مع استمرار انقطاع المياه عن دمشق يسيطر على سكانها حالة رعب وسط أنباء عن تضاعف عدد الإصابات بالتسمم جراء استخدام مياه ملوثة غير خاضعة للرقابة والتعقيم، حيث يتم تداول منشورات على نطاق واسع عبر وسائل الاتصال من ضمنها الـ«واتساب»، تحذر من تناول الخضراوات وكل ما يحتاج إلى تعقيم في المطاعم والأماكن العامة، وكذلك التأكد من أن المياه المقدمة في المطاعم معقمة وصالحة للشرب.
وقال مصدر إعلامي مستقل في دمشق، إن أحد العاملين في مطعم وسط دمشق تحدث إليه عن قيام بعض المطاعم بجمع عبوات المياه الفارغة لإعادة تعبئتها بمياه صهاريج مجهولة المصدر، غالبًا غير معقمة، حيث تتم إعادة إغلاقها بشكل محكم، وتباع للمستهلكين على أساس أنها نظامية معقمة وغير مغشوشة. وقال الإعلامي، الذي رفض الإفصاح عن اسمه، إنه شاعت تحذيرات بضرورة خرق العبوة أو كسرها بعد فراغها كي لا تعاد تعبئتها.
وعلى الرغم التحذيرات الكثيرة من ارتياد المطاعم إلا أن انقطاع المياه دفع الناس إلى تناول الأطعمة في السوق والأماكن العامة، حيث تنعدم فرص إعداد الطعام في المنازل التي تحتاج إلى الكثير من المياه لتنظيف الخضار، وإعداد الوجبات، وتنظيف الأطباق والأواني.
وأدت أزمة المياه غير المسبوقة التي تعيشها دمشق منذ أسبوعين بعد قصف المصدر الرئيسي للمياه في نبع عين الفيجة، إلى نشوء سوق سوداء تديرها عصابات من متنفذين من المحسوبين على النظام، مستغلين حاجة ستة ملايين نسمة للمياه، حيث ارتفعت بشكل غير مسبوق أسعار عبوات المياه المعدنية التي تكاد تكون المياه الوحيدة المعقمة والآمنة من مياه نبع الشفة، وبلغ سعر العبوة الواحدة (ليتر ونصف الليتر) نحو 300 ليرة سورية (الدولار = نحو 520 ليرة). إلا أن ازدياد الشكاوى أدى إلى قيام حكومة النظام بتسيير دوريات تموين لضبط الأسعار ومنع الاحتكار، ما تسبب بامتناع الباعة عن بيع المياه المعدنية علنًا في محالهم، وراحوا يبيعونها سرًا وبأسعار مضاعفة ما زاد في تفاقم الأزمة. بينما منعت الحكومة أصحاب الصهاريج من بيع المياه داخل العاصمة ما عدا استثناءات المتنفذين، الأمر الذي أدى أيضًا إلى ارتفاع أسعار مياه الاستخدام المنزلي بحسب المناطق، ويقول أحد أصحاب الصهاريج إنه يدفع إتاوات للحواجز تتجاوز 80 ألف ليرة ليصل إلى وسط دمشق وهذا يضيفه إلى سعر المياه، وقد يصل سعر البرميل إلى خمسة عشر ألف ليرة، أما الخزان فيعادل ثمنه راتب موظف سوري.
ويلجأ السكان ممن لا يمكنهم شراء عبوات مياه معدنية إلى تعقيم مياه الصهاريج عن طريق غليها أو استخدام أقراص الكلور المعقمة.
وبحسب مصادر طبية في دمشق فإن حالات التسمم والتهاب المعدة والأمعاء الحاد ازدادت بشكل كبير ومفاجئ منذ تفجر أزمة المياه في دمشق، بسبب تلوث المياه. وحسب تصريح أخصائي الأمراض الهضمية في مشفى ابن النفيس بدمشق لإذاعة «ميلودي إف إم» المحلية، يرد إلى مشفى ابن النفيس يوميًا بين 10 و15 حالة تسمم بعد أن كانت نحو 3 حالات سابقًا، بسبب شرب المياه الملوثة وعدم التأكد من مصدرها.
والمخاوف التي عبرت عنها المصادر الطبية ترافقت مع منشورات تداولها أهالي دمشق عن انتشار مرض مجهول السبب اسمه متلازمة (غيلان باريه)، أو التهاب الأعصاب الحاد المزيل للنخاعين ويتسبب بالشلل وحتى الموت، وذلك بعد ظهور نحو 26 إصابة في محافظة دمشق تم نقلها إلى المشافي الحكومية لتلقي العلاج. ومع أن التقرير لا يربط بين هذا المرض وتلوث المياه، إلا أنه يتم تداوله للتحذير من شرب المياه الملوثة.
ويقول نزار وهو صيدلاني، إن التحذيرات والإشاعات وبث الذعر بين الناس، ترمي إلى خلق بيئة تنشط السوق السوداء، سواء سوق المياه التي ترتفع أسعارها بشكل جائر أو سوق الأدوية والمعقمات، دون أن ينفي صحة ما قيل عن ظهور مرض (غيلان باريه)، وقال إنه يعرف حالتين على الأقل لكنه أشار إلى أن ظهور هذا المرض في سوريا كان في الساحل وريف دمشق ودمشق وقبل تفجر أزمة المياه، كما لفت إلى أن تلوث المياه أمر يحصل وتمكن مواجهته بالتعقيم بأبسط الوسائل، ولا داعي لحالة الذعر التي لا تحل المشكلة، متفقًا مع توصيف الأمم المتحدة لقطع المياه عن دمشق بأنه (جريمة حرب). ويقول: «نعم نحن نتعرض لجريمة حرب قذرة ولا داعي لأن نكون أيضًا ضحايا الابتزاز والإشاعات التي يروجها تجار الحروب».
المصدر: الشرق الأوسط
↧