31.01.2017
يعود تاريخ وقفتين من هذه الوقفات الثلاث إلى عام ١٩٦٧ ، أما الوقفة الثالثة فيعود تاريخها إلى عام ٢٠١٥ وقد تم نشرها في بعض وسليل الإعلام تحت عنوان " دفاعا عن نزار قباني " .
تتمثل وقفتي الأولى مع الشاعر الكبير نزار القباني ، وكنا يومها على مشارف حرب حزيران ، بنشري لصورة رمزية عبرت فيها من خلال بيتي شعر لنزار عن تصوري للنهاية المأساوية لتلك الحرب ، وذلك من خلال مارأيت وما سمعت ، وكنت يومها مسؤولا من الدرجة الثانية ، ( إن لم أقل الثالثة ) في القيادة السياسية بدمشق . نشرت فكرتي في صورة مربعين وضعت في أحدهما صورة للمرحوم الملك عبد الله الأول ( قائد جيوش تحرير(!!) فلسطين ١٩٤٨ ) وكتبت تحت هذا المربع ١٩٤٨، ووضعت في المربع الثاني إشارة إستفهام كبيرة ، للإشارة إلى المسؤول الجديد عن الهزيمة الجديدة التي كنت أتوقعها ( والذي تبين لاحقاً أنه حافظ الأسد ) وكتبت تحت تحت هذا المربع ١٩٦٧١/٢ باعتبار أن الحرب الجديدة ستكون في منتصف عام ١٩٦٧، وبما أن الفرق بين التاريخين هو ٢٠ عاما ، فقد ذيلت هذين المربعين بصورة شعرية رمزية أستعرتها من إحدى قصائد نزار القباني رغم أن هذه القصيدة لا تنتمي للشعرالسياسي لنزار :
عشرون عاما يا دروب الهوى وما يزال الدرب مجهولا
عشرون عاما يا كتاب الهوى. ولم أزل في الصفحة الأولى
وتتمثل الوقفة الثانية مع نزار القباني ، بتوقفي مع قصيدة " هوامش على دفتر النكسة " والتي كتبها بعد النكسة ( او قل هزيمة حرب حزيران ٩٦٧ ) منتقدا بشدة وبقسوة المسؤولين عن هذه الهزيمة . اطلعت على هذه القصيدة في ساعة متأخرة من ليالي الهزيمة ، ولأني كنت أوافق الشاعر في كل ماقاله حول موضوع هذه الهزيمة ، فقد أمرت ( كوزير إعلام يومها ) بنشرها في الصفحة الأولى من جريدة البعث ، ورفضت كل طلبات " رفاق " الدرجة الاولى والثانية بعدم نشرها ، كونها موجهة أساسا ضد الحزب ، وقد تم نشرها كما أمرت في الصفحة الأولى من جريدة البعث ، ويمكن لمن يرغب التأكد ، أن يبحث في أرشيف جريدة البعث في فترة مابعد الهزيمة . وذلك لأني لا أتذكر تاريخ أو رقم العدد الذي نشرت فيه القصيدة .
وتتمثل الوقفة الثالثة بأنني عندما استمعت لبشار الجعفري ممثل النظام السوري في الأمم المتحدة ذات يوم وهو يقتطع بيت شعر لنزار القباني من قصيدته عن دمشق " من مفكرة عاشق دمشقي " ويخرجه عن سياقه في القصيدة ، بحيث يبدو وكأن نزار يتفق مع الجعفري حول موقفه من النظام السوري ، وهو تشويه لنزار مابعده تشويه ، الأمر الذي دفع بي أن أكتب في اليوم التالي مقالة بعنوان " دفاعاً عن نزار قباني " ،حيث نشرت في بعض المواقع الإعلامية . إن بيت الشعر الذي استشهد به الجعفري ، هو ( إذا لم تخني ذاكرتي ) :
ياشام إن جراحي لاضفاف لها فامسحي عن جبيني الحزن والتعبا
ولقد كان هذا الجعفري يريد من هذا الاستشهاد الخادع بنزار أن يوهم مستمعيه ، أن نزاراً يرثي دمشق التي دمرها " الإرهابيون " وليس النظام (!!) ، فكان لابد من رد مزدوج عليه ، يتمثل الأول منهما بإيراد الأبيات التالية في القصيدة والتي يستصرخ فيها نزار معاوية ابن آبي سفيان وخالد ابن الوليد لكي يعيدوا لدمشق وجهها الياسميني العربي والإسلامي الذي شوهه هذا الجعفري وأسباده في طهران ودمشق
. يتساءل نزار بحرقة العاشق الدمشقي في نفس القصيدة
ياشام أين هما عيني معاوية وأين من زحموا بالمنكب الشهبا ؟
فلا خيول بني حمدان راقصة زهوا ولا المتنبي مالئ حلبا
وقبر خالد في حمص تلا مسه فيرجف القبر من زواره غضبا
يابن الوليد ألا سيف تؤجره فكل أسيافنا قد آصبحت خشبا ؟
وأخيرا فإنني في وقفة رابعة جديدة مع نزار و بعد قراءتي مؤخراً لعدد من مطولاته الشعرية وجدت أنه يدمج ويمزج في كل قصيدة من قصائده ، غزلية كانت أو سياسية بين سبعة عناصر مختلفة ، ولكن على أساس " التغليب " الذي يتعلق بعنوان القصيدة ، ودوافعه الذاتية لكتابتها . هذه العناصر السبعة هي : المرأة ، الطبيعة ، الحداثة المجتمع العربي ، الحاكم العربي ، الحرية ، فلسطين . علما أن المرأة في شعر نزار ، وبما في ذلك شعره الغزلي ، هي لوحة فنية ، هي " موناليزا " وليست امرأة الجنس والفراش كما كان يحلو للبعض أن يدمغ نزاراً اعتمادا على شعره النسوي . وهذه بعض الأمثلة على عملية الترابط الفني عند نزار بين هذه لعناصر السبعة ، كلا أو بعضاً .
مآذن الشام تبكي إذ تعانقني وللمآذن كالأشجار أرواح ) : المزج بين المكان والمرأة والدين والطبيعة ،
فكل صفصافة حولتها امرأة وكل مئذنة رصعتها ذهبا ) المزج بين الطبيعة والمرأة ،
أيا فلسطين من يهديك زنبقة ؟ ومن يعيد لك البيت الذي خربا ؟ ) المزج بين الطبيعة وفلسطين والمرأة
تلفتي .. تجدينا في مباذلنا من يعبد الجنس أو من يعبد الذهبا ) نقد الأثرياء العرب ،
هذي البلاد شقة مفروشة يملكها شخص يسمى عنترة ) نقد الحكام العرب عامة ونظام الأسد خاصة ،
( ماذا سأقرأ من شعري ومن أدبي حوافر الخيل داست عندنا الأدبا ) نقد النظام العربي العسكري
يا وطني الحزين حولتني بلحظة من شاعر يكتب شعر الحب والحنين لشاعر يكتب بالسكين) إىشارة إلى أثر هزيمة ١٩٦٧ عليه ، وتحوله إلى الشعر السياسي
خلاصة القضية توجز في عبارة : لقد لبسنا قشرة الحضارة والروح جاهلية ) الدعوة للحداثة
وختاما : اريد أن أضم صوتي إلى نزار في قوله : :
ياإخوتي .. جربوا أن تقرأوا كتاب ... أن تكتبوا كتاب ... فالناس يجهلونكم ... والناجس يحسبونكم ... نوعا من الذئاب (!!) ) ، وكأن نزار كان يرى ويسمع ما يقوم به ترامب هذه الأيام .
فليرحم الله نزاراً
↧