البحث من المنطق الأرسطي الذي يدرس المغالطات المنطقية Logical Fallacies, يسمى سوفسطا أو سوفسطيقا و يُقصد بها الحكمة المموَّهة أو المظنون بها الحكمة و هي ليست كذلك , يوجد العشرات من المغالطات المنطقية المُصنّفة ,و عادة ما تقسم المغالطات المنطقيِّة مدرسيّا الى ثلاث أنواع : - مغالطات صورية Formal fallacies :ومثالها مغالطة الاحتكام الى التجربة الشخصية Anecdotal fallacy - مغالطات غير صوريّة Informal fallacies : و مثالها مغالطات التماس المشاعر Appeal to emotion fallacy مغالطة الحجّة الدائرية Circular Reasoning fallacy -المغالطات الشرطية Conditional fallaciesومثالها مغالطة سدّ الذرائع slipperyslope fallacy
ولكنّا سوف نتوقف عند مغالطة عدم التلازم non-sequitur fallacy, وهي قاسم مشترك بين جميع المغالطات المنطقية الأخرى, حيث لا يوجد تلازم سببي بين المقدمات و النتائج, إن مجرد تتابع ( ترابط ) حدثين ,لا يعني بالضرورة أن الحدث السابق هو سبب (ملازم ) للحدث اللاحق Correlation does not imply causation
-
أولا- مغالطة : كلّ العلوي شبّيح
الجريمة ( التشبيحيّة ) العلويّة
لا يوجد تلازم سببي بين حدث الانتماء للفئوية العلويّة و حدث ارتكاب جريمة ( تشبيحيّه )..حيث يتم جعل العلويّة هنا في هذه المغالطة سببا للجريمة.
- القياس المنطقي : كلّ العلوي شبّيح .. فلان علوي .. إذن فلان هو شبّيح
- كلّ العلوي شبّيح : هي مقدّمة كبرى خاطئة.. و بالتالي يلزم عنها الحكم (فلان هو شبّيح ) بكونها نتيجة خاطئة.
- المقدّمة الكبرى ( كلّ العلويّ شبّيح ) تقوم على ربط تتابعي بين العلويّة و التشبيح, و هذا ليس بتلازم سببي.
- أوجه المغالطة:
أ- كل فئوية عقائدية بغض النظر عن تسميتها يوجد فيها الصالح و الطالح.
ب - المسؤولية الجنائية فردية, فلا تزر وازرة وزر أخرى, فالصالح لا يتحمّل وزر الطالح رغم اشتراكهما بالانتماء العقائدي.
ت - تنتشر سوق هذه المغالطات في المجتمعات المغلقة , حيث يكتسب الفرد منذ الصغر هذه النظرة النمطية السلبية عن الآخر اكتسابا بفعل التعليم و التربية و الاعلام
ث - الفعل الانتقائي للذاكرة , حيث يتم التأكيد على حوادث تعزز مغالطة العلوي الشبيح , و يتم اهمال حوادث تؤكد فكرة العلوي الطيّب أو مواقف عادية.
-
ثانيا- مغالطة: كلّ السنّي إرهابي
السنّية الجريمة ( الارهابية )
لا يوجد تلازم سببي بين حدَث الانتماء للفئوية السنّية و حدث ارتكاب جريمة ( ارهابية )..حيث يتم جعل الاسلام السنّي سببا للجريمة.
- القياس المنطقي : كلّ السنّي شبّيح .. فلان سنّي .. إذن فلان هو ارهابي.
- أوجه المغالطة :
أ- الصلاح و الفلاح ليس حكرا على دين أو مذهب.
ب - المسؤولية الجنائية فردية, فلا تزر وازرة وزر أخرى.
ت - تنتشر سوق هذه المغالطات في المجتمعات المغلقة , و يكتسبها الفرد اكتسابا و تلقينا.
ث - الفعل الانتقائي للذاكرة , حيث يتم التأكيد على حوادث تعزز مغالطة السنّي الارهابي, و يتم اهمال حوادث تؤكد فكرة السنّي الطيّب أو مواقف عادية.
-
ثالثا- ميزان العنصرية
إذا كنتَ تعتقد بأنّ كل العلوي شبّيح - إلا من رحم ربّي- و كلّ السنّي جيد ...فأنتَ عنصري.
إذا كنت تعتقد بأنّ كل السنّي ارهابي- إلا من رحم ربي - وكلّ العلوي طيّب ...فأنت أيضا عنصري. بصياغة أخرى أكثر شمولا, إذا كنتَ تعتقد بأنّ ( كل من ينتمي الى المجموعة س هو جيد , أو كل من ينتمي للمجموعة ع هو سيء ) فأنتَ عنصري.
غالبا لا يتم التصريح بالمقدّمة الكبرى للمغالطة المنطقية ( كلّ العلوي شبيح, أوكلّ السنّي ارهابي) و تبقى تفكيرا و اعتقادا حاكما في لا شعور الفرد و الجماعة, بل عادة ما يتم التصريح و تداول صيغ مخفّفة من المغالطات المنطقية من قبيل: معظم ..الا من رحم ربي .. سوف يعود الى أًصله.. هو يتحيّن الفرصة و منافق.. يؤمن بالتقية ..زعيمهم الفلاني يقول ..شيخهم الفلاني قال ..الخ.
-
رابعا- ما هي العنصرية؟
العنصرية : هي الاعتقاد بأن هناك اختلافات تفاضلية بين البشر , و أنّ هذه الاختلافات تعود الى طبائع الكائنات , و يمكن معادلة مفهوم العنصرية بازدواجية المعايير , أي أن تعامل الآخر بما لا تقبلهُ على نفسكَ, أو بما لا يقبله عامة الناس عبر العصور و المجتمعات من غير اضطرار.
يستخدم مصطلح العنصرية للإشارة إلى الممارسات التي يتم من خلالها معاملة مجموعة معينة من البشر بشكل مختلف, ويتم تبرير هذا التمييز بالمعاملة باللجوء إلى التعميمات المبنية على الصور النمطية وباللجوء إلى تلفيقات علمية. تأتي خطورة مفهوم الجوهر الثابت في كونه الجذر المنطقي للعنصرية و ازدواجية المعايير , عبر ادّعائه وجود هويّة ثابتة للكائن, يختلف جوهريا عن غيره من الكائنات و بما يشمل المادّيات و المعنويات, بالاستناد إلى (النظرية الأرسطية في المعرفة) فإنّ اختلاف الكائنات عن بعضها البعض هو منطق الحياة, و هو يعود الى اختلاف طبائع الكائنات فلكلّ كائن جوهره الخاص و الفريد! وفقا للمنظور الارسطي: الرجل أفضل من المرأة.. السيد.. الاغريقي.. الخ, بينما تنفي (نظرية الشكل الحيوي) وجود جوهر ثابت للكائن , فهويّة الكائن هي شكل حركي احتمالي احتوائي نسبي , شكل يتشكّل من / في أبعاد وجود الكائن , و إنّ اختلاف الكائنات يعود فقط لاختلاف طرائق و ظروف وشروط تشكّلها فقط.
-
خامسا- العنصريّة و اللسانيات:
إن العلاقة بين الدال و المدلول علاقة اعتباطية , و ليست علاقة طبيعية ضرورية, فالكلمة لا معنى لها حتى يتواضع الناس على معناها, و يمثل هذه الحقيقة المدرسة اللسانية الحديثة, أي بمعنى هذا أن الإنسان هو الذي يسمي الأشياء كما يشاء ,دون أن تكون لهذه الأسماء علاقة ضرورية و ذاتية بتلك الاشياء ، فما سمي قمرا على سبيل المثال كان من الممكن أن يسمى شمسا فنحن نسميه كذلك بحكم العادة لا غير, إضافة إلى هذا فالمعنى الواحد يمكن أن نعبر عنه بألفاظ مختلفة مثل البحر هو اليم ، و السيف هو الحسام, فمن نسمّيه بالعلوي ممكن تسميته بالسنّي أو الملحد أو الطاولة مثلا , و من تسمّيه بالسني ممكن تسميته بالعلوي أو الكافر أو الكرسي مثلا. فاسم الكرسي ليس هو الكرسي , و اسم العلوي ليس هو العلوي.. لا بل و إنّ اسم الله (سبحانه) ليس الها, و وأن اسم الشيطان ليس شيطانا, وأن فعل الحب لا تنقص قيمته إذا سميناه كراهية, و قتل الانسان ظلما باسم الله لا يختلف عن قتله ظلما باسم الشيطان , لكون اللغة صناعة ومصالح وصلاحيات بشرية, و لكنّا نغفل عن ذلك بحكم الألفة و العادة. و قد يرتكب بعضنا جرائم قتل في ظروف معيّنة, استنادا الى الايمان بوجود علاقة طبيعية ضرورية بين الدال و المدلول. وعموما تسعى العقائد الجوهرانية الانغلاقية الدينية و اللا-الدينية ( الأيديولوجيات) إلى حجب بداهة أنّ اسم الشيء ليس هُوَ , و تقيم وثاقا دلاليا و نفسيا مقدّسا بين الدال و المدلول. يُنسب الى الحسين بن منصور الحلاج (244- 309 هجري) في رواية قوله: ( ان معبودكم تحت قدمي, فقالوا له ماذا تقول؟ فقال لهم معبودكم تحت قدمي, ثم رفع قدمه وضرب بقدمه الأرض) لقد قُتل الرجل بناء على التباس لغوي ربّما ! كان الرجل ضحيّة لثقافة سائدة لا تميز بين الدّال والمدلول ...ثقافة تستمدّ شرعيتها من النص (بتفسير حرفي) و ليس من واقع الحياة , ومصالح الأحياء و الإحياء.
*عن موقع جيرون
المصدر: جيرون
↧