تناسى معظم السوريين الجرائم المدنية التي تحدث بعيدا عن ضجيج الحرب اليومية، فقد أصبحت بالنسبة لهم ليست حدثا جللا لكثرة ما فقدوا خلال السنوات الخمس الماضية، وذلك بعد أن كان برنامجهم الإذاعي المفضل المختص بكشف الجرائم هو "حكم العدالة"، لكن هذه الجرائم المدنية لم تتوقف بل اتسعت بين فئة المراهقين في ظل الانفلات الأمني الحالي وكانت "خلود" آخر ضحايا هذه الجرائم.
خلود
انتشرت قصة فتاة تدعى "خلود المنجد"، قتلت في شقتها الكائنة في جرمانا من قبل ثلاث فتيات أكبرهن تبلغ 17 عاما، وفي تفاصيل الجريمة تبين أن الفتيات كنّ يقصدن سرقتها ومن ثم التخلص منها بعدما تحدثت والدة إحداهن عن النعيم الذي تعيش فيه خلود.
بينما تتم عمليات قتل أخرى بهدف الابتزاز المادي الذي يتعرض له أهالي الضحايا، بحسب "آية" التي روت قصة قريبها الذي جاء من الكويت إلى سوريا بقصد التسجيل في الجامعة.
وفي تفاصيل الحادثة، تقول "آية": "في تمام الساعة 12 ركب قريبي سيارة تاكسي ليعود إلى المنزل، وفي حدود الساعة الثانية بعد منتصف الليل تلقى والداه اتصالا هاتفيا يأمرهم بدفع فدية مقدارها 5 ملايين ليرة سورية مقابل الإفراج عن ابنهما، مع تحذيرات بعدم إخبار الشرطة بذلك، إلا أن الأهل سارعوا إلى إخبار الأمن عما حدث ليتلقوا اتصالاً بعد أيام يقضي بوجود جثة في أحد المشافي قد تخصهم، وعليهم التوجه للتعرف عليها ليفاجؤوا بأن صاحب الجثة هو ابنهم".
أما أغرب الجرائم فهي تلك التي تتم بمساعدة أحد عناصر النظام، ومنها قصة سيدة أرسلت زوجها لإحدى الصيدليات بغية إحضار دواء ضروري، لتتلقى العائلة اتصالاً في اليوم الثاني يخبرهم بالعثور على جثته مقتولا، وبمرور الأيام تم الاكتشاف أن الزوجة تآمرت مع أحد العسكريين في المنطقة لقتله والتخلص منه، لتأخذ أملاكه بعد وفاته.
وقصة عبادة ليست بعيدة عما يجري، إذ قام الشاب المقيم في شارع بغداد بسؤال أحد العناصر العسكريين عن محل لتصليح الهواتف المحمولة، ليذهب معه العسكري إلى المحل ويتخلص منه برصاصتين في رأسه، بهدف سرقته ومن ثم رميه في مكان مهجور.
علاء
ولعل النفوذ الأمني للبعض هو المسبب الأكبر لهذه الجرائم، هذا ما أثبتته قصة علاء (17 عاما) وهو من أحد المناطق المناوئة للنظام، إذ قام صديقه في المدرسة وهو ابن أحد المسؤولين بالتخلص منه عن طريق ملاحقته بعدما انتقد علاء ما وصل إليه حال البلد، مشيرا إلى مسؤولية النظام عن ذلك.
وحول هذه الجرائم، قال الأخصائي النفسي والطبيب جمال صبح ل: "في الحقيقة لا نملك إحصائيات تدل على حجم المشكلة بالنظر إلى الأوضاع قبل الثورة، لكن هناك ما يشير فعلا إلى تواتر مقلق حول أعمال عدائية قام بها حتى أطفال ومراهقون بغية الحصول على المال".
واستطرد: "قد تكون هناك فعلا أسباب اقتصادية وراء ذلك، إضافة إلى غياب الآباء الذين يمكن أن يكونوا قدوة للمراهقين في سنوات نموّهم الحرجة، وغياب أجهزة الدولة وتحوّلها إلى تجمّعات أشبه بالعصابات قد تكون جميعها قد ساهمت في بلورة هذه المظاهر وزيادة مشاهدتها".
وأوضح صبح أن "هناك في دمشق عددا هائلا من اللاجئين الذين فقدوا كل ممتلكاتهم وهذا قد زاد الأوضاع سوءا، فضلا عن انقطاع عدد كبير من المراهقين عن التعليم، مع النقص الحاد في الخدمات المقدمة من القطاع التعليمي لأسباب شتى".
وأضاف الأخصائي النفسي أن "المجتمع السوري بات فعلا في هاوية بسبب استمرار الحرب، وأن مظاهر التسليح باتت مألوفة عند المراهقين (والأطفال) بالإضافة إلى استسهال الإتيان بالأعمال العدائية في ظل وجود سلطة عنيفة لها مشاغل أخرى غير حفظ السلام المجتمعي مثل النظام السوري، وتعتبر هذه مؤشرات خطيرة على تفسخ واضح في المجتمع، والأخطر فيما يجري في العاصمة وغيرها من المناطق التي مازالت تحت سيطرة النظام هي ثقافة "تشريع العنف" للحصول على مكاسب سواء سياسية أو غيرها و"استسهال القتل" في سبيل ذلك".
ودعا صبح إلى ضرورة وجود حملات توعية، والرجوع إلى المثل الأخلاقية في التراث والدين والطرائق السلوكية المقبولة مع ضرورة تدخل جمعيات إغاثية للحد من مظاهر الفقر والحرمان والعوز، محذرا من نشأة جيل كامل على ثقافة العنف.
وأشار الدكتور جمال إلى أن التعامل مع هذه الفئة صعب ويحتاج إلى حكمة ومرونة في التعامل فالمراهقون لديهم طاقة هائلة للتجريب والانفتاح على التجارب المثيرة، وللأسف الحرب واستخدام السلاح يعتبر "فرصة" جديرة للحصول على متعة واهمة من السلطة والسطوة لا يمكن الحصول عليها في أوقات السلم.
وختم حديثه: "لا أعلم حجم الظاهرة ومداها سواء في مناطق سيطرة النظام أو الخارجة عن سيطرته، لكن هناك فعلا بعض المشاهدات التي تحدثت عن شيوع أعمال عدائية يقوم بها أطفال ومراهقون للحصول على المال أو حتى لاستعراض القوة، إن لم تنته الحرب أجد صعوبة كبيرة في ضبط ظاهرة "عشوائية السلاح"، رغم وجود بعض المؤشرات الإيجابية على وجود تدخل من قوى أهلية ومحلية مدنية للحد من الظاهرة وتداعياتها".
المصدر: عربي 21
↧