من أجل مكافحة الإرهاب خصصت برلين خطا هاتفيا "ساخنا" لاستقبال مكالمات من السكان للإبلاغ عن شكوكهم بشأن وجود إرهابيين. وعلى الجانب الآخر من الخط يجلس أيضا شخص يجيد العربية. فكيف تسير الفكرة؟ وكيف ينظر إليها عرب في برلين؟
أبو سامي الفلسطيني كهل خمسيني يعيش في برلين منذ ما يزيد عن ثلاثة عقود. وإلى جانب عمله في أحد المحلات التجارية، يقوم بإمامة المصلين في مسجد بحي "ليشتنرادى". ويُعَّدُ أبو سامي من القلائل، الذين لديهم علم بـ"الخط التليفوني الساخن"، الذي توفره حكومة برلين للناطقين بلغة الضاد للاستشارة أو الابلاغ عن الحالات المريبة من أجل الكشف عن الإرهاب.
ويقول أبو سامي: "أرى أن هذه الخدمة هامة جدا من أجل الاستشعار قبل الأوان بعمليات إرهابية محتملة في برلين أو خارجها." ويلمح الرجل بهذه الكلمات إلى العملية الإرهابية، التي وقعت في أحد أسواق عيد الميلاد في قلب العاصمة برلين، واستخدمت فيها شاحنة ضخمة "ولم تكن في الحسبان"، كما يقول.
الخط للإبلاغ والاستفسار أيضا
وبخصوص تعامله مع "الخط الساخن" قال لنا هذا الإمام: "نحن هنا في مسجدنا على علم بهذا الخط الساخن باللغة العربية. وكانت هناك حوارات حول مدى فعاليته والأبعاد السلبية أو الإيجابية، التي قد يسببها للمسلمين، لكن في آخر الأمر رحبنا به جميعا."
الترحيب بالخط الساخن، من قبل رواد مسجد حي "ليشتنرادى" وعلى رأسهم أبو سامي، غايته الأساسية هي محاربة أعداء الإسلام والتصدي لتشويه سمعة المسلمين، ناهيك عن قتل الأبرياء من المدنين، كما يرى أبو سامي، الذي تحدث معنا وكله حسرة عما وقع في مدينة برلين المسالمة، المتعددة الثقافات والأعراق. ويرى هذا الأخير أنه من الضرورة بمكان مكافحة الإرهاب، تلك الآفة الخطيرة، مؤكدا على أن الخط الساخن خطوة صحيحة على كل عربي استغلالها من أجل أمن المجتمع.
رياض (اسم مستعار) رجل أردني الأصل، في مقتبل العمر وصاحب محل تجاري في برلين. قص علينا في حديثنا معه تجربته الإيجابية مع الخط الساخن. لقد سبق له أن تخاطب هاتفيا باللغة العربية. وكما ذكر لنا كان من بين أسئلته: "كيف لي أن أتعرف على إرهابي، سواء أكان داعشيا أو يمينيا متطرفا؟ وما هي مواصفات الإرهابي السلفي واليميني المعادي للأجانب؟ وما هي المعلومات التي يجب الإبلاغ عنها في حينها؟"
محمد العثماني، شخص من أصل عربي ينشط في المجتمع المدني في برلين، التقيناه في ساحة برايتشايد، حيث دهست شاحنة زوار سوق عيد الميلاد فقتلت 12 شخصا. ويرحب العثماني بفكرة الخط الساخن ويقول: "لو وصلت، قبل وقوع عملية الدهس، معلومات عن أنيس عامري، المشبته به في تنفيذها؛ لأنقذنا أرواح هؤلاء الضحايا."
كان محمد العثماني يتحدث معنا حول مخاطر الإرهاب ويشير بيده إلى أكاليل الزهور والشموع، التي لا تعد ولا تحصى، المتواجدة في مكان الحادث. ورغم أن العثماني لم يتعامل بعد مع الخط الهاتفي إلا أنه يرحب بهذه الخدمة باللغة العربية، داعياً المواطنين ذوي الأصول العربية بالتعامل بشكل إيجابي مع هذا الخط الهاتفي، الذي هو في خدمة الجالية العربية وليس ضدها، حسب قوله.
زيارة لمكتب الخط الساخن
الخط التليفوني الساخن الذي وفرته حكومة ولاية برلين يحمل رقم "90129401" ويمكن للمتحدثين بالعربية الابلاغ والاستفسار يوميا من الساعة 9 صباحا لغاية الساعة 3 بعد الظهر، فعلى الخط يجلس شخص يتحدث العربية لتلقي المكالمات. ولمعرفة المزيد حول الموضوع قامت DW عربية بزيارة لمقر مكتب مكافحة الجريمة في حي "تمبلهوف".
حينما دخلنا المقر كان فريدرش إيليكر، من مكتب الخط الساخن، في انتظارنا. لقد كان رجلا طويل القامة قوي البنية يرتدى لباسا مدنيا، واستقبلنا بكل لطف وترحاب. إلا أنه منعنا من أخذ الصور الفوتغرافية بسبب دواعي أمنية صرفة.
شرع المسئول الأمني في تعريفنا بالخدمة الأمنية الوقائية فذكر أن الخط الهاتفي الساخن يلقى ترحيبا من لدن المتحدثين باللغة العربية. وأضاف "هنالك من يريد أن يبلغ عن شخص ما رآه في مكان ما، أو علم بانتمائه لمجموعة أو تنظيم ما." وتابع فريدرش إيليكر "المكالمات الهاتفية لا تقتصر على عملية الإبلاغ عن شخص أو مجموعة ما فقط، بل هناك أيضا من يريد، عبر اتصاله، التعرف على المواصفات الشكلية للإرهابي المتطرف."
هل يتجسس العرب على بعضهم؟
وتطرق المسؤول الأمني في فحوى حديثه إلى نسب المكالمات الهاتفية بالغة العربية حيث قال: "عدد المكالمات يختلف من يوم لآخر، لكن المهم بالنسبة لنا هو الحصول على المعلومات، التي نقوم بدورنا بتقييمها وفحصها وتسليمها إلى مكتب مكافحة الإرهاب."
وأشار إيليكر في مجرى حديثه معنا إلى السرية الكاملة، التي يتم التعامل بها مع كل المتكلمين، ثم تابع يقول بأنهم يتعاملون مع محتوى المكالمات بجدية فائقة، ويحاولون تقديم نصائح وقائية مهنية تساعد كل شخص يريد الدعم في هذا الإطار.
وحينما وجهنا له سؤال هل يمكن اعتبار الخط الساخن باللغة العربية محاولةً لتجسس الجالية العربية على بعضها أجابنا المسئول قائلا: "هذا العمل هو نوع من المراقبة (الذاتية)، لكنه أيضا مهم لمنع وقوع عمليات إرهابية أخرى كالتي وقعت مؤخرا في قلب العاصمة النابض بالحياة."
وأكد لنا المسئول الأمني مرارا وتكرارا على أن هذه الخدمة بلغة الضاد ليست ضد الجالية العربية المسلمة، وإنما هي خدمة تقرب المواطن العربي من الإدارة الألمانية. وذكر لنا أن شخصيات أمنية تشارك في اجتماعات ولقاءات دورية مع نوادٍ ومساجد ومنظمات عربية للتعريف أكثر بخدمة الخط الساخن. وتوج كلامه قائلا: "تجاربنا إلى يومنا هذا إيجابية جدا وتلقى ترحيبا وشكرا من قبل الجالية العربية."
شكري الشابي - برلين
المصدر: دويتشه فيله
↧