جاء قرار مجلس شورى الدولة، وهو الهيئة القضائية الإدارية العليا المخولة الفصل في نشاط السلطة التنفيذية والهيئات المحلية والمؤسسات الإدارية ذات الطابع المحلي، لينتصر للحريات الأساسية التي يكفلها الدستور الفرنسي مبطلاً القرار الإداري الذي اتخذته بعض مدن الساحل الجنوبي في فرنسا والمتعلّق بحظر "البوركيني" على شواطئها خلال شهري الصيف.
القرار الذي انتظرته وسائل الإعلام المحلية والعالمية لم تنتهِ مفاعيله الآنية، في ظل دعوة بعض السياسيين إلى سن قانون عاجل يحظر "البوركيني" على الشواطئ الفرنسية.
وجاء في القرار الصادر عن مجلس الدولة إنّ "القرار الصادر عن بلدية فيلونوف لوبيه يمثل انتهاكا ومخالفة صريحة للحريات الأساسية التي يكفلها الدستور ويحترمها النظام العام". ويعدّ قرار البطلان إلزاميًا للبلديات التي حظيت بدعم المعسكر اليميني من جمهوريين ويمين متطرّف وشكّلت إحراجاً كبيرًا للاشتراكيين وفريق الرئيس فرانسوا هولاند، خصوصاً بعد التصريحات التي أطلقها رئيس الحكومة مانويل فالس عشية اجتماع مجلس شورى الدولة وعبّر فيها عن دعمه المطلق للمجالس البلدية التي "تحترم النظام العام والعلمانية في فرنسا".
وتعليقاً على القرار، أجرت "لوموند" مقابلة مع المحامي والمشرّع وأستاذ مادة القانون في جامعة ليل جان فيليب دوروسيه، قال فيها إن "الحجج التي قدّمها المجلس دستورية بحتة لذلك فهي تنطبق حتما على القانون أيضا، وعليه بإمكان المجلس الدستوري أن يعارض التشريعات التي من شأنها أن تقوم على نفس الأسس ويبطل مفاعيلها باستثناء تعديل الدستور".
وما إن صدر قرار المجلس ببطلان قرارات البلديات الفرنسية، حتى فتح بعض الإعلام الهواء أمام موجة من السعار الإسلاموفوبي الذي لم يتوقّف عن إعطاء الدروس في ضرورة احترام المؤسسات والتشريعات، ويرفض اعتبار قرار صادر عن أعلى هيئة قضائية إدارية في البلاد ملزماً.
على شاشة BFMTV خرج نائب رئيسة الجبهة الوطنية، ستيف بريوا، معبّرًا عن رفضه لمثل هذا القرار واصفًا إياه بـ"النصر الكبير للإسلاميين"، ليتبعه نيكولا باي، السكرتير العام في الحزب "البوركيني هو الخطوة الأولى وبعد ذلك؟ نمنع الاختلاط وأشياء أخرى. على الشعب الفرنسي أن يظهر رفضه لضغوطات الإسلاميين".
على "تويتر"، عبّر محازبو الجمهوريين واليمين المتطرف عن غضبهم من قرار مجلس الدولة، فرأى ستيفان راڤيه عمدة الدائرة السابعة في مرسيليا، أنّ "السلطات الفرنسية تقدّم هدية تلو الأخرى للإسلاميين الذين يحاولون استغلال مناخ الحريات قدر الإمكان من أجل فرض خياراتهم".
أما زعيمة "الجبهة الوطنية"، مارين لوبان، فقد أصدرت بيانا عبر مكتبها، قالت فيه "مشكلة البوركيني تأتي في جملة سياقات المعارك التي تخوضها فرنسا ضد المهاجرين والأسلمة والشعبوية التي فشلت الحكومات السابقة في التعامل معها".
وذهب جان فرانسوا كوبيه المرشّح للانتخابات التمهيدية في معسكر اليمين للمطالبة بسن قانون ملزم يحظر البوركيني في فرنسا، وشاركه نيكولا دوبون ايغنان، رئيس حزب Debout la France، الرأي مغرّدا "اذا قلنا نعم للبوركيني اليوم سننتهي مع حكم الشريعة غدا".
وحده آلان جيبيه، المرشح الرئاسي الذي يعقد شارع فرنسي عريض آماله عليه لانتشال فرنسا من أزماتها، تمايز عن باقي الأصوات اليمينية، فكتب "لا تستمعوا إلى المتشائمين، لنصنع المستقبل معا.. فخور بأن أكون فرنسيا وبالعيش في فرنسا".
وكان لحظر البوركيني ارتدادات دولية، حيث ظهرت انقسامات بين مؤيد ورافض، وكانت وسائل التواصل الاجتماعي ساحة لهذا الانقسام. وعشية صدور قرار القاضي الفرنسي، كتب الأستاذ الجامعي في بيروت علي مراد، على "فيسبوك" "سيكون على القاضي الإداري أن يجيب مجددا عن السؤال المركزي الذي طبع القضاء الإداري الفرنسي طوال أكثر من ثلاثة قرون: كيف نضمن التوازن بين الحريات العامة والخاصة من جهة وبين احترام النظام العام من جهة أخرى؟ وكيف يمكن للملبس أن يشكل انتهاكا للنظام العام بين المواطنين؟ وفي حالة البوركيني اذا صح قرار المنع، ما هي الضوابط والمعايير التي من شأنها تحديد حدود المنع مكانيًا ونوعياً؟"
المصدر: العربي الجديد
↧