واصلت تركيا أمس الجمعة لليوم الثالث على التوالي إرسال التعزيزات إلى مناطقها الحدودية مع سوريا لدعم عملية «درع الفرات» التي أطلقتها فجر الأربعاء بالتنسيق مع التحالف الدولي من أجل تطهير مدينة جرابلس السورية ومحيطها من تنظيم داعش الإرهابي. وأرسلت التعزيزات وسط إجراءات أمنية مشددة إلى بلدة كركميش التركية المتاخمة من الشمال لمدينة جرابلس بمحافظة حلب بأقصى شمال سوريا، التي جرى تحريرها من تنظيم داعش في إطار العملية العسكرية نفسها.
مصادر عسكرية تركية ذكرت أن أعدادًا كبيرة من الدبابات والوحدات المدرعة وآليات أخرى، تمركزت في منطقة كركميش فيما تواصل فرق الهلال الأحمر التركي وإدارة الكوارث والطوارئ التابعة لمجلس الوزراء التركي استعداداتها من أجل إدخال المساعدات الإنسانية إلى جرابلس. كذلك قصف الجيش التركي الليلة قبل الماضية مجموعة من المقاتلين من ميليشيا «وحدات حماية الشعب» الكردية جنوبي جرابلس بعد يوم من بدء تركيا أول توغل لها في سوريا بدعم أميركي. وقالت قناة تلفزيون «سي إن إن تورك» إن القصف وقع قرب مدينة منبج، وهي منطقة تسيطر عليها ميليشيا «قوات سوريا الديمقراطية» ذات الغالبية الكردية المتحالفة مع الولايات المتحدة، بعدما لم يأبه المقاتلون لتحذير من القوات التركية. وللعلم، تبعد جرابلس نحو 40 كيلومترًا إلى الشمال من منبج.
من ناحية ثانية، أكد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان ومسؤولون حكوميون كبار أن الهدف من «عملية درع الفرات» هو منع «وحدات حماية الشعب» الكردية من الاستيلاء على أراض وملء الفراغ الذي خلفه تراجع تنظيم داعش، وهو «أمر لا يقل أهمية عن القضاء على التنظيم نفسه».
في الوقت نفسه أصيب جنديان تركيان، جراء سقوط قذيفة مدفعية مصدرها الأراضي السورية على نقطة عسكرية في بلدة ييلاداغي بمحافظة هطاي (الإسكندرونة) بجنوب تركيا أمس الجمعة. وقالت مصادر عسكرية إن قذيفة مدفعية سقطت بالقرب من كتيبة «توبراق توتان» التابعة لقيادة فوج الحدود الثالثة ما أدى إلى إصابة جنديين. وأوضحت المصادر أنه جرى نقل الجنديين إلى مستشفى بمدينة أنطاكية التابعة لهطاي، مشيرا إلى أن حالتهما الصحية جيدة.
في هذه الأثناء، شدد رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم، على أن بلاده ستواصل عملياتها العسكرية على الجانب السوري من الشريط الحدودي في إشارة إلى جرابلس ومحيطها بريف حلب، إلى حين تطهير المنطقة من تنظيم داعش والمنظمات الإرهابية الأخرى. وقال يلدريم في مؤتمر صحافي أمس الجمعة مع نظيره البلغاري بويكو بوريسوف في إسطنبول إنه «لا يمكن لأي منظمة إرهابية أن تأسر الجمهورية التركية». ثم أضاف: «اتخذنا بعض التدابير عند حدودنا الجنوبية لتفادي موجة جديدة من اللجوء ونطهر المنطقة من داعش والعناصر الإرهابية الأخرى كي لا يضطر المدنيون المقيمون فيها إلى النزوح من منازلهم؛ لكن المشكلة بحاجة إلى معالجة بصورة شاملة على المستوى الأوروبي ولحلول فورية».
كذلك كتب يلدريم في تغريدة عبر الحساب الرسمي لرئاسة الوزراء التركية على موقع «تويتر» أن العملية العسكرية التي تنفذها القوات المسلحة التركية، شمال سوريا تهدف إلى تطهير الحدود من جميع المنظمات الإرهابية، وعلى رأسها «داعش». وأضاف يلدريم «ستستمر العمليات لحين التأكد من عدم بقاء أي تهديد، يمكن أن ينطلق من شمال سوريا، باتجاه تركيا. لن يتم السماح أبدا بفرض أمر واقع، شمال سوريا وجنوب تركيا».
ومن جانبه أوضح نائب رئيس الوزراء المتحدث باسم الحكومة التركية نعمان كورتولموش، عبر حسابه على موقع «تويتر»، أن تركيا مصممة على حماية حدودها والحفاظ على أمنها. وأن تحرك تركيا من أجل حماية حدودها، والرد على الهجمات التي تستهدفها، حق مشروع في إطار القانون الدولي.
في الوقت نفسه أكد بيان لرئاسة الهيئة العامة لأركان الجيش التركي على موقعها الإلكتروني أن القوات المسلحة التركية، اتخذت جميع التدابير اللازمة من أجل عدم تعرض المدنيين في المنطقة لأي أضرار، كما أنها تتوخى أعلى درجات الحيطة لتحقيق ذلك. وأوضح البيان أن القوات التركية شرعت بعملية «درع الفرات» للقضاء على التهديد الذي تشكله المنظمات الإرهابية، ولا سيما تنظيم داعش، وزيادة الأمن على الحدود التركية، ودعم قوات التحالف في هذا الإطار.
وتابع البيان، أن العملية الجاري تنفيذها شمالي سوريا، في المناطق التي تخلق تهديدات أمنية على الحدود التركية نتيجة استخدامها من قبل منظمات إرهابية، لا تزال مستمرة في إطار حق تركيا النابع من القانون الدولي، والحق المشروع في الدفاع عن النفس المنصوص عليه في المادة 51 بميثاق الأمم المتحدة، والقرارات التي اتخذتها الأمم المتحدة فيما يخص مكافحة تنظيم داعش. وأضاف: «القوات المسلحة التركية الداعمة لعمليات التحالف الجاري تنفيذها شمالي سوريا، في المناطق التي تخلق تهديدات أمنية على الحدود التركية نتيجة استخدامها من قبل منظمات إرهابية، اتخذت جميع التدابير اللازمة من أجل عدم تعرض المدنيين في المنطقة لأي أضرار، كما أنها تتوخى أعلى درجات الحيطة لتحقيق ذلك».
في السياق نفسه، أعلن رئيس حزب الشعب الجمهوري التركي المعارض كمال كيليتشدار أوغلو تأييد حزبه لعملية «درع الفرات» التي بدأها الجيش التركي ضد تنظيم داعش الإرهابي في مدينة جرابلس السورية. وقال كيليتشدار أوغلو، الذي نجا أول من أمس من هجوم استهدف موكبه في محافظة أرتفين شمال شرقي تركيا: «لقد شعرنا بحزن كبير في مدينة غازي عنتاب بجنوب تركيا؛ فالإرهاب حصد 53 من مواطنينا، أغلبهم من الأطفال، والآن دخل جيشنا إلى جرابلس من أجل تلقين داعش الإرهابي درسًا، نؤيد ونقف وراء هذه العملية حتى النهاية، وندعم جيشنا الباسل». ومعلوم أن مدينة غازي عنتاب شهدت السبت الماضي هجومًا انتحاريا استهدف حفل زفاف؛ ما أسفر عن مقتل 54 شخصا و66 مصابا وقال الرئيس التركي رجب طيب إردوغان إن المؤشرات تؤكد ضلوع تنظيم داعش الإرهابي بالهجوم.
وفي السياق نفسه، قال مسؤول تركي لوكالة الصحافة الفرنسية إن بلاده خططت لعملية عسكرية في سوريا منذ سنتين غير أن عوامل عدة آنذاك حالت دون ذلك، خصوصا الخلافات مع واشنطن. وبالفعل، دخلت دبابات تركية ومئات من عناصر الجيش السوري الحر الأربعاء إلى الأراضي السورية لاستعادة السيطرة على مدينة جرابلس الحدودية وإبعاد الميليشيات الكردية. وأثار توقيت هذه العملية أسئلة كثيرة، إذ أن تنظيم داعش كان يسيطر على جرابلس منذ ثلاث سنوات دون أن يصدر رد فعل عن أنقرة. وقال مسؤول تركي مشترطا عدم الكشف عن اسمه إن الحكومة التركية خططت «لاجتياحها منذ أكثر من سنتين» لكن ذلك «تأخر» بسبب عوامل عدة.
وأشار إلى أن الولايات المتحدة شككت في جدوى خطط تركيا لتحرير جرابلس، قائلا: إن «حجتها الأساسية كانت ببساطة أن أعداد المقاتلين المعتدلين في المعارضة لم تكن كافية لتحرير جرابلس وأجزاء أخرى من شمال سوريا». وأضاف المسؤول أن أنقرة قدمت للبيت الأبيض في مارس (آذار) الماضي لائحة بـ«المقاتلين المعتدلين» وعددهم 1800. فضلا عن 600 عنصر إضافي، يمكنهم تنفيذ العملية. وشدد على أن عناصر من الجيش التركي شاركوا في محاولة الانقلاب ضد الرئيس إردوغان في 15 يوليو (تموز) قاموا أيضا بمنع التدخل العسكري في سوريا. وذكر أن بعضا من كبار الضباط «المؤثرين» في الجيش منعوا ذلك من خلال لجوئهم إلى ادعاءات كاذبة، مشيرا إلى أن الجنرال سميح طرزي كان سببا أساسيا لعرقلة العملية العسكرية التركية. وطرزي هو أحد الذين يشتبه في أنهم نفذوا محاولة الانقلاب وقتل بيد جندي شاب ليل 15 يوليو الماضي. ولفت المسؤول التركي إلى أن الأزمة الدبلوماسية بين أنقرة وموسكو أيضا وضعت حدا لأي عملية تركية في الأجواء السورية كانت ضرورية لدعم العملية البرية. ثم قال: إنه في ذلك الوقت «أصبح من المستحيل عمليا أن ننفذ خطتنا بسبب عدم وجود غطاء جوي».
هذا، واتفق الرئيس التركي رجب طيب إردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين في اتصال هاتفي أمس الجمعة، على تسريع جهود إيصال المساعدات الإنسانية إلى مدينة حلب السورية. وذكرت مصادر برئاسة الجمهورية التركية إن إردوغان وبوتين تناولا العلاقات الثنائية بين البلدين، فضلا عن مناقشة آخر تطورات الوضع السوري ومكافحة الإرهاب وأكدا عزمهما على المضي قدما في تطبيع العلاقات بين البلدين. وأطلع إردوغان الرئيس الروسي على تفاصيل عملية «درع الفرات» وأكدا الأهمية البالغة للتصدي المشترك للتنظيمات الإرهابية، وعلى رأسها تنظيم داعش، لضمان أمن المنطقة. كما اتفق الرئيسان على عقد لقاء خلال قمة العشرين المقرر عقدها يومي 4 و5 سبتمبر (أيلول) المقبل في مدينة هانغتشو الصينية.
ولكن في الوقت نفسه، تأجل لقاء كان سيعقد أمس رئيس هيئة الأركان العامة الروسية فاليري جيراسيموف مع نظيره التركي خلوصي أكار في أنقرة أمس الجمعة إلى موعد لاحق لم يتحدد. وقالت مصادر عسكرية إن اللقاء الذي كان من المقرر أن يجمع فاليري على رأس وفد مع أكار، في مقر هيئة رئاسة الأركان التركية، تأجل إلى موعد لاحق ولم تحدد المصادر الموعد الجديد للقاء، أو أسباب الإرجاء. وكانت العلاقات الروسية التركية، التي كانت قد توترت بسبب إسقاط أنقرة قاذفة روسية في العام الماضي، شهدت تحسنًا عقب زيارة الرئيس التركي إردوغان لروسيا في التاسع من أغسطس (آب) الجاري.
المصدر: الشرق الأوسط
↧