لم تكن الإطاحة بالملياردير المصري، نجيب ساويرس، من حزب "المصريين الأحرار"، وليدة اللحظة، إذ خُطط لها منذ فترة بواسطة الدائرة الاستخباراتية - الرقابية للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، عقاباً على مهاجمته سياسات النظام الحاكم الفترة الأخيرة، وسحب أموال استثماراته إلى الخارج بشكل تدريجي، وفق ما تقول مصادر من الحزب.
فساويرس انتقد نظام السيسي مرات عدة، وشبّهه بنظام الرئيس المخلوع، حسني مبارك، بعد قوله في لقاء مُتلفز مطلع يناير/ كانون الثاني 2016، إن "النظام يكسب كل يوم عداء الأصدقاء، ويخصم من رصيد السيسي، في ظل سياسات تكميم الأنفاس"، وإن "الإجراءات البوليسية شلت اقتصاد البلد"، في حوار صحافي في سبتمبر/ أيلول الماضي.
واستمالت دائرة السيسي رئيس الحزب الحالي، عصام خليل، الذي جرى تصعيده من سكرتير الحزب إلى أمينه العام، وصولاً إلى رئاسته في ديسمبر/ كانون الأول 2015، واستطاع بعدها السيطرة على هيئة الحزب العليا، ومكتبه السياسي، وتهميش دور مجلس أمناء الحزب، الذي يقوده ساويرس، بعد استقالة أسامة الغزالي حرب من رئاسته، وفقاً لمصدر قيادي في الحزب.
وأضاف المصدر لـ"العربي الجديد"، أن جبهة خليل دفعت عدداً من قيادات الحزب في المحافظات، من الموالية لساويرس، إلى التقدّم باستقالتها في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، بعد تحجيم دورها، وعزلها عن مراكز صُنع القرار داخل الحزب، وذلك بالتنسيق مع هيئة الحزب في مجلس النواب، بقيادة علاء عابد (ضابط شرطة سابق، سبق اتهامه في قضيتي تعذيب مواطن، واستيلاء على مضبوطات أثرية).
وكشف القيادي في الحزب، الذي تحفّظ على ذكر اسمه، أن قرار التضحية بساويرس صدر من دائرة السيسي، مطلع ديسمبر/ كانون الأول الماضي، بالتنسيق مع نواب "المصريين الأحرار" في البرلمان، الذين سارعوا لإعلان تأييدهم لدعوة خليل بعقد مؤتمر عام للحزب، يوم الجمعة الماضي، لإدخال تعديلات على اللائحة وإلغاء مجلس الأمناء من دون علم ساويرس والأعضاء الموالين له.
وأفاد المصدر بشعور ساويرس بالغضب نتيجة انقلاب برلمانيي الحزب عليه، بعد ضخه مبلغ خمسمائة مليون جنيه (نحو 28 مليون دولار) في الحملة المركزية لمرشحي الحزب في الانتخابات الأخيرة، والتي شملت دفع مبلغ مليون وثلاثمائة ألف جنيه لكل مرشح بمجموع 227 مرشحاً عن الحزب، نجح من بينهم 65 نائباً، ليشكلوا حزب الأكثرية تحت قبة البرلمان.
وكان ساويرس قد وظّف أمواله في استقطاب مرشحين من أحزاب أخرى ومن النواب السابقين لـ"الحزب الوطني" المنحل (الحاكم خلال عهد مبارك)، من خلال إغرائهم بعروض مالية ضخمة، ما دفع عدداً من المرشحين في الانتخابات الأخيرة إلى التقدّم ببلاغات إلى النائب العام، واللجنة العليا للانتخابات بحقه، واتهامه بالرشى الانتخابي للسيطرة على البرلمان.
ودان مجلس أمناء الحزب الذي يقوده ساويرس، في أكثر من بيان له، الدعوة للمؤتمر العام، والتصويت على تعديلات اللائحة من دون أخذ موافقته، استناداً إلى نص المادة 59 من اللائحة الداخلية للحزب، التي تمنح أعضاء المجلس حق حضور اجتماعات المستويات التنظيمية، وعدم إدخال تعديلات على اللائحة إلا بعد موافقة أعضائه. ووصف المجلس انعقاد المؤتمر العام والإطاحة بمجلس ساويرس بـ"الانقلاب غير المشروع"، مُندداً "بزعم من قادوا هذا الانقلاب بالعمل لصالح الدولة، دون إدراك أن مشروع مصر الأساسي يستلزم إتمام التحول الديمقراطي، الذي لا بديل له". وأعلن أعضاء مجلس الأمناء "احتفاظهم بحقهم الكامل في إحباط هذا الانقلاب قانوناً سواء بالطعن أمام محكمة القضاء الإداري، أو عن طريق لجنة شؤون الأحزاب، المنوط بها تصحيح العوار المؤسسي".
فيما كتب ساويرس على حسابه الشخصي بموقع "تويتر"، مساء الجمعة: "لا تأسفن على غدر الزمان، لطالما رقصت على جثث الأسود كلاب... لا تحسبن برقصها تعلو على أسيادها... تبقى الأسود أسوداً، والكلاب كلاب".
وتهرب ساويرس من دفع مبلغ 14 مليار جنيه (نحو 770 مليون دولار) ضرائب مُستحقة على شركاته، خُفضت في ما بعد إلى 7.1 مليارات جنيه في عهد الرئيس المعزول محمد مرسي، إلا أنه امتنع عن سداد ضرائبه المستحقة منذ عزل الجيش للأخير، ولم يُسدد سوى مليارين ونصف المليار جنيه عن شركة "أوراسكوم"، لصالح صندوق "تحيا مصر"، التابع للسيسي، وغير الخاضع لرقابة الجهاز المركزي للمحاسبات.
وسحب ساويرس عدداً من استثماراته الهامة أخيراً، وسارع إلى إخراج أصول أمواله إلى الخارج، بعد بيعه أسهمه في شركة "موبينيل" للاتصالات (الشبكة الأعلى في عدد العملاء)، ونقل ملكيتها إلى شركة "أورانج" الفرنسية، وأعقبها ببيع فضائيتي "أون تي في" و"أون لايف" لصالح رجل الأعمال أحمد أبو هشيمة.
وعزا أمين الإعلام في الحزب، الصحافي نصر القفاص، أسباب الإطاحة بساويرس إلى رفضه نهج الحزب واقتراب الأخير من الدولة المصرية (النظام)، ورغبته في تصنيفه كحزب معارض، فضلاً عن رفض ساويرس لهجوم نواب الحزب على الإعلامي إبراهيم عيسى، وقوله إن من يهاجمه "ليس من حزبه"، وهو ما رفضته الكتلة البرلمانية، ورئيس الحزب.
وتماهت مواقف "المصريين الأحرار" تحت قبة البرلمان كلياً مع مواقف ائتلاف الأغلبية، "دعم مصر"، في موالاة الحكومة، وعدم الاعتراض على أي قرارات أو مشاريع قوانين من جانبها، ما دفع النائب عماد جاد إلى تقديم استقالته من الحزب، الذي فصل في وقت لاحق النائبتين نادية هنري، ومي محمود من عضويته، بدعوى عدم الالتزام الحزبي، وثلاثتهم من المُقربين لساويرس.
المصدر: العربي الجديد - القاهرة ــ العربي الجديد
↧