لم يزل نظام بشار الأسد، يؤثر على تجاهل أهم رسائل الثورة، بأن السوريين أقلعوا عن استهلاك الخطابات وأكل الهواء، بل وقرروا المضي بثورتهم، رغم كل التخاذل الدولي، حتى ينالوا حقوقهم بتوزيع الثورة والعدالة الاجتماعية، عبر تحسين دخولهم وعيشهم كمواطنين، وليس كرعايا بدولة الأسد الممتدة منذ مطلع سبعينيات القرن الفائت.
بيد أنه وعلى ما يبدو، من ورث شيئاً شاب عليه، وها هي الأرقام النظرية مرة أخرى، تقدم كوجبة للسوريين، طبعاً مع منّة من نظام الممانعة، بأن رقم الدعم الاجتماعي بموازنة عام 2017، هو الأعلى والقياسي، بعد أن بلغت نسبته 70% من حجم الموازنة، بواقع 1870 مليار ليرة، متناسياً -النظام- أن هذا الرقم النظري، هو ذاته وتماماً رقم الدعم الاجتماعي للموازنة السابقة البالغ 973 مليار ليرة، وفق سعر صرف الدولار وليس الليرة، التي تهاوى سعرها بين الموازنتين، من 250 إلى 470 ليرة للدولار.
قصارى القول: فيما إذا تمعّن عاقل بأرقام الدعم الاجتماعي بموازنة حكومة بشار الأسد، فسيرى دونما عناء التمحيص أو التحليل، أن النسبة العظمى من بنود الدعم في الموازنة، تذهب إلى الكهرباء بنحو 417 مليار ليرة وإلى دعم المشتقات النفطية بواقع 177 ملياراً.
وأما إذا بذل العاقل بعض جهد، فسيستنتج أن شركة محروقات قد ربحت خلال النصف الأول من العام المنصرم نحو 160 مليار ليرة، وذلك باعتراف الشركة الحكومية التي تبيع المحروقات التي رفعت حكومة الأسد أسعارها ست مرات خلال الثورة، بأعلى من السعر العالمي وتكاليف الاستيراد، وكذا لجهة رقم دعم الكهرباء المقطوعة لعشرين ساعة يومياً، المتراكم عبر سنوات الحرب جميعها، ولم يخصص للسنة المالية الحالية من أصل 417 مليارا سوى 145 مليار ليرة فقط.
أي وبحسبة بسيطة، سيصل أي عاقل، إلى أن كامل مبلغ دعم الكهرباء والمشتقات النفطية البالغ 1377 مليارا، لا يتعدى ما هو دعم فعلي منه، عن 322 مليارا، منها 145 مليارا للكهرباء و177 مليارا للمشتقات النفطية.
والحال ينسحب على بقية "أكذوبة الدعم" فما قيل عن الدعم التمويني بمبلغ 467 مليار ليرة، موزعة على 398 مليار للطحين وما تبقى للسكر والأرز.
ولئلا نرهق القارئ بالأرقام، يكفي أن نشير إلى أن مبلغ دعم الطحين البالغ 398 مليار ليرة، أي نحو 846 مليون دولار، إنما يكفي لاستيراد نحو 7 ملايين طن قمح وفق الأسعار العالمية، فإن لم تنتج سورية أي كيلو غرام قمح، فتلك الكمية تعادل نحو ضعف الاستهلاك السوري قبل الثورة، أي قبل تهجير نصف السكان وفتح باب التسول للمنظمات الدولية لدعم حكومة الأسد بالطحين.
نهاية القول: ربما يصح قول "اكذب واكذب حتى يصدقوك" من منطق سوسيولوجي، ولكن شريطة أن يكون الكذب أقرب للواقع أو المحتمل أن يكون، فأن تقول حكومة الأسد الرشيدة أن موازنة 2017 البالغة 2660 مليار ليرة سورية هي الأكبر بتاريخ البلاد، وتزيد بنحو 680 ملياراً عن موازنة 2016، دون أن تعي أن هذه الموازنة أقل من موازنة 2010 وفق سعر الدولار الذي لم يزد وقتذاك عن 50 ليرة في حين تعدى 500 ليرة الآن، وتقول أن رقم الدعم الاجتماعي يعادل 70% من حجم الموازنة، والمواطن يعرف أن الأسعار زادت 12 ضعفاً خلال الثورة، بل وتسمسر الحكومة من النفط والقمح وتبيعه بأعلى من السعر العالمي، فوقتذاك يحق للسوريين قلب المقولة لتكون.... لا تحاول الكذب فنحن كاشفوك.
المصدر: العربي الجديد - عدنان عبد الرزاق
↧