"إذا أردت أن تعرف مدى تقدم مجتمع ما، فانظر إلى وضع المرأة" "كارل ماركس"
ستندهشون! بالطبع لأننا سوف لا نتكلم بهذا المقال عن المرأة في تشاد أو في سيراليون أو زيمبابوي أو في دولة داعش الإسلامية، ولا عن تلك المرأة المسخ (بداية القرن الماضي) كما صورها زورا مسلسل (باب الحارة) سيء الصيت، والتي لم ولن تفارق مخيلة من أعدّه وأخرجه وأنتجه ومثّله ورعاه ورخّص بنشره، وإنما سنتكلم هنا عن المرأة السورية، على وجه التحديد في عام 2005.
من قاضية فوزيرة، فنائب في مجلس الشعب، فنائب عام للجمهورية، فنائب للرئيس، فرئيسة للسلطة التشريعية اليوم! ما الذي استفادته المرأة السورية من تلك المناصب وما كُتب لها من نصوص؟ خصوصا تواجدها في مجلس الشعب، غير المزيد من التغّييب والتهميش؟ وفقا لما أورده الكاتب السوري "شمس الدين العجلاني" وهو يتساءل بدهشة وبحق عن دور البرلمانيات السوريات؟ وهل تحولن لمجرد رقم في مجلس الشعب، لا حول ولا قوة لهن؟ وهل هذه هي حقيقة المرأة السورية؟ ثم كيف يتم تهميش وتغييب البرلمانية السورية في المحافل النسائية الدولية؟ وكيف يحل الرجل السوري مكانها؟.
كان ذلك تعليقا للعجلاني على مقالة بعنوان "برلمانيون ونساء وعنف" التي وردت في صحيفة النور، الصادرة عن الحزب الشيوعي السوري، بقلم محمود الوهب، والتي تضمّنت صور ومشاهد، من المؤتمر النسائي البرلماني الدولي 112 الذي انعقد في الفلبين في 3 نيسان/آبرل 2005 وباستعراض ما ورد في المقال المذكور وغيره من وقائع، يتبين للقاصي والداني، كيف يتم تهميش دور المرأة السورية، مثلها مثل الرجل داخل الوطن، كما في المحافل الدولية على حد سواء.
يقول محمود الوهب بمقالته: أنه طُُرِح في المؤتمر النسائي الدولي المشار إليه، عدد من القضايا التي تتعلق بالمرأة حصريا، جرت خلاله نقاشات مستفيضة عكست واقع المرأة في العالم أجمع، وأن وفد مجلس الشعب السوري لهذا المؤتمر قدّم عدة مداخلات حيال المواضيع المطروحة، تناولت واقع المرأة السورية، والأشواط التي قطعتها والإنجازات التي حققتها، والطموحات الذاهبة نحوها.
وبطبيعة الحال، كما يقول العجلاني بأن القارئ يتوقع أن الوفد السوري البرلماني ضم العديد من البرلمانيات السوريات بهذا اللقاء البرلماني النسائي الدولي، خاصة إذا تذكّرنا أن مجلس الشعب يضم في عضويته (30) امرأة، منهن المحاميات والقاضيات والمهندسات والأديبات والطبيبات، ولكن الإجابة تكون بنهاية المقال، حين تقول الصحيفة الشيوعية، بأن سورية مثّلها وفد مجلس الشعب الذي ترأسه السيد (فلان) وعضوية كل من السادة (فلان وفلان) بحيث لم يتضمّن الوفد أية برلمانية سورية على الإطلاق!!.
حصل ذلك على الرغم من تأكيد الاتحاد البرلماني النسائي الدولي باستمرار، على ضرورة أن تتضمن الوفود البرلمانية المشاركة بأعماله من النساء، وقد سبق له أن قام بفرض عقوبات على كل وفد مشارك لا يتضمن أية امرأة، كما أن دستور الاتحاد يشترط أن يكون ضمن عضوية اللجنة التنفيذية (3)سيدات، لذلك كان من ضمن جدول أعمال المؤتمر إجراء انتخابات للجنة تنسيق النساء البرلمانيات، وكان من المقرر أن يتم عقد اجتماع تنسيقي للوفود البرلمانية النسائية العربية قبل حصول اللقاء، لترشيح بديلة لممثلة المجموعة العربية بتلك اللجنة.
وبذلك تكون سورية قد فوتّت على نفسها عضوية هذه اللجنة أكثر من مرة، نتيجة لإصرارها على ترشيح (رجل) بدلا من امرأة لعضوية تلك اللجنة! وهو ما حصل فعلا بوقت سابق، كما يقول كاتب المقال، عندما اتُخذ قرارا عربيا بترشيحها لهذه العضوية، فرشّح مجلس الشعب السوري (رئيس لجنة الشؤون العربية والخارجية) آنذاك! الذي نافسته النائب في البرلمان الأردني توجان فيصل، ففازت عليه ونالت عضوية اللجنة، كذلك بعد فترة اُتخذ أيضا قرارا عربيا بترشيح مجلس الشعب السوري لعضوية هذه اللجنة، ولكن بقدرة قادر، وفقا لكاتب المقال تم التنازل لصالح دولة عربية أخرى.
والسؤال المُلِّح الذي يطرح نفسه! ماذا ينفع لو تحدّث كل الرجال السوريون وكل رجال العالم عن المرأة السورية، عن حياتها الوردية، وعن إنجازاتها التي تحقّقّت، ودورها الفعّال في بناء الوطن وصون سياجه؟ طالما أنه لم يُتح لها التحدُّث عن نفسها، بمثل هذه المحافل والمنابر النسائية الدولية، في الوقت الذي لم تتوان المرأة السورية عن كيل الاتهامات المتواصلة بحق الموروثات الدينية، وحق المجتمع، كمالم يتوان القائمون على القرار، باتهام كل من اليمين المشبوه والمؤامرة والإمبريالية والاستعمار.
أليس من الأهمية بمكان أن تقف المرأة السورية أمام زميلاتها من برلمانيات العالم، لتشرح معاناة المرأة السورية في الجولان المحتل، لأن الوفد الرجالي السوري كما تقول جريدة النور، قد غفل تماما عن الإشارة لذلك، مكتفيا بالحديث عن معاناة النساء في كل من العراق وفلسطين! بسبب الاحتلال القائم آنذاك!.
والواقع لم تكن هذه هي المرة الأولى، وبالتأكيد لن تكون الأخيرة، التي يبتلع فيها نهج (باب الحارة) دور المرأة السورية، ففي مطلع عام 2005 ووفقا لمقال آخر للكاتب العجلاني نفسه، بعنوان (برسم النساء في مجلس الشعب السوري) منشور في الحوار المتمدن، عُقدت في بيروت ندوة بعنوان "تفعيل دور البرلمانيات العربيات" برعاية رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري، وبدعوة من الاتحاد البرلماني العربي وصندوق الأمم المتحدة الإنمائي للمرأة، بهدف الإصلاح التشريعي" بحضور وفود برلمانية نسائية عربية تُمّثل مجالس كل من الأردن، البحرين، السودان، سورية، فلسطين، لبنان، مصر، والمغرب، ومشاركة عدة وفود نسائية وخبراء يمثلون منظمات عربية ودولية.
حيث استمع المشاركون في الجلسة الافتتاحية لكلمة السيد نبيه بري، بصفته رئيس مجلس النواب اللبناني ورئيس الاتحاد البرلماني العربي، كذلك للسيدة بهية الحريري، رئيسة لجنة شؤون المرأة في الاتحاد البرلماني العربي، والسيدة نانسي باكير، الأمين العام المساعد في جامعة الدول العربية، والدكتورة هيفاء أبو غزالة، المديرة الإقليمية لصندوق الأمم المتحدة الإنمائي للمرأة، وقد تمّت المناقشات في تلك الندوة وفق أربعة محاور:
الأول: وترأست جلسات مناقشاته ليلى شرف ، عضو مجلس الأعيان الأردني، وبمشاركة الدكتورة آمال عثمان، نائبة رئيس مجلس الشعب المصري، والدكتورة فوزية سعيد صالح، عضو مجلس الشورى البحريني.
الثاني: وترأس مناقشاته الدكتور حمود الحسين!! عضو مجلس الشعب السوري، بمشاركة الدكتورة سلوى جمعة، عضو مجلس الشورى المصري، والدكتورة نزهة الصقلي، عضو مجلس النواب المغربي.
الثالث: وترأسّت مناقشاته لطيفة بناني، عضو مجلس النواب المغربي، وبمشاركة كل من أدب السعود، عضو مجلس النواب الأردني، وسعاد أبو كشوة عضو المجلس الوطني السوداني، وفريال الشيخ سليم، عضو المجلس الوطني الفلسطيني.
المحور الرابع: وترأسّت مناقشاته الدكتورة آمال عثمان، بمشاركة كل من الدكتورة هيفاء أبو غزالة، والدكتورة فائزة بن حديد، المستشارة الإقليمية في القضايا الاجتماعية في صندوق الأمم المتحدة للسكان.
مما سبق يتضح لنا، وهذا الكلام طبعا مُقتبس من مقالة العجلاني أنه لم يتواجد في هذه الندوة في جلسة الافتتاح، وجلسات المناقشات التي تلتها طيلة أيام انعقادها سوى رجلين فقط، الأول كان رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري بصفته رئيس الاتحاد البرلماني العربي، الذي ألقى كلمة الافتتاح، ثم انسحب بعدها، ليترك النساء وشأنهم، فيما بقي الرجل الثاني رئيس الوفد السوري الدكتور الحسين! كونه يحمل تفويضا من النساء البرلمانيات العاجزات في مجلس الشعب، مقابل النساء البرلمانيات العربيات!.
ماذا يعني الإمعان في تغييب المرأة السورية عن حضور مثل تلك المؤتمرات النسائية؟ غير أنها فضيحة سورية كبرى، يتحّمل مسؤوليتها بالدرجة الأولى، أولئك النسوة البرلمانيات الثلاثون، اللواتي رضين أن تُهان كراماتهن، وكرامة المرأة السورية، والشعب السوري على حد سواء، تماما كما رضيت ممثلات باب الحارة بتلك الإهانات، وبالدرجة الثانية القائمون على مجلس الشعب؟.
ثم ماذا ينقص حفيدات زنوبيا ملكة تدمر؟ التي كانت يوما شوكة في عيون الأعداء، وماري عجمي، صاحبة مجلة العروس 1910أو نازك العابد التي استبسلت في مقاتلة المحتل الفرنسي، في موقعة ميسلون، إلى جانب البطل يوسف العظمة، وغيرهن من بطلات سورية؟ اللواتي سبقن عصرهن مائة سنة، فكراً وثقافةً ووطنيةً وتنويراً ونزوعاً للحرية والاستقلال، ماذا ينقصهن كي يقفن بمثل هذه اللقاءات البرلمانية الدولية أمام زميلاتهن من برلمانات العالم؟ ليقلن بالفم الملآن أنهن شريكات الرجل السوري في كل الميادين، وأنهن متواجدات في جميع المواقع!.
أم أن المرأة السورية قد قبلت على نفسها أن تكون مجرد رقم في بازار السياسة؟ أليس من المعيب على أُولئك النسوة، اللواتي يستقتلن لنيل تلك المناصب، واللواتي من المفترض أنهن يمثلن المرأة السورية وتاريخها النضالي، أن يصمتن عندما تُنتهك حقوقهن على هذا النحو؟ متى كانت المرأة السورية مجرد دمية لا حول ولا قوة؟ الواقع أسئلة كثيرة يمكن أن تُثار ونحن نتحدث في هذا السياق.
من جهة أخرى، من الأهمية بمكان هنا الإشارة لحجم التناقض الذي وقع فيه السيد العجلاني نفسه، وهو الكاتب الذي يحرص باستمرار على توثيق ما يكتب، عندما أورد بمقالة أخرى، في صحيفة الوطن السورية على صدر صفحتها الأولى يوم 7-6-2016 بعنوان: المرأة السورية والمؤسسة البرلمانية، أول امرأة في الوطن العربي تترأس البرلمان، مضيفا: أنه في بادرة هي الأولى في الوطن العربي في ظل أنظمة برلمانية بأغلبيتها لا تمت للديمقراطية إلا في الاسم، مجلس الشعب السوري ينتخب امرأة رئيساً للمجلس، وتبقى سورية السباقة في كل الأشياء والمسميات، وتبقى منها بداية البدايات!.
مع أن الإماراتية أمل القبيسي، سبق لها أن تبوأت هذا المنصب منذ 18 اكتوبر العام الماضي، الإمارات التي لم تعرف الانتخابات التشريعية سوى في عام 2006 ومثلها دولة البحرين التي لم تعرف المجالس النيابية قبل عام 1973 والتي ترأست فيها ألس سمعان جلسة مجلس الشورى بالعام 2005 في حين كُلنا يعلم أن الحياة البرلمانية السورية قد تأسست، كأول برلمان عربي في عام 1919 وأن المرأة السورية دخلت قبة البرلمان قبل عام 1960.
وللحديث بقية..
المصدر: أول مرة
↧