ليس ثمة غرابة في قلب طاولات الأمس الاقتصادية، بواقع التحولات السياسية الجديدة التي تشهدها المنطقة، فعدو الأمس بات حليفاً أو محايداً، وثمة خطط لزيادة حجم التبادل اليوم مع الجار المعاقب أمس.
وليس من المحال، بواقع الاختلاط السياسي، أن ينسحب الحال على سورية، السبب والمسبب ربما، لتلك المخاضات التي حتى اليوم، يبدو التكهن بشكل الجنين المقبل، أقرب إلى التنجيم، منه إلى الواقع المفتوح على غير احتمال، بواقع النأي الأميركي عن غلال المنطقة واقتسام كعكة خرابها.
قصارى القول: في واقع التبدلات المتسارعة اليوم وما يلوح بأفق الغد من تكتلات وبناء علاقات اقتصادية، تقفز على أسباب ترديها، لا يبدو مستبعداً أن تطلق عملية إعمار سورية، وإن عبر مراحل ومناطق، تقسّم بحسب الأمر الواقع وسطوة كل طرف على الأرض، لتتكفل إيران وروسيا بما يسمى بسورية المفيدة، وتترك حصة لتركيا ضمن ما يسمى المنطقة الآمنة، وتدخل ربما أطراف لم تك يوماً بالحسبان، ممن كانوا يسمون أصدقاء الشعب السوري، بمن فيهم الأشقاء العرب، ليثبّتوا النفوذ على الأرض، وإن عبر المشاركة بالتمويل، إن اعتبرنا أن كعكة دمار سورية ليست من الإغراء، ما يسيل لها لعاب الجميع.
ولعل ما بدأ على الأرض أخيراً، من دخول القوات التركية لطرد تنظيم الدولة (داعش) من جرابلس، وما يمكن أن يليه من مباركة أميركية للخطوة، خلال زيارة نائب الرئيس بادين لأنقرة اليوم، وما زامنه من زيارة رجال أعمال سوريين مغتربين الأسبوع الفائت لمناطق سيطرة نظام الأسد، ليساهموا بدورهم بسورية المفيدة.
وما سبقه من عقود لموسكو وطهران، كان آخرها عقد تصدير الفوسفات ومشغل خليوي ثالث، قبل أيام، إنما سيسرّع من خطط إعادة الإعمار، بمناطق محددة على الأقل، ريثما تصل ثورة السوريين لقاعها، ويتم الإجهاز على أحلامهم بالحرية والكرامة والعدالة باقتسام الثروة، وإن عبر تعادل سلبي، يبقى خلالها الأسد الوريث لمرحلة انتقالية، في لعبة راح ضحيتها أكثر من نصف مليون قتيل ونحو 13 مليون مهجّر ومهاجر، ونيف و250 مليار دولار خسائر الحرب.
نهاية القول: أوجاع السوريين أكبر وأكثر من أن تختصر بكلمات، وربما خيبتهم بعدم تحقيق حلمهم بالانتقال لدولة ديمقراطية يشعر أهلوها بالمواطنة والعدالة الاجتماعية، لا يحيطه وصف وتوصيف، بعد تغليب قوة الأطراف المتدخلة وركن حقوق السوريين إلى خارج أسوار الملعب الذي ستجري عليه مباراة ترسيم المصالح.
وإن أرجأنا عن البحث كل ما له علاقة بتهديم الصناعة والمنشآت النفطية وتدهور الزراعة وشلل السياحة والتجارة الخارجية وخراب البنى والهياكل، من منطلق إمكانية الاستعادة بواقع توافق الأطراف على إعادة الإعمار، وقفزنا على خسارة سورية لشبابها وعقولها، أيضاً على أمل عودتهم بعد بدء التعافي وسريان الحياة بلا موت ودورة عجلة الاقتصاد.
فهل لنا تناسي واقع المعوقين ومصابي الحرب التي شنها الأسد منذ آذار/ مارس 2011 على السوريين لمطالبتهم بحقهم الاقتصادي والاجتماعي والسياسي.
ليس من إحصاءات رسمية سورية عن عدد المعوّقين بالبلاد، بيد أن الهيئة العامة للطب الشرعي أشارت نهاية العام الفائت، إلى وجود مليون ونصف المليون معاق، ممن فقدوا أحد أعضائهم.
أو هل يستوي البحث دون التطرق لوجود 80 ألف طفل سوري مشلول جراء الحرب، وفق إحصائية مركز بحوث الدراسات و5 ملايين طفل سوري بحاجة لعناية عاجلة.
لن تبلسم السياسة جراح الاقتصاد، أياً بلغت سخونة الخطابات وتعالت نبرات أصحاب المصالح، لأن الحرب أتت أولاً وأخيراً على الإنسان السوري، وهو حامل التنمية والاستثمار الأجدى، وبغيابه تتخبط التنمية، أو تعرج، على أقل تقدير، كما حال سورية بوجود مهجريها ومعاقيها، وبقاء قاتل حلم السوريين بالنمو والتنمية.
المصدر: العربي الجديد - عدنان عبد الرزاق
↧