ليس هناك الكثير من المعلومات التي تُوثّق لبداية العلاقة بين رجل الأعمال، سليمان معروف، ونظام الأسد. إلا أنه خلال بحثنا وقعنا على روايتين، الأولى تقول أن بداية المعرفة كانت من لندن عندما كان بشار الأسد يدرس هناك في بداية التسعينيات من القرن الماضي، بينما كان محمود معروف، والد سليمان، رجل أعمال شهير هناك، ويمتلك الكثير من الشركات. وأما الرواية الثانية فتقول بأن سليمان معروف هو ابن أخت محمد ناصيف، الرئيس السابق لفرع الأمن الداخلي والرجل القوي المُقرّب من حافظ الأسد وعائلته، وبالتالي من الطبيعي أن يكون من معارف الأسرة الحاكمة في سوريا.
غير أن سليمان معروف البالغ من العمر اليوم 45 عاماً، كان شاباً يافعاً لم يبلغ العشرين من العمر عندما كان بشار يدرس في بريطانيا..!!
وكذلك المعلومات التي تتحدث عن نشاط لسلميان معروف في سوريا، يعود إلى ما بعد منتصف التسعينيات من القرن الماضي، بحسب ما كتب مرة بسام جعارة، هي معلومات غير دقيقة.. وأغلب الظن أن بداية نشاط سليمان معروف التجاري مع عائلة الأسد يعود إلى ما بعد العام 2005، وهي الفترة التي شهدت بداية الحاجة لرجال أعمال أقوياء يحيطون بالنظام، في أعقاب حدثين مهمين تعرضت لهما المنطقة في تلك الفترة، الأول هو الاحتلال الأمريكي للعراق في العام 2003، والثاني اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري في العام 2005، وما سببهما هذان الحدثان من ضغوطات كبيرة على النظام، دفعته لإقامة تحالف مع طبقة خاصة من رجال الأعمال، ممن يمتلكون سمعة دولية وأعمال خارج سوريا، من أجل تحسين صورة النظام من جهة، وتحسباً لأية عقوبات اقتصادية قد يتعرض لها من جهة ثانية، بحيث تفيده هذه الشخصيات في تبييض أمواله.
وكان من أبرز الأسماء المطروحة لمثل هذا التحالف هو سليمان معروف الذي يمتلك الكثير من الأنشطة التجارية في بريطانيا وعدد من الدول الأوروبية، ورجل الأعمال الشهير نبيل الكزبري، ذو النشاط التجاري الكبير في النمسا، والسمعة الحسنة لدى حكومات الدول الأوروبية. وقد ساعد الأخير، النظام كثيراً، في تحسين صورته الأوروبية بعد العام 2005، بينما لعب سليمان معروف دوراً كبيراً في التحايل على العقوبات الاقتصادية الأوروبية التي تم فرضها على النظام بعد العام 2011، لدرجة أنه كان رجل الأعمال الوحيد الذي استطاع رفع اسمه من قائمة هذه العقوبات في العام 2014، الأمر الذي قدّم خدمة جليلة للنظام، سمحت له بإدارة أمواله في الخارج عبر سليمان معروف.
من هو سليمان معروف..؟
كل العرض السابق لا يقدم سوى معلومات قليلة عن سليمان معروف.. فمن هو هذا الرجل..؟، وكيف أصبح، وهو الشخص الغامض، بين ليلة وضحاها، من رجال الأعمال الثلاثة الأكثر قرباً من النظام، بالإضافة إلى رامي مخلوف ومحمد حمشو..؟
والأهم من كل ذلك، أننا وقعنا على ملاحظة شديدة الأهمية، وهي أن بداية أعمال سليمان معروف وأنشطته التجارية كانت من حلب وليس من دمشق.. وفي كثير من الأحيان كان يتم التعريف به على أنه من حلب، وفي أحيان أخرى كانوا يقولون أنه بالأصل من حماة.. فمن هو..؟
لقد حاول النظام أن يُقدّم سليمان معروف على أنه رجل أعمال سُنّي، واخترع أصلاً له بأنه من حماة، لكن أسرته نشأت وترعرعت في حلب، حسب رواية النظام.. بينما الحقيقة أن عائلة سليمان معروف هي علوية من ريف حماة، وليس لمدينة حلب أي ارتباط بالأسرة إطلاقاً، إذ أن والده يقيم في بريطانيا منذ فترة طويلة وقد استطاع أن يبني هناك ثروة طائلة، لكن لا أحد يعرف على وجه التحديد، إن كان مصدر ثروته من سوريا أو أنه بناها بالكامل في بريطانيا..!!
أما قصة توجيه سليمان معروف لكي يقيم أعماله ونشاطاته الاقتصادية في حلب، فهي خطة بشار الأسد لزرع رامي مخلوف آخر في العاصمة الاقتصادية لسوريا، بما يتيح له السيطرة على كامل البلد.. إلا أن خطته لم يكتب لها النجاح لسبب أن سليمان معروف أراد أن يُغيّر وجهة الاستثمار في حلب من الصناعة إلى السياحة، بسبب عدم قدرته على مواجهة صناعييها العريقين، الأمر الذي لم يسمح له بالتمدد داخل مجتمع الأعمال الحلبي.. بالإضافة إلى أن سليمان معروف كان أكثر طموحاً من خطط النظام حوله، وكان يريد أن يثبت للنظام أن مواهبه كثيرة جداً ويستطيع أن يلعب أكثر من دور في آن واحد.
سليمان معروف الإسلامي..!
كانت المفاجأة الكبيرة التي وضعت سليمان معروف تحت أضواء الإعلام بشكل مباشر، هو دخوله كمساهم كبير في بنك سوريا الدولي الإسلامي في العام 2007، وشركة التأمين الإسلامية التابعة للبنك في العام 2009، بالإضافة لامتلاكه لشركة وساطة مالية إسلامية، وجميعها كانت بالشراكة مع إيهاب مخلوف، شقيق رامي مخلوف.. غير أن اسم إيهاب لم يكن مدرجاً على وسائل الإعلام، وتم وضع سليمان معروف في الواجهة الإعلامية لهذه الأعمال على أنه المساهم الأكبر فيها.
في تلك الفترة التي تميزت بنشاط سليمان معروف في الاقتصاد الإسلامي، أُتيح لكاتب هذه السطور اللقاء معه أكثر من مرة، وذلك في إطار الإعداد لخطة التغطية لنشاط هذه المؤسسات، وقد حاول معروف أن يوحي بأنه رجل أعمال سُنّي، وأن نشاطه في هذا المجال، إنما هو لمواجهة أنشطة رجل الأعمال الكويتي الشيعي عبد الحميد الدشتي، الذي كان أول من بدأ العمل في المؤسسات الاقتصادية الإسلامية.
والغريب أن بنك سوريا الدولي الإسلامي وشركة التأمين التابعة له، هو الوحيد الذي استطاع أن يُلغي العقوبات الأوروبية الاقتصادية بحقه في العام 2014 كذلك..!!، وهو أيضاً البنك الوحيد الذي لايزال يحتل قائمة البنوك السورية من حيث الأرباح والأعمال حتى يومنا هذا..!!
سليمان معروف بعد العام 2011
لا يزال الدور الذي لعبه ويلعبه سليمان معروف، في دعمه للنظام، غامضاً.. فأكثر فضيحة وقعت عليها وسائل الإعلام هو ما تم تسريبه من إيميلات بشار وزوجته أسماء والتي تشير إلى أنه في العام 2011، استطاع أن يتحايل على العقوبات الاقتصادية ويستورد قناصات للنظام من جنوب أفريقيا لقمع المظاهرات، بالإضافة إلى عمليات تجارية قام بها لصالح أسماء وجميعها مشتريات لمجوهرات ومقتنيات ثمينة نفّذها عبر حساباته البنكية في بريطانيا.. وهو ما جعل البعض يشيرون إلى أن امتيازه للقيام بهذا الدور يشير إلى قربه الشديد من الرئيس وزوجته.
غير أن وثائق "بنما" التي تم تسريبها العام الماضي، تتطرق إلى اسم سليمان معروف كثيراً، الذي قام بتأسيس عشرات الشركات في عدد من دول العالم بعد العام 2011، بالإضافة إلى إجراء عمليات نقل أموال وفتح حسابات جديدة في عدد من البنوك، مع زيادة نشاطه في الاستثمار العقاري، المجال الأبرز لعمليات غسل الأموال.
وكان سليمان معروف من أبرز الأسماء التي طالتها العقوبات الاقتصادية الأوروبية لدعمه لنظام الأسد في قمع المظاهرات السلمية، وتم الحجز على جميع أمواله في البنوك الأوروبية، ومعاقبة الشركات التي يملكها وذلك في العام 2012..
إلا أنه أقام دعوى في محكمة الاستئناف الأوروبية استطاع من خلالها إلغاء هذه العقوبات بحقه في العام 2014، مع إبقاء العقوبات على الشركات التي تعود لملكيته أو يساهم فيها في سوريا، مثل تلفزيون الدنيا وبنك سوريا الدولي الإسلامي، إلا أنه قام بالانسحاب من مساهمته في تلفزيون الدنيا وأقام دعوى أخرى لتحرير بنك سوريا الدولي الإسلامي من هذه العقوبات، وهو ما نجح به أيضاً في العام 2014.
خاتمة
يقيم سليمان معروف حالياً في بريطانيا، ويزور سوريا بين الفترة والأخرى.. وقد رصدت الصحف البريطانية زيادة نشاطاته الاقتصادية في السنتين الأخيرتين، من خلال شرائه للعقارات الفاخرة في أرقى أحياء لندن بالإضافة إلى تأسيس شركات في ما يسمى بالجزر العذراء البريطانية.. إلا أنه وبحسب محكمة الاستئناف الأوروبية لم يستطع أحد إدانته بالدليل القاطع على أنه دعم نظام الأسد في قمعه لشعبه، كما أن أحداً لم يستطع أن يثبت بالدليل القاطع كذلك، بأن الشركات والعقارات التي يقوم بتأسيسها وشرائها، إنما هي عمليات غسل أموال لرجالات النظام.. وهي نقطة تُحسب على المعارضة السورية وبالذات المتواجدة في بريطانيا والتي لم تستطع أن تجمع حتى الآن ما يدين هذا الرجل، الذي لم يدعم النظام فحسب، وإنما كان من أبرز السارقين لأموال الشعب السوري إلى جانب رامي مخلوف وغيره من رجالات الأعمال الذين اخترعهم النظام.
فؤاد عبد العزيز- اقتصاد
↧