ملامح «تنسيق» غير مباشر بين الطرفين التركي والنظام السوري برعاية روسية في محيط مدينة الباب
لم توقف قوات النظام السوري والميليشيات الحليفة تقدمها العسكري في ريف محافظة حلب الشرقي، منذ 17 يومًا. ولامست في قريتين على الأقل، مناطق سيطرة قوات «درع الفرات» جنوب غربي مدينة الباب التي تسعى قوات الجيش السوري الحر المشاركة بعملية «درع الفرات» المدعومة من تركيا، إلى السيطرة عليها منذ شهرين، غير أنه لم يسجل أي احتكاك بين الجانبين، ما يرسم ملامح «تنسيق» غير مباشر بين الطرفين على قتال تنظيم داعش الإرهابي المتطرف.
المعلومات متضاربة حول «التنسيق» المفترض الذي ترجح المعارضة السورية أن يكون نتيجة اتفاق تركي - روسي، يفرض تحاشي المواجهة، وتتأرجح التقديرات بين نظريتين:
الأولى تعبّر عنها مصادر في المعارضة السورية بقولها لـ«الشرق الأوسط» إن «درع الفرات» لم تصطدم منذ انطلاقتها في أغسطس (آب) الماضي بتاتًا مع قوات النظام، وهو ما عرّضها «لانتقادات على ضوء إحجامها عن فك الحصار عن مدينة حلب مع أنها كانت تبعد 12 كلم فقط عنها»، ما يعني - بحسب المصادر - أن «درع الفرات» لم تتشكل لقتال النظام بل لقتال «داعش» بريف حلب الشرقي وقتال ميليشيات الأكراد التي تتهمها تركيا بأنها الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني (بي كي كي) المصنف على قوائم الإرهاب التركية.
أما النظرية الثانية، فتقول إن تحاشي التصادم بين الطرفين اللذين باتت تجمعهما خطوط تماس واحدة، منذ ثلاثة أيام، يعود إلى «اتفاق أنقرة» لوقف إطلاق النار بين تركيا وروسيا. وهذا ما أشار إليه المعارض السوري عبد الرحمن الحاج لـ«الشرق الأوسط»، موضحًا أن هذا الاتفاق «يتضمن ضمانات بعدم مهاجمة أي الطرفين (النظام وقوات درع الفرات) لبعضهما بعضا، وحصر الجهود العسكرية ضد (داعش) أو (النصرة) المصنفتين إرهابيتين».
* «تنسيق مفترض»؟
هذا، وتتزايد الشكوك حول «تنسيق مفترض» بين الطرفين، بالنظر إلى أن الخريطة الجغرافية لتقدم قوات النظام، تشير إلى أنها تتجنب التقدم نحو الباب مباشرة، بل تسير بشكل دائري من غرب الباب إلى جنوبها، بالتزامن مع ضربات جوية تستهدف معاقل «داعش» في شرق المدينة وجنوبها الشرقي. ما يعني أن النظام يحاول إطباق الحصار على المدينة، ما يمهد لـ«درع الفرات» التقدم إلى الباب بعد أن يقطع النظام عنها خطوط الإمداد. وتتضاعف هذه المؤشرات إثر تقارير عن أن القوات التركية قدمت غطاء مدفعيًا لقوات النظام بالتزامن مع غطاء جوي روسي لقوات النظام وحلفائه أثناء تقدمها في ريف الباب.
بيد أن الحاج، وهو خبير في حركة الجماعات المتشددة، يستبعد هذه الفرضية؛ إذ يقول: «يدرك (داعش) أنه الجهة الوحيدة المباحة مواجهته لدى الطرفين بفعل اتفاق أنقرة، لذلك يحاول الانسحاب تدريجيًا من جنوب الباب أمام قوات النظام بهدف وضع حدود أمام تقدم القوات التركية، وتمهيد الطريق لصراع محتمل بين القوات التركية وقوات النظام على مدينة الباب إثر تقدم الطرفين إليها». وحسب الحاج فإن استراتيجية التنظيم المتطرف تقضي بـ«تمهيد الظروف لصدام بين الطرفين، أو حرمان تركيا من الوصول إلى مدينة الباب ومنحها بالمقابل للنظام، ثأرًا من الأتراك بعد عملياتهم التي طرد خلالها التنظيم من المتنفس الحدودي له في ريف حلب الشمالي، ومكافأة النظام الذي تربطه به اتفاقات سرية متصلة بالسماح بضخ المياه من مناطق سيطرته إلى حلب الخاضعة لسيطرة النظام، إضافة إلى اتفاقات على النفط وغيره».
* نقطة غير متفق عليها
جدير بالذكر أن قوات «درع الفرات» تقف على أعتاب مدينة الباب منذ شهرين تقريبًا، ولم تستطع السيطرة عليها حتى الآن. ومع أن روسيا نفذت ضربات جوية (محدودة) استهدفت المدينة بغرض تسهيل تقدم «درع الفرات» فيها، فإن مطلعين على الاتفاق التركي - الروسي، يؤكدون لـ«الشرق الأوسط» أن «الاتفاق يقضي بأن العمق المتاح لتركيا في ريف حلب الشرقي هو حدود مدينة الباب، ولم يوضح الاتفاق ما إذا كانت المدينة تدخل ضمن منطقة النفوذ التركي». وتابع مصدر مطلع على الاتفاق أنها «نقطة غير متفق عليها، وهو ما يفسر السباق بين النظام ودرع الفرات المدعومة تركيًا للوصول إلى المدينة»، مشددًا على أن «داعش هي الكعكة المباحة للطرفين والمجال المسموح ضمن الاتفاقات الدولية».
هذا، ومنذ استعادة النظام السيطرة على كامل مدينة حلب، أواخر الشهر الماضي، حوّل جهوده باتجاه ريف محافظة حلب الشرقي، بدلاً من التقدم باتجاه قوات المعارضة والفصائل المتشددة في ريفي حلب الغربي والجنوبي، وهي المعركة المؤجلة لكونها مقيّدة باتفاق أنقرة. وفي هذه الأثناء، تقدمت قوات النظام وحلفائه في 18 قرية على الأقل، تقع في غرب الباب وجنوب غربها وقلصت المسافة التي تفصلها عن المدينة نفسها إلى نحو 3 كيلومترات. وفي المقابل، بدأت بالتوسع جنوب مطار كويرس العسكري، والتمدد شرقه في محاولة لتقليص المسافة التي تفصلها عن دير حافر، أبرز المدن الخاضعة لسيطرة «داعش» في ريف حلب الشرقي. وفي حال تقدمت إلى تلك المنطقة، فإنها ستحصر وجود «داعش» في شرق نهر الفرات، بالنظر إلى أنها ستقترب إذ ذاك من الضفة الغربية لبحيرة الأسد وتقطع اتصاله بريف حلب.
كذلك، ستتمكن قوات النظام، في حال تقدمها إلى دير حافر، من إبعاد التنظيم عن الخط الحيوي الذي يربط مناطق سيطرته بحلب، بريف محافظة حماه، وهو خط الإمداد الوحيد للنظام إلى المدينة، ويعرف بـ«الخط الصحراوي».
* الوضع الميداني
في هذه الأثناء، ميدانيًا، تواصلت الاشتباكات أمس بين عناصر «داعش» من جانب، وقوات النظام والميليشيات الحليفة من جانب آخر، في المحورين الجنوبي والجنوبي الغربي للباب على بعد نحو 7 كلم من المدينة، في محاولة من قوات النظام تحقيق تقدم في المنطقة والسيطرة على مزيد من القرى والمناطق التي يسيطر عليها التنظيم المتطرف وسط قصف لقوات النظام على مناطق سيطرة التنظيم ومواقعه. وأفادت مواقع المعارضة بسيطرة النظام على قريتي القطبية وعران الواقعتين إلى الجنوب من الباب، وذلك بعد انسحاب مسلحي «داعش» منهما. كذلك حققت قوات النظام تقدمًا جنوب مطار كويرس العسكري، يخدم هدف حمايتها خطوط إمدادها إلى بلدة السفيرة (في جنوب شرقي حلب) التي تضم معامل الدفاع وأبرز مراكزه العسكرية.
المصدر: الشرق الأوسط
↧