لم يقتصر الحديث عن "الفيلق الخامس-اقتحام"، الذي أعلنت القيادة العامة للجيش السوري عن تشكيله قبل شهرين، على الشارع السوري فقط، بل تعدى ذلك ليصل إلى "مجلس الشعب"، بعدما بثّت شبكات موالية تسجيلاً مصوراً يظهر اعتراض أحد أعضاء المجلس على "التجنيد الإجباري" في الفيلق "التطوعي".
حملات التجنيد الإجباري العشوائية، التي طالت رجالاً متقدمين في العمر وموظفين، كانت قد أثارت اعتراضات في صفوف النظام، كان آخرها من رجل الأعمال محمد حمشو، الذي اقترح وجود "بدل داخلي" يُدفع لتجنب الخدمة، لوقف هجرة الشباب من مناطق سيطرة النظام، هرباً من التجنيد.
وزير "التنمية الإدارية" في الحكومة السورية، المرشح السابق للانتخابات الرئاسية حسان النوري، قال إن الحكومة تدرس بجدية ملف "البدل الداخلي" في سبيل إعادة الشباب إلى سوريا ممن هم غير قادرين على الخدمتين الإلزامية والإحتياطية، لأسباب مختلفة. ونشرت مواقع تابعة للنظام، نقلاً عن النوري قوله: "من واجب الحكومة دعم المؤسسة العسكرية بشكل مطلق، والعمل للوصول إلى جيش يعتمد المهنية بشكل احترافي، وذلك من خلال حوافز مجزية.
ولاقى ملف "البدل الداخلي" الذي أصبح حديث الشارع في دمشق، صدى إيجابياً في صفوف الشباب، الذين يفضلون دفع البدل على الخروج من سوريا.
تاجر دمشقي، كان قد أرسل أولاده إلى تركيا، رحب بفكرة "البدل الداخلي" ليتمكن أولاده من العودة والعمل معه، في حين أبدى موظف في القطاع العام اعتراضه، لأنه دفع "البدل الداخلي" سينحصر بالأغنياء، قائلاً: "أما نحن الذين اضطررنا لإرسال أبنائنا هرباً من موت محتم، فلن نستطيع دفع البدل الذي يمكن أن يصل إلى آلاف الدولارات".
وتشهد المدن السورية عامة، والعاصمة دمشق خصوصاً، حملات "تجنيد إجباري" في صفوف قوات النظام، زادت وتيرتها مؤخراً بعد إعلان تشكيل "الفيلق الخامس-اقتحام". وكثّفت أجهزة المخابرات والشرطة العسكرية دورياتها وحواجزها الطيارة في أحياء دمشق، لتعتقل العشرات يومياً من أبناء العاصمة والمحافظات. ذلك عدا عن تجنيد آلاف العناصر السابقين في صفوف المعارضة المسلحة، وذلك بعد "تسوية وضعهم" في المناطق التي خضعت لـ"مصالحات" مع النظام.
وتطورت الخلافات لتصل شُعب حزب "البعث العربي الاشتراكي"، المسؤولة الأولى عن التعليمات التي تصدر إلى المؤسسات والدوائر الحكومية ومخاتير الأحياء، بخصوص تقديم أسماء الشباب للتجنيد في صفوف "الفيلق".
في هذا السياق، أكد مصدر من الحزب، لـ"المدن"، أن اجتماع "الفرق الحزبية"، الذي انعقد في دمشق وريفها مؤخراً، شهد تطوراً للنقاش حول "الفيلق الخامس-اقتحام" وصل إلى المشادات الكلامية بين "أمناء شعب الحزب". وطلب "أمين فرقة" هادي مشهدية، التوضيح للجميع، وخصوصاً لعامة الناس والموظفين، المعنى الحرفي لـ"الفيلق الخامس-اقتحام" وفحوى الانتساب إليه. وتساءل مشهدية، في الاجتماع بحضور مسؤولين حزبيين من دمشق وريفها، ونائب المحافظ ومعاوني وزراء ومدراء دوائر رسمية "عما إذا كان الفيلق الخامس تطوعياً فلماذا يتم إجبار الموظفين على الانتساب إليه؟ وكيف يمرر مدراء الدوائر الحكومية قوائم تحمل أسماء موظفين ليس لديهم علم أصلاً بتنسيبهم للفيلق؟".
وكان المحافظ وبعض الوزراء، قد أصدروا تعميماً يُجبرُ كل مدير في القطاع العام على تحديد نسبة من الموظفين في دائرته، كي يصار إلى تجنيدهم ضمن "الفيلق". وسبق لمحافظ دمشق بشر الصبان، أن أصدر قراراً يقضي برفع سن التجنيد في "الفيلق الخامس" إلى 57 عاماً.
ويضع مدراء الدوائر الحكومية أسماء المطلوبين للتجنيد عشوائياً، خوفاً من مساءلة قد تطالهم إن لم يفعلوا ذلك، ومع ذلك تخضع تلك القوائم لعملية فلترة من قبل الوساطات النافذة. وشملت القوائم أسماء رجال تخطوا الخامسة والخمسين من عمرهم، وآخرين يعانون أمراضاً لا تخولهم الالتحاق في أي عمليات تدريبية أو قتالية.
ويؤكد مصدر "المدن" أن الأمور تطورت إلى مشادات كلامية وسباب وتخوين، طالت أمين الشعبة الذي تحدث بجرأة، وتمّ اسكاته لمرات، قبل أن يتدخل أمين فرع الحزب في دمشق محمد حسام السمّان، لتهدئة الوضع لإكمال الاجتماع.
ونقل المصدر عن السمذان قوله، إن "المؤسسات ستخلو قريباً من الشباب، والطابع المدني سيختفي من البلد، بل إن الدوائر الحكومية يمكن أن تصبح (كوكب زمردة) للبنات فقط". وذلك في إشارة إلى أن حملات "التجنيد الإجباري" التي تطال المئات يومياً، تسببت في هروب الموظفين والشباب ومن يحملون خبرات علمية. وحذّر من "انعدام الطبقة العاملة (..) إذا استمر التجنيد بهذه الوتيرة، فالعاصمة قريباً قد تغدو مدينة يغطيها اللباس العسكري". ومن كل عشرة أشخاص في الشارع، في دمشق، يمكن احصاء 5 يرتدون البزة العسكرية، يتبعون لقوات النظام أو المليشيات الموالية أو الفروع الأمنية.
ولم تستثنِ حملات التجنيد صحافيين في وسائل الإعلام الرسمية والبديلة في دمشق. وتنقل شبكة "صوت العاصمة"، في تقرير لها حول هذا الموضوع، عن صحافي مقرب من النظام قوله، إن ذلك التجنيد طال العديد منهم، مع رفض "شُعَبِ التجنيد" ووزارة الدفاع منحهم "تأجيلاً إضافياً"، رغم تدخل وزير الإعلام. وبحسب التقرير، فإن عدداً من الإعلاميين الموالين، قد قرروا الهجرة إلى بلدان كلبنان وإيران، التي يمكن أن تحتضنهم بعد عملهم في إعلام النظام لسنوات.
من كل عشرة أشخاص في دمشق يمكن احصاء 5 يرتدون البزة العسكرية
مصدر "المدن"
↧