنعاء عام 2014. وفي مارس/آذار عام 2015 انطلقت الغارات الجوية السعودية ضد الحوثيين.
كان من المتوقع أن تكون حرباً قصيرةً، إلا أنها تحولت لحرب لا أفق لها ولكارثة في أفقر دولة عربية. لقد لقي الآلاف حتفهم على يد أطراف الصراع. حوالي 21 مليون يمني من أصل 26 مليوناً نسمة، وهو العدد الكلي لسكان اليمن، في حاجة لمساعدات إغاثية عاجلة. في آب/أغسطس من عام 2016 دمرت المقاتلات السعودية الجسر الرئيسي في ميناء الحديدة، قاطعةً بذلك الطريق الرئيسي لإمداد صنعاء بالمواد الإغاثية. وحسب تقديرات اليونيسف، يموت طفل كل عشر دقائق في اليمن بسبب سوء التغذية. "المجاعة في اليمن من تبعات الأزمة الاقتصادية. المواد الغذائية متوفرة، غير أنه ليس للناس المال الكافي لدفع ثمن الطعام"، كما يقول مراسل القناة الأولى في التلفزيون الألماني، فولكر شفينك، الذي عاش لفترة قصيرة في اليمن. " الحرب تزيد الوضع سوءا. كما فقد الناس الأمل في التوصل إلى حلول سلمية. ثم إن الفراغ الذي تتركه السلطة في عدة مناطق يمنح تنظيم "داعش" الإرهابي موطئ قدم جديد. ومن المعروف أن القاعدة حاضرة في اليمن منذ زمن بعيد.
في سوريا على السلام السلام
الولايات المتحدة تدعم السعودية في حربها في اليمن، لأن أمريكا لا تريد إغضاب السعودية بشكل أكبر بعد إبرامها الصفقة النووية مع إيران، العدو الرئيسي للسعودية في المنطقة. غير أن الحرب تكلف السعودية مبالغ مالية هائلة. وكانت مصر قد رفضت أن تشارك السعودية في حربها في اليمن، وهو أحد الأسباب التي أدت إلى تصدع علاقات الصداقة بين مصر والسعودية.
من جهة أخرى لا تزال إيران تقاتل إلى جانب الحوثيين في اليمن، في حين لم يعد للسعودية أهداف هناك يمكن قصفها، لأنها قصفت كل ما يمكن قصفه، حسب مراسل القناة الأولى في التلفزيون الألماني الذي يرى أن الحرب لا يمكن كسبها بالغارات الجوية. وقد يتم التوصل في العام القادم إلى وقف لإطلاق النار لهذه الحرب العبثية، كما يعتقد غونتر ماير من "مركز أبحاث العالم العربي" بجامعة ماينز. أما عن سوريا؟ فلا تلوح في الأفق أية مبادرة تشير إلى وقف إطلاق النار.
ديانا هويدلي/ خ.س
المصدر: دويتشه فيله
↧