تشتهر الجزائر بأنها إحدى البلدان العربية التي تعرف انتشارا واسعا للزوايا أو المدارس الدينية الصوفية، ويزيد عددها عن 1600 زاوية، أشهرها زوايا سيدي أحمد التيجاني"، الزاوية البلقايدية، والطريقة القادرية، وسط جدل عن تعاظم دورها السياسي في البلاد.
وللزوايا تاريخ طويل في مجال الحفاظ على الهوية الإسلامية والعربية للشعب الجزائري، ولديها الآن دور سياسي فاعل في مجال التأثير في صانع القرار، حسب الباحث بن علي عبد البصير من جامعة وهران (غرب).
ويقول الباحث في تاريخ الحركات الدينية والمدارس الإسلامية في الجزائر إن "الزوايا تصنف في الجزائر صنفين، زوايا رئيسية وفروع للزوايا، ويبلغ مجموعها نحو 1600 زاوية، حسب وزارة الشؤون الدينية والأوقاف في الجزائر".
تيار سياسي ووفق عبد البصير، فإن "الزوايا في الجزائر هي أكبر بكثير من مجرد مدارس دينية، إنها تيار سياسي قوي جدا، وقادر على التأثير في سير الأحداث داخليا وخارجيا".
ويشير في الوقت نفسه إلى أن الزوايا دائما ترفض الانخراط بشكل مباشر في الحياة السياسية، "إلا أنهم أيضا يقررون دائما موالاة الحكومة القائمة ويطلبون من الشعب دعمها والتصويت لمرشح حزب السلطة القائمة".
ويوضح أنه من أجل هذا تتحالف الزوايا في الجزائر كقوة سياسية مع السلطة القائمة التي تعطي في كل مرة امتيازات جديدة لها، وفق تعبيره، وينوه إلى أن أغلب وزراء الشؤون الدينية في الجزائر جاءوا من الزوايا.
ويشير أستاذ الشريعة الإسلامية محمد حنيون إلى أن الزوايا في الجزائر لها تاريخ طويل يمتد إلى عشرة قرون كاملة، حيث يعود تاريخ إنشاء أقدم الزوايا في الجزائر إلى القرن الـ11 الميلادي، وهي "رباط بونه" في مدينة عنابة شرق العاصمة الجزائرية، وأسسها مروان البوني، واسمه أبو عبد الملك الأندلسي.
ويقول حنيون للأناضول إنه رغم أن الزوايا تتهم في الجزائر بموالاة السلطة القائمة فإنها لعبت الدور الأهم في التاريخ الجزائري.
ويضيف أن الزوايا تعرضت لحرب من السلطات الاستعمارية وصودرت أملاكها ومساجدها، وحولت إلى كنائس، لكنها واصلت تدريس القرآن الكريم واللغة العربية ما أدى إلى إبقاء الشعب الجزائري على إسلامه وعروبته.
تأثير قوي ويقول مصوان العيد أستاذ علم الاجتماع بجامعة مستغانم غربي الجزائر، إن "الزوايا هي إحدى أهم القوى السياسية والاجتماعية في الجزائر ولها تأثير يفوق تأثير الأحزاب السياسية، لأنها قادرة على تغيير نتائج الانتخابات خاصة في المناطق الريفية".
ويضيف للأناضول أن الرئيس الحالي للجزائر عبد العزيز بوتفليقة اعتمد منذ توليه السلطة عام 1999 على "دعم المؤسسة الدينية التقليدية ممثلة في الزوايا".
ونهاية نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي قال مدير ديوان الرئيس الجزائري أحمد أويحيى إن "الزوايا لها دور ريادي كمؤسسات دينية في الحفاظ على الوحدة الوطنية".
وهذه المدارس الدينية التقليدية في الجزائر، كما يقول مصوان العيد، "لعبت دورا بارزا أيضا في مواجهة التطرف والإرهاب أثناء المعارك بين الجيش الجزائري والإسلاميين في تسعينيات القرن الماضي، وقد زاد نفوذها أكثر في هذه المرحلة".
ويقول قويسم زبير، أستاذ الشريعة في جامعة وهران، وأحد معارضي الدور السياسي للزوايا والتوجه العقائدي للطرق الصوفية، إن الزوايا "مارست كثيرا من الانحرافات العقائدية خلال تاريخها".
ويوضح للأناضول أنه رغم الدور الكبير الذي لعبته الزوايا في الحفاظ على الهوية الإسلامية للشعب الجزائري، لم تساند ثورة التحرير بين عامي 1954 و1962 كما يجب، حيث لم تصدر بيانات تأييد من هذه الزوايا، كما يقول.
استغلال ويتهم نور الدين فليان، أستاذ علم الاجتماع بجامعة السوربون، الأنظمة الحاكمة في الجزائر منذ الاستقلال بـ"استغلال" الزوايا سياسيا كوسيلة تعبئة جماهيرية.
ويقول إن اعتماد السلطة على الزوايا مباشرة تزايد بعد تصاعد نفوذ التيار الإسلامي في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي.
ويضيف للأناضول "اليوم تغض الزوايا الطرف عن كثير من أوجه النقص في السلطة القائمة، ولا تمارس أي دور إصلاحي حقيقي، إنها تقدم لطلبة علوم الدين إسلاما جافا لا علاقة له بالعصر".
وفي المقابل، يرى بن عزو عبد القادر، إمام مسجد في مدينة أدرار (1400 كلم جنوب العاصمة الجزائرية) وشيخ زاوية ومدرسة قرآنية، أن أعداء الزوايا "هم مجموعات من أنصار الإسلام السياسي أو الإسلام البعيد عن الاعتدال".
ويؤكد أن الزوايا لعبت طيلة تاريخها "دورا محوريا في الحفاظ على السلم بين أفراد المجتمع الجزائري، وهي لا تتدخل في السياسة انطلاقا من مبدأ طاعة ولي الأمر".
المصدر: الجزيرة نت