لا شيء يعوّض أبناء حلب الشرقية إلا العودة إلى منازلهم، حتى ما تحوّل منها إلى أنقاض. لكن هذا الأمل لا يبدو أنه قابل للتحقّق في المدى القصير في ظل الواقع الذي تعيشه المدينة السورية الجريح بعد دخول قوات النظام والميليشيات الموالية لها إليها.
ربّما كان بعضهم على يقين مسبقا أن العودة ستتحول إلى أمنية صعبة التحقّق فعمد إلى إحراق مقتنياته، بينما تمسّك البعض الآخر بأمل الرجوع وفضّل أن تبقى صورة منزله مكتملة في ذاكرته. لكن أمام ما بات يعرف بـ«عمليات التعفيش» أو اضطرار البعض إلى بيع منازلهم يبدو أن تحقيق حلم العودة لا يزال بعيدا.
«مئات العائلات فقط قرّرت الرجوع لتعيش بين ما تبقى من جدران منازلها في الأحياء الشرقية رغم انعدام مقومات الحياة فيها، بينما يعيش من تهجّر إلى الأحياء الغربية في أوضاع إنسانية صعبة لا سيّما أن الآلاف منهم يعيشون في مراكز إيواء غير مؤهلة، مع استمرار الوعود بتحسين أوضاعهم من قبل النظام»، بحسب ما يقول الناشط المدني في حلب عبد القادر علاّف.
علاّف قال في تصريح لـ«الشرق الأوسط» خلال لقاء معه «يبقى وضع الشباب والرجال هو الأسوأ بعدما بات كل من يتراوح عمره بين الـ20 والـ50 سنة موضع مراقبة وعرضة للاعتقال والتجنيد الإجباري لضمّهم إلى بات يعرف بـ(فوج الاقتحام الخامس) الذي يقوم النظام بتشكيله»، مؤكدا أنه تم اعتقال معظم الشباب الذين لجأوا إلى حلب الغربية، وتم إعدام عدد كبير من معارضي النظام، أعدم آخرهم الأسبوع الماضي في منطقة الكلاسة.
وفي حين أصبحت معظم مناطق حلب الشرقية وأبنيتها ركامًا، فرض النظام والميليشيات الموالية له طوقًا أمنيًا على المناطق التي نجت من القصف ولا تزال صامدة، مانعا الأهالي من العودة إلى منازلهم. مع هذا تمكنت، بحسب علاّف، مئات العائلات من العودة إلى منازلها التي وجدتها فارغة من محتوياتها بعد «التعفيش» الذي تعرضت له، ولا سيما في أحياء الفردوس والشعار والصالحين وباب النيرب. وأردف: «هؤلاء اختاروا العودة إلى بيوتهم للحفاظ على ما ممتلكاتهم رغم غياب أي مقومات للحياة، خاصة الكهرباء والماء، رغم كل الوعود التي سبق أن أطلقها النظام قبل الدخول إلى المنطقة».
في المقابل، في حلب الغربية، حيث يعيش أكثر من مليون شخص، نحو مائة ألف منهم من الذين نزحوا من حلب الشرقية، قد يختلف المشهد قليلا، لكن الاكتظاظ السكاني صعّب الحياة اليومية للعائلات، إضافة إلى الخوف المستمر من عمليات الاعتقال التي يقوم بها النظام وتستهدف خاصة الشباب والرجال. وحسب علاّف: «هنا بات معظم السكان من الشيوخ والأطفال والنساء. حتى طلاب الجامعات السواد الأعظم منهم من الفتيات بعدما فضّل الشباب المغادرة سعيا وراء مستقبله وهربا من التجنيد الإجباري».
من جانب آخر، يبقى المشترك بين الأحياء الشرقية والغربية حملة بيع المنازل بهدف التغيير الديموغرافي، بحسب علاّف، الذي أوضح: «تسجل عمليات بيع للمنازل والأراضي التي يجد الأهالي نفسهم مضطرين لبيعها لحاجتهم إلى المال، ويستفيد منها النظام وحلفاؤه لصالح الطائفة الشيعية، خاصة بعد خروج أهالي الفوعة وكفريا منها ونزوحهم إلى حلب». وهذا، مع أن مصدرًا معارضًا، من حلب أيضًا، قلل من أهمية بيع المنازل، موضحًا لـ«الشرق الأوسط» في حوار معه «إن حصلت عمليات بيع لأسباب اقتصادية فسيبقى تأثيرها محدودًا، ولا يمكن القول إنها قد تؤثر على التغيير الديموغرافي في منطقة معروفة بطابعها الطائفي المعين، بحيث الوجود فيها يظل للطائفة السنّية».
في أي حال، لا يبدو أن واقع حلب الشرقية قابل للتغير ما لم تحسم القضية السورية بأكملها، وهو ما يشير إليه علاّف، معتبرا أن «بقاء المشهد في المدينة المدمرة وأسواقها القديمة ومحلاتها كما هو، رغم وعود النظام بالعمل على تحسينه، يهدف إلى تسول الأموال من الأمم المتحدة والمنظمات الدولية بحجة إعادة الأعمار».
تقول «أم خالد»، التي تتواصل مع أحد أقاربها هناك، لموقع «عنب بلدي» المعارض إن المناطق الشرقية لا تزال مناطق عسكرية، تنتشر فيها دوريات روسية وأخرى تابعة لميليشيات من إيران و«اللجان الشعبية»، وهم يضايقون المدنيين هناك، دون معرفة السبب. ولا يمكن حتى اليوم أن يصل أحد إلى بيته ومعرفة وضع ممتلكاتهم هناك.
وحقًا، تعيش هذه الأحياء منذ نهاية شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي تحت قبضة الميليشيات العسكرية النظامية والمتعددة الجنسيات، وخاصة الشيعية والإيرانية ومنها «لواء القدس»، إضافة إلى القوات الروسية. ويشير علاّف إلى أن اشتباكات سجّلت في الفترة الأولى من دخول هذه الميليشيات إلى حلب الشرقية، أدت إلى سقوط قتلى، وتحديدا بين حزب الله أو قوات النظام من جهة والروس من جهة أخرى. ويضيف: «حاول الروس تسيير دوريات لمراقبة ومنع قوات النظام التي تقوم بعمليات سرقة وتعفيش في المنازل إضافة إلى فرض سيطرتهم على المنطقة، ما أدى إلى مواجهات بين الطرفين، ما أدى بالروس إلى الانسحاب إلى المطار الدولي على حدود المدينة الشرقية».
وفي هذا الإطار، كان موقع «آرا نيوز» للأخبار قد أشار الأسبوع الماضي إلى تجدد الاشتباكات بين مجموعات تابعة لفرق «الدفاع الوطني» (الميليشيات) الموالية لقوات النظام وبين الشرطة العسكرية الروسية في عدة مناطق شرقي حلب، شمالي سوريا. وقال الناشط الميداني، وائل محمد، من حلب للموقع إن «اشتباكات جديدة اندلعت بين مجموعات من ما يسمى «الدفاع الوطني» يعتقد أنها من «لواء الباقر» الموالي لقوات النظام وبين الشرطة العسكرية الروسية داخل حيي الشعار والميسر تبادل خلالها الطرفان القنص لتتطور إلى اشتباكات بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة وذلك على خلفية قيام الشرطة العسكرية الروسية بمنع هذه المجموعات من «الشبي» التي تعمل على تعفيش وسرقة ممتلكات المدنيين الذين تم تهجيرهم من أحياء حلب الشرقية نحو مدينة إدلب.
ولفت محمد إلى أن «الاشتباكات وقعت رغم انتشار قوات النظام وشنها عمليات دهم واعتقال في تلك الأحياء بحثًا عن المطلوبين الذين يهاجمون الشرطة الروسية».
الشرق الأوسط
↧